قبل 7 مليارات سنة، اصطدم ثقبان أسودان ضخمان وكوّنا كتلة واحدة تعادل 142 ضعف كتلة الشمس.

موجات الزمكان الناتجة عن أكبر تصادم مُكتشف لثقب أسود

اصطدم ثقبان أسودان ضخمان قبل 7 مليارات سنة، ويُعد هذا أكبر تصادم لثقب أسود اكتُشِف في الفضاء، نتج عن هذا الاصطدام أكبر ثقب أسود مكتشف لدرجة أن الفيزيائيين لم يكونوا واثقين من إمكانية وجود مثل هذه الثقوب على الإطلاق.

رُصدت تموجات هذا الاصطدام باستعمال كاشفَي مرصد موجات الزمكان بالليزر «ليغو»، أحدهما في الولايات المتحدة والآخر في إيطاليا، في 21 سبتمبر 2019، بعد سفر هذه الموجات مدة 2.5 مليار سنة، وهي مدة أطول من عمر الشمس، كشفت هذه التموّجات عن اندماج ثقبين أسودين على الأقل، أحدهما تبلغ كتلته 85 ضعف كتلة الشمس، والآخر 66 ضعف كتلة الشمس، وعند اصطدامهما شكلّوا ثقبًا أسود كتلته تعادل 142 كتلة شمسية، أما الكتلة المتبقية من مجموع كتلتي الثقبين التي تبلغ 9 أضعاف كتلة الشمس فقد تحولت إلى طاقة بعد الاصطدام، ما أدى إلى حدوث اهتزاز في الفضاء بقوة كانت كافية لرصدها باستعمال «ليغو» وتحليلها باستعمال «فيرغو»، هذه هي الطريقة التي تحقق بها العلماء من وجود ثقبين أسودين أحدهما كتلته تساوي 85 كتلة شمسية والآخر كتلته 142 كتلة شمسية.

قال نيلسون كريستنسن أحد أعضاء تجمّع فيرغو إن هذه الإشارة لا ترجع إلى حدث معتاد، بل شيء أشبه بالانفجار.

هز هذا الانفجار منطقتنا الفضائية نحو 0.1 ثانية، بعد السفر مدة زمنية أطول من كل موجات الزمكان التي اكتُشِفت من قبل، أدرك الباحثون نوع هذه الثقوب السوداء وقدّروا حجمها بدقة، وذلك بتحليل شكل الموجة.

تُصنّف الثقوب السوداء إلى صنفين: ثقوب سوداء ذات كتلة نجمية وثقوب سوداء فائقة الكتلة.

تكونت الثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية من نجوم منهارة، لا تزيد كتلتها على عشرات أضعاف كتلة الشمس، وهي الثقوب السوداء التي اكتشفها فيرغو وليغو.

أما الثقوب السوداء فائقة الكتلة فتبلغ كتلتها ملايين أو مليارات الأضعاف مقارنةً بكتلة شمسنا لتكوّن مجرات كاملة حولها. معظم المجرات لديها ثقوب سوداء فائقة الكتلة ومنها مجرة درب التبانة، لم يعرف العلماء كيف تشكّلت هذه الثقوب ومن أين أتت، ولم يكتشفوا اندماجًا لمثل هذه الثقوب السوداء الرهيبة قط.

لوحِظ وجود مجال -فراغ- بين كتل الثقوب السوداء النجمية وفائقة الكتلة، إذ لم تُكتشف ثقوب سوداء تقع كتلتها ضمن هذا المجال. وفقًا لإحدى النظريات فإن الثقوب السوداء فائقة الكتلة ناتجة عن اندماج ثقوب سوداء نجمية معًا، لكن إذا كان الأمر كذلك فيجب أن يندمج الكثير من الثقوب السوداء النجمية لتكوّن ثقبًا أسود فائق الكتلة، وهذا ما لم يلاحظه العلماء من قبل.

قال كريستوفر بيري عالم الفيزياء في جامعة نورث وسترن: «أحد أكبر التساؤلات في الفيزياء الفلكية هو كيف تشكّلت الثقوب السوداء فائقة الكتلة؟ هل نتجت من اندماج الثقوب السوداء النجمية وانهيارها؟ أم أن مصدرها لم يُكتشف بعد؟ لقد بحثنا منذ فترة طويلة عن ثقب أسود ذي كتلة متوسطة لسدّ الفجوة الكُتليّة بين الثقوب السوداء النجمية والثقوب فائقة الكتلة، الآن لدينا دليل على وجود ثقوب سوداء متوسطة الكتلة».

