اكتشفت مجموعة من العلماء المتخصصين في دراسة الجليد والأنهار الجليدية فيروسات عمرها يقارب 15 ألف عام في عينات جليدية أُخذت من هضبة التبت في الصين!

تتسارع عملية ذوبان الجليد والأنهار الجليدية نتيجة الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة حول العالم وتكشف أحيانًا تلك العملية عن أشياء أو كائنات مخبأة ومحفوظة ضمن الجليد كنا نفضل حقًا ألا يظهر بعضها، إذ تشير دراسة نُشرت في مجلة ميكروبيوم Microbiome، أُجريت على عينات متجمدة من نهر جليدي في التبت يعود تاريخه إلى حوالي 15000 عام، إلى أنه قد يشمل فيروسات من لم نرها أو نعهدها من قبل! قد تكون هذه الأصناف المكتشفة من الفيروسات غير معدية أو مؤذية للبشر، ناهيك عن تهديد صحتنا، لكننا لا نعرف حتى الآن ما طبيعة تلك الفيروسات التي تكمن هناك!

قال تشي بينج تشونج المؤلف الرئيسي للدراسة والباحث في جامعة أوهايو:«تشكلت هذه الأنهار الجليدية تدريجيًا، ترسبت فيروسات عديدة ضمن ذلك الجليد إلى جانب الغبار والغازات، وما تزال الأنهار الجليدية في غرب الصين غير مدروسة جيدًا، وهدفنا هو استخدام هذه المعلومات لتعكس أحوال البيئات وأنواع الحياة التي كانت موجودة في المراحل السابقة، وتُعد الفيروسات جزءًا من تلك البيئات».

حلل العلماء، بمساعدة الباحث تشونغ والمؤلفين المشاركين في الدراسة، عينات اللب الجليدي المأخوذة من الغطاء الجليدي بالقرب من قمة غوليا الواقعة على ارتفاع 6700 متر (22000 قدم) فوق مستوى سطح البحر، وأفاد المؤلفون أنهم عثروا على الشيفرات الوراثية لـ 33 فيروسًا، أربعة فيروسات منها فقط كانت معروفة ومدروسة سابقًا تنتمي إلى صنف العاثيات، وهي الفيروسات التي تصيب البكتيريا، ومن المرجح أن يستخدمها البشر في الأبحاث والدراسات العلمية المفيدة أكثر من كونها مصدرًا يشكل تهديدًا لنا.

بطبيعة الحال، لا نعرف سوى القليل عن أنواع الفيروسات الـ 29 الأُخرى التي لا تتطابق مع أي صنف أو نوع معروف أو مدروس سابقًا، ويُعتقد أن هذه الأنواع تعيش –إذا صح التعبير بأن الفيروس يُعتبر كائن حي– في ميكروبات التربة أو النباتات، وليس الحيوانات، وعُثر في هذه العينات الجليدية على العديد من الكائنات المشتبه بها أنها مُضيف طبيعي لهذه الفيروسات، وخاصة البكتيريا من جنس الميتيلوباكتيريوم.

قال البروفيسور ماثيو سوليفان، المؤلف المشارك في الدراسة:«هذه الفيروسات كان من الممكن أن تتطور وتزدهر في البيئات القاسية، هي فيروسات لها بصمات وراثية تكسبها المقومات التي تساعدها على إصابة الخلايا في البيئات الباردة؛ مجرد بصمات وراثية سريالية لكيفية بقاء ونجاة الفيروس في الظروف القاسية، ليس من السهل الحصول على هذه البصمات الوراثية واستخلاصها، والطريقة التي طورها تشي بينج تشونج لتعقيم عينات لبّ الجليد ودراسة ميكروبات وفيروسات في الجليد دون تلويث العينات يمكن أن تساعدنا على البحث عن هذه التسلسلات الوراثية في بيئات جليدية متطرفة وبعيدة أُخرى، كالمريخ، على سبيل المثال، القمر، أو بشكل أقرب؛ في صحراء أتاكاما على الأرض».

سيكون العثور على فيروسات على سطح القمر صدمة للعلم، على أقل تقدير، لكن علماء الأحياء الفلكية يحبون تطبيق هذه التقنيات على بعض أقمار النظام الشمسي الخارجية.

ذكرت الورقة البحثية أنه عُثر على الميكروبات لأول مرة في النهر الجليدي منذ أكثر من قرن، ومع ذلك تعد دراسة فيروسات الأنهار الجليدية جديدة نسبيًا، ومع تسارع ذوبان الجليد، اهتم الباحثون بدراسة هذا الموضوع كثيرًا، وقد حددت دراستان سابقتان فقط فيروسات عثر عليها العلماء في الأنهار الجليدية، وقد يعكس هذا قلة الاهتمام بدراسة ذلك الجانب، أو حقيقة أن معظم عينات اللب الجليدية تُجمع من القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند، أي بعيدًا عن المصادر الأُخرى المحتملة لوجود الفيروسات.

نحن نفكر في الفيروسات -وخاصة في الآونة الأخيرة- على أنها ليست سوى فيروسات لإلحاق الضرر بالكائنات المضيفة لها، ومع ذلك، فإن بعضها مفيد بالفعل، ويعتقد تشونغ وسوليفان أن هذا هو الحال على الأرجح بالنسبة لمعظم تلك الفيروسات التي عثروا عليها، إذ قد تساعد هذه الفيروسات البكتيريا على البقاء على قيد الحياة في البيئات القاسية القريبة من النهر الجليدي، على سبيل المثال عن طريق نقل المورثات التي تساعد الكائنات المضيفة لها بالحصول على العناصر الغذائية اللازمة لها للبقاء والنجاة، ولذلك، قد تسمح نتائج هذه الدراسة للعلماء بفهم أفضل لتطور الفيروسات على مر القرون، وخاصة كيفية تأقلمها مع التغيرات المناخية.

اقرأ أيضًا:

قريبًا: إيقاظ فيروس عملاق عمره 30.000 سنة عثر عليه في جليد سيبيريا!

يمكن للميكروبات المحبوسة في الجليد أن تطلق جائحات جديدة

ترجمة: أليسار الحائك علي

تدقيق: بشير حمّادة

المصدر