أحيانًا يتطلب تحقيق اكتشاف فيزيائي جديد مستويات هائلة من الطاقة وآلات كبيرة ومعدات متطورة وساعات طويلة من البحث والتدقيق في أكوام البيانات، ذلك ما تطلبه اكتشاف بوزون هيغز مثلًا.

قد يفتح المزيج المناسب من المواد أبوابًا إلى عوالم خفية ضمن حيز مكاني صغير.

مثلًا، هذا الجسيم شبيه بوزون هيغز، عُثر عليه متواريًا في قطعة من بلورات التيلوريوم طبقية الارتصاف في درجة حرارة الغرفة. لم يستغرق إيجاده سنوات من تحطيم الجسيمات على عكس بوزون هيغز. كل ما تطلبه الأمر كان استخدامًا ذكيًّا لبعض أشعة الليزر، وحيلةً لفصل الخصائص الكمومية لفوتوناتها.

يقول كينيث بارش، عالم الفيزياء في جامعة بوسطن، الكاتب المشارك في الدراسة معلنًا اكتشاف الجسيم: «لا يحدث كل يوم أن تجد جسيمًا جديدًا على طاولتك».

رصد بارش وزملاؤه ذبذبة كمومية تُعرف بنمط هيغز المحوري، ربما تُعد -عمليًّا- نوعًا جديدًا من الجسيمات.

مثل العديد من الاكتشافات في الفيزياء الكمومية، تقربنا ملاحظة حدوث السلوكيات الكمومية النظرية من اكتشاف عيوب محتملة في النموذج المعياري، وتساهم في التركيز على حل بعض الألغاز الباقية.

يقول بارش: «كان رصد هيغز المحوري متوقعًا في فيزياء الجسيمات عالية الطاقة لتفسير المادة المظلمة». «لكنه لم يُرصد من قبل. كان ظهوره في نظام مادة كثيفة مفاجئًا تمامًا، ومؤذنًا باكتشاف حالة غير متناسقة جديدة غير متوقعة».

قبل 10 سنوات، حدد الباحثون في مصادم الهادرونات بوزون هيغز رسميًّا ضمن نواتج تصادم الجسيمات. إضافةً إلى إنهاء البحث عن الجسيم، دُق مسمار آخر في نعش النموذج المعياري، إذ تُشكل الجزيئات الأساسية حجر الأساس للطبيعة.

باكتشاف حقل هيغز، تمكنا أخيرًا من تأكيد فهمنا لكيفية اكتساب مكونات النموذج كتلةً في حالة الاستقرار. كان ذلك فتحًا عظيمًا للفيزياء ما زلنا نستخدمه لفهم الخواص الداخلية للمادة.

مع أن أي جسيم هيغز مفرد يوجد بالكاد لجزء من الثانية، فإنه جسيم حقيقي، يومض لوهلة في الواقع بوصفه إثارةً منفصلة في الحقل الكمومي.

لكنّ ظروفًا أخرى قد تمنح الجسيمات كتلة. مثلًا، قد يؤدي الغرض شذوذًا في السلوك الجمعي لدفقة من الإلكترونات، يُسمى موجة كثافة الشحنة.

هذه النسخة المركبة من هيغز، المُسماة نمط هيغز، قد تُظهر أيضًا صفات لا تُرى في هيغز، مثل درجة محدودة من الزخم الزاوي (الفتل).

لا يؤدي «الفتل 1» -أو نمط هيغز المحوري- دورًا مشابهًا لبوزون هيغز ضمن ظروف محددة جدًا فحسب، بل يزودنا -وغيره من أشباه الجسيمات- بأرضية مثيرة لدراسة الكتلة الغامضة للمادة المظلمة.

بوصفه شبه جسيم، لا يُرى نمط هيغز المحوري إلا صادرًا عن السلوكيات الجمعية لحشد من الجسيمات. يتطلب رصده معرفة بصْمته من بين مجموعة من الموجات الكمومية، وإيجاد طريقة لغربلته منها.

اكتشف بارش وفريقه صدى نمط هيغز المحوري في طبقات من التريتيلوريد النادر، بإرسال أشعة مترابطة تمامًا من ليزرين عبر المادة، ثم مراقبة ارتصاف النماذج الدالة.

يقول بارش: «على عكس الشروط القاسية المطلوبة عادةً لرصد جسيمات جديدة، جرى هذا الاكتشاف في درجة حرارة الغرفة، ضمن تجربة صغيرة ننجز فيها تحكمًا كموميًّا في النمط، بتغيير قطبية الضوء فحسب».

قد يوجد الكثير من الجسيمات المشابهة التي تظهر من تشابك الأجزاء المكونة للمواد الكمومية الغريبة. قد يساعدنا امتلاك وسيلة لالتقاط لمحة من ظلها في ضوء الليزر بسهولة على كشف مسار جديد للفيزياء الحديثة.

اقرأ أيضًا:

ما هو حقل هيغز ؟

هل سنجد رابطًا بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة يومًا ما؟

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر