في أكتوبر 2020 بمدينة تورونتو، افتُتِح آر سي كوفي أول مقهى روبوت في كندا، ما أعاد إحياء مفهوم المطعم الآلي في البيع بالتجزئة، وهو مطعم تُقدم فيه التكنولوجيا والروبوتات الأطعمة والمشروبات بدل الموظفين البشريين.

يتكون المقهى الآلي الجديد من شاشة لمس لتقديم الطلبات، ونافذة تمكن العملاء من مشاهدة يد روبوت تُعدُّ لهم القهوة، وفتحةٍ تُوزع الطلبات بعد إعدادها.

وبدا أن للشكل الجديد من التشغيل الآلي الرقمي شعبية أخذت تزداد في كندا على مدى العقد الأخيرة، ومن دوافعها درء المخاوف المتعلقة بالسلامة العامة خلال جائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى نقص الأيدي العاملة في قطاع الخدمات.

شهدت مدينة تورونتو ظهور عدة نماذج من الروبوتات التجارية تتضمن التشغيل الآلي، من متجر آيل 24 الخالية من الصرافين وآلات بيع البيتزا المتوفرة على مدار الساعة في بيتزا فورنو.

حتى كتابة هذا المقال، توجد على الأقل عشرة مقاهٍ آلية، ستة محلات بيتزا، وأربعة عشر محل بقالة في تورونتو والمزيد منها في منطقة تورونتو الكُبرى.

تُؤكد غالبية الشركات الجديدة على أهمية وسائل الراحة غير المسبوقة التي تُتيحها التكنولوجيا الحديثة. كما تُظهر آر سي كوفي في الإعلانات بموقعها: «مقهانا الروبوتي الرائد مُتاح على مدار الساعة ويبقى مفتوحًا في كل أيام السنة».

مع إن الراحة التي يوفرها غياب التواصل في هذه المتاجر قد تكون مُلفتة، ولكن من المهم أن نتوقف ونضع بعين الاعتبار من سيستفيد أكثر من الابتكارات، ومن سيتضرر من تجاهلها.

لا بطاقة، لا هاتف، لا خدمة

من ضمن المخاوف المتعلقة بالمتاجر الآلية التي تعتمد على الروبوتات اشتغالها عمومًا على النماذج التجارية غير النقدية، إذ يتمّ الدفع عبر واجهة شاشة اللمس المُقترنة بجهاز نقطة بيع (نقبل فقط الدفع الائتمان أو الخصم أو الهاتف الذكي).

تتماشى هذه الممارسة مع تدنّي استعمال النقد بصورةٍ عامة في معاملات البيع بالتجزئة في كندا، وهي نزعةٌ آخذة في الانتشار مسبقًا قبل 2020، لكنها تسارعت خلال جائحة كوفيد-19.

ومع إن ترتيبات الدفع غير النقدي تلاءم الكثيرين، فقد تمنع بعض الأفراد من مساندة هذه المشاريع. فغالبًا ما يذكر أن الأشخاص المُشردين حاليًا هم الفئة الأولى التي تعتمد على النقد، وعلى أي حال، تُشير التقديرات إلى أن حوالي 15% من الكنديين لديهم معرفة محدودة جدًّا بالخدمات الرقمية للبنوك.

وبما أن هؤلاء الأفراد القاصرين عن استعمال الخدمات الرقمية للبنوك غالبًا ما ينتمون إلى مجموعات محدودة الدخل، فهم مُثقلون مسبقًا برسوم المعاملات المرتبطة بمدفوعات الخصم بنسبةٍ تفوق غيرهم.

يذهب متجر آيل24 أبعد من ذلك، إذ يستلزم من العملاء أن يحمّلوا التطبيق، وإنشاء حساب للدخول إلى متاجره الخالية من الموظفين. إذ يمثل هذا عائقًا أمام المجموعات السابقة، ويؤثر في كبار السن المُتأخرين عن غيرهم في اعتماد الهواتف الذكية.

التشغيل الآلي وإتاحة الاستعمال

بعكس ممرات الدفع في متاجر البقالة التي تحافظ في الغالب على موظفيها للمساعدة على استكشاف الأعطال في المشكلات التقنية، غالبًا لا تملك المتاجر الآلية التي تعتمد الروبوتات موظفين يشتغلون في نفس المكان. ويمثل هذا نقصًا ومشكلة محتملة في حال احتاج زبون إلى مساعدة فورية، خاصة عندما تكون مساعدة متعلقة باحتياجاتٍ خاصة.

يذكر المعهد الوطني الكندي للمكفوفين أن أجهزة الدفع ذات شاشات اللمس عادة ما ينقصها رد الفعل الملموس أو غيرها من الميزات الملائمة، ما يخلق حاجزًا للكنديين الفاقدين للبصر.

على غرار ذلك، فإن التعليمات الخاصة للتفاعل مع هذه الأتمتة تمثل بالفعل صعوبات جسدية أو ذهنية، نظرًا لكون بنية المتجر عمومًا وواجهات الاستعمال خصوصًا غير نمطية، فكل شيء توفره بصورةٍ بصرية من خلال اللافتات الإلكترونية والتعليمات المطبوعة والشارات الأرضية.

مع إن هذه الشركات عادةً تمد عملائها برقم هاتف أو بريد إلكتروني للمساعدة عن بعد، فإن غياب الموظفين عن المكان يثير أسئلة حول مدى ملائمة البيع بالتجزئة دون موظفين مع قانون الاتاحة لسكان أونتاريو ذوي الإعاقة.

ينص معيار خدمة العملاء ضمن هذا القانون على أن الخدمات يجب أن تكون متاحةً لجميع العملاء بصورةٍ متساوية، إذ لا يتحمل ذوو الإعاقة متاعب أكثر، ويتطرق خصيصًا إلى المشاريع المعتمدة على الشاشة المرئية بدلًا من خدمة العملاء.

اختفاء المرافق العمومية

يتسبب التشغيل الآلي عبر الروبوتات لنقاط البيع بالتجزئة عادةً في إغلاق المرافق العمومية التي كانت الوجهة البديهيّة للزائرين.

في مدن كبرى بأمريكا الشمالية مثل تورونتو، أصبحت المزيد من الفضاءات مثل المنتزهات العمومية والأسواق ومحطات مترو الأنفاق تُصمم من دون المرافق المتوقعة مثل فضاءات الجلوس، ونافورات مياه الشرب والحمامات العمومية.

وإلغاء هذه المرافق غالبًا ما يكون اختيارًا مقصودًا في التصميم من أصحاب المشاريع أو أصحاب المصالح البلدية، بهدف ردع الناس عن التسكع، وخفض تكاليف الصيانة والحماية من التخريب.

تتميز معمارية المتاجر الآلية (الروبوتات) مثل «آر سي كوفي» بإلغاء بعض الخدمات، إذ نلاحظ غياب الواي-فاي المجاني والمقاعد داخل المبنى، والحمامات التي تتوقع وجودها عادةً في المقاهي.

وبدلاً من ذلك، تحولت واجهات المبنى إلى شاشاتٍ سلسة لاستلام الطلبات. وفي حالاتٍ عديدة، كانت المرافق موجودةً مُسبقًا في هذه المواقع، لكنها أُلغيت خلال التجديدات.

تُظهر البيانات التاريخية لتطبيق جوجل ستريت فيو أن أحد مقرات آر سيكوفي كان يحتوي اثنين من المقاهي التقليدية التي يمكن الجلوس داخلها قبل افتتاح المقهى الآلي في 2021.

انسحاب الاستثمار من توفير المرافق العمومية بصورةٍ عامة يندرج ضمن توجه أشمل في التخطيط المدني الكندي نحو المعمار الوقائي، الذي يستهدف بنسبة أعلى الشباب والأشخاص الذين يعانون من التشرد.

بينما تستمر المتاجر الآلية التي تقدم خدماتها بوساطة الروبوتات والخالية من الموظفين في إزاحة الشركات التقليدية، ينقاد السكان بسهولة للتوقف عن قضاء أوقاتهم في الفضاءات العمومية، ما عدا التعاملات التجارية المُقتضبة. بالإضافة إلى كونها مُعضلةً لخدمة العملاء، وتُظهِر هذه النزعة الحديثة نحو التشغيل الآلي واستعمال الروبوتات تحولًا هائلًا في كيفية تعاملنا مع مدننا، ومع بعضنا.

اقرأ أيضًا:

ما هي أشهر 10 خرافات علميّة يصدقها الناس؟

الروبوتات غير ناجحة كثيرًا في العمل في المطاعم وخدمة الزبائن

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: غفران التميمي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر