في أعلى المعايير الكونية، يتشكل الكون من شبكة كونية تتكون من خيوط هائلة وهشة من الغاز تمتد بين كتل ضخمة من المادة. هذا ما تشير إليه أفضل نماذجنا، لكن كل ما تمكنا من رصده حتى اللحظة هو النجوم والمجرات في كتل المادة. إذن، هل الشبكة الكونية حقيقية؟ أم نتاج نماذجنا فقط؟ هل يمكننا تأكيد نماذجنا عبر رصد هذه الخيوط الغازية الباهتة؟

حتى وقت قريب، كانت هذه الخيوط بعيدة المنال، لكن تعاونًا بين علماء فلك راديوي أستراليين وعلماء فلك أشعة سينية ألمان أفضى إلى رصد أحدها.

بدأ تلسكوب مصفوف باثفايندر الأسترالي (ASKAP) الجديد التابع لهيئة البحوث الأسترالية في غرب أستراليا بإنتاج صورة واسعة المدى للكون في ترددات راديوية.

يستطيع هذا التلسكوب أن يبحث أعمق من أي تلسكوب راديوي آخر، ما يزيح الستار عن اكتشافات جديدة، كالدوائر الراديوية الغريبة غير المفهومة.

الرؤية بموجات الراديو والأشعة السينية

شهد هذا العام نشر القياسات الأولى بواسطة التلسكوب الفضائي الألماني (eROSITA)، الذي يعطينا أعمق صورة واسعة النطاق للكون في ترددات الأشعة السينية.

يتمتع هذان التلسكوبان بقدرة غير مسبوقة على مسح مساحات كبيرة من السماء في وقت واحد، ثم تُطابق هذه النتائج لدراسة الصفات واسعة النطاق للكون. يستطيع التلسكوبان تحقيق نتائج أفضل حين يعملان معًا.

خيط من الغازات امتداده 50 مليون سنة ضوئية مرتبط بالشبكة الكونية - شبكة كونية تتكون خيوط هائلة وهشة من الغاز تمتد بين كتل ضخمة من المادة - الشبكة الكونية

كشفت النتيجة الأولى من هذا التعاون عن خيوط كونية من الغاز الساخن.

قاد هذه الدراسة كل من توماس ريبريتش من جامعة بون وماركوس بروجن من جامعة هامبورغ، بمشاركة علماء أستراليين من هيئة البحوث الأسترالية ومن جامعات كيرتين، وماكواري، وموناش، وويسترن سيدني.

الشبكة الكونية

أنتج الانفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة كونًا مليئًا بالمادة المظلمة غير المرئية، إضافةً إلى غاز مبهم الصفات من الهيدروجين والهيليوم، وأشياء أخرى.

على مدى مليارات السنين القليلة بعد الانفجار، تجمعت الغازات معًا تحت تأثير الجاذبية، مشكلةً خيوطًا من المادة بفراغات واسعة بينها.

قد تحتوي هذه الخيوط الغازية على أكثر من نصف المادة الموجودة في الكون، على الرغم من أن الخيوط نفسها تحتوي على عشرة جزيئات فقط لكل متر مكعب، أي أقل من أصغر فراغ نستطيع إنشاءه على الأرض.

يُعتقد أن جميع المجرات التي نراها تقريبًا، بما في ذلك مجرتنا درب التبانة، تشكلت في هذه الخيوط، وأن المجرات تنحدر على طول الخيط حتى تتجمع في عناقيد المجرات الكثيفة عند نقاط تقاطع الخيوط.

حتى وقت قريب، كان كل ذلك افتراضيًا، فقد رصدنا المجرات والعناقيد، لكننا لم نتمكن من رؤية الخيوط الغازية.

الآن، استطاع التلسكوب الفضائي الألماني رصد الغاز الساخن في خيوط امتدادها 50 مليون سنة ضوئية. هذه خطوة مهمة للتقدم ولتأكيد صحة نماذجنا حول الشبكة الكونية.

تدفق سلس

توقعنا أن يؤدي الغاز الساخن إلى إثارة الإلكترونات، وهو ما يؤدي إلى انبعاث موجات راديوية، لكننا لم نتمكن من رصد الخيوط باستعمال تلسكوب مصفوف باثفايندر الأسترالي بطريقة مباشرة.

تشير هذه النتائج إلى أن الغاز الساخن يتدفق بسلاسة، دون اضطرابات تدفع الإلكترونات للتسارع وإنتاج موجات الراديو. لذلك السبب تندفع المجرات بسلاسة حتى تتجمع في العناقيد.

يمكننا أن نرصد المجرات وهي تتجمع في العناقيد من طريق صور الراديو التي يوفرها تلسكوب مصفوف باثفايندر الأسترالي. في الأطوال الموجية الراديوية، غالبًا ما نرى المجرات بين قوسين من الإلكترونات المتدفقة ناتجة عن انبعاثها بالقرب من الثقب الأسود في المركز.

مع ذلك، في صورنا الراديوية لهذه العناقيد، نرى الإلكترونات المتدفقة منحنيةً ومشوهةً نتيجة اصطدامها بالرياح بين المجرية الموجودة في الغاز الكثيف داخل العناقيد، هذا تأكيد جيد لنماذجنا.

هذا العمل ليس مهمًا فقط لتأكيد نماذجنا حول الكون، ولكنه أيضًا النتيجة الأولى التي تأتي من التعاون بين تلسكوب مصفوف باثفايندر الأسترالي والتلسكوب الفضائي الألماني.

يتناغم هذان التلسكوبان بشكل جميل في مسح الكون، ورؤيته بصورة جديدة لم يسبق لها مثيل، ويتوقع أن يكون هذا الاكتشاف الأول من بين العديد من الاكتشافات.

اقرأ أيضًا:

أربعة أشياء غامضة رصدت في الفضاء العميق لا تشبه أي شيء رأيناه مسبقًا!

الكوزمولوجيا و الانفجار العظيم

ترجمة: حمزة البدارنة

تدقيق: حسام التهامي

المصدر