أظهر هذا الاكتشاف أن الثقوب السوداء قد توجد ضمن فجوتين كُتليتين منفصلتين، وأن الثقب الأسود الذي تساوي كتلته 85 كتلة شمسية يوافق فجوة «عدم استقرار الزوجين».

يعتقد الباحثون أن النجوم ضئيلة الكتلة لا تتحول إلى ثقوب سوداء لأن الضغط إلى الخارج بفعل الفوتونات والغازات في نواتها يجعلها منتفخة في أحجام كبيرة، لكن في حالة الكتل الكبيرة تُحول الطاقة الموجودة في نواة النجم الفوتونات إلى أزواج من الإلكترونات والإلكترونات المضادة «البوزيترون»، التي تُنتج معًا ضغطًا أقل من الفوتونات. عندما ينهار النجم تصبح هذه العملية سريعة جدًا وحيوية لدرجة أن كتلة كبيرة تنطلق في الفضاء، لذلك فإن النجم الذي تعادل كتلته 130 كتلة شمسية يتحول إلى ثقب أسود كتلته تساوي 66 كتلة شمسية.

يتراوح مجال كُتل عدم استقرار الزوجين بين 66 كتلة شمسية و120 كتلة شمسية، إذ تُشير الحسابات النظرية إلى عدم وجود ثقوب سوداء الناتجة عن انهيار نجم كتلته ضمن هذا المجال. يقع الثقب الأسود الذي تبلغ كتلته 85 كتلة شمسية المُكتشف عام 2019 ضمن هذا المجال (66 – 120)، التفسير الأرجح لذلك أنه ثقب أسود من الجيل الثاني تكوّن من مرحلتين سابقتين. كتب الباحثون في دراستهم أنه من المرجح أن يكون الثقب الأسود ذو الـ 66 كتلة شمسية من نوع الجيل الثاني أيضًا.

يقع الثقب الأسود ذو الـ 142 كتلة شمسية في مجال كُتلي مختلف، أكبر من المجال السابق، المُفترض نظريًا أن تتكون الثقوب السوداء بكتلة أكبر من 120 كتلة شمسية من انهيار نجوم عملاقة، لكن لم تُكتشف ثقوب تقع ضمن هذا المجال، ولم يتحقق الباحثون من وجود ثقوب بهذه الكتلة من قبل. ما يهمنا الآن هو كيفية تكوّن هذه الثقوب. إن الثقب الأسود ذا الـ 142 كتلة شمسية الذي يقع بين مجال الثقوب السوداء النجمية وفائقة الكتلة يُثبت لنا إمكانية وجود ثقوب بهذه الكتلة.

كتب الباحثون أنه قد لا تكشف هذه الإشارة لنا عن ثقوب سوداء كبيرة جدًا كما اعتقدوا.

قالت الباحثة فيكي كالوجيرا من جامعة نورث وسترن: «ماذا لو أُنتج شيء ما جديد تمامًا موجات الزمكان هذه؟ إنّه احتمال محير، ربما تكون موجات الزمكان تلك قد انبعثت من انهيار نجم في مجرتنا، وقد تكون إشارة من أكوان أخرى نتجت بعد تضخم الكون في لحظاته الأولى».

لا يزال علم فلك موجات الزمكان علمًا جديدًا من المستحيل التحقق منه. إن جمع المزيد من بيانات الأحداث المستقبلية الجديدة لكل من فيرغو وليغو وأجهزة الكشف المستقبلية تُعطينا صورة أوضح، ومع ما يعد به هذا الحدث من وجود ثقوب سوداء كبيرة جدًا، فقد يصبح التفسير أسهل.

اقرأ أيضًا:

ثقوب سوداء تسلّط الضوء على كوننا

هل ما زال في كوننا أي ثقوب سوداء متبقية من الانفجار العظيم؟

ترجمة: سلام محمد حسن

تدقيق: عون حدّاد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر