الثانية الإضافية … لأن ساعاتنا أدق من الأرض نفسها، كان شهر شباط عام 2016 أطول من أقرانه بيوم، وهو ما يجعلنا نتذكر أن هذا العام 2016 كان عامًا كبيسًا. اقترح يوليوس قيصر فكرة اليوم الإضافي الذي نحتاجه لأن العام المداري لا يساوي بالضبط 365 يومًا نفسها المكوّنة للعام في التقويم، وبدون هذا التعديل سيأتي شهر كانون الأول في الربيع أو قد نجد أمطاراً وثلوجًا في شهر تموز، ومع الوقت ستتغير مواعيد الفصول الأربعة لتمر عبر كل شهور السنة.

لتحافظ الشهور على خصائصها المعتادة يُضاف يوم إضافي كل أربع سنوات (مع بعض الاستثناءات، حيث لا يضاف هذا اليوم في السنين التي تقبل القسمة على 100 ولا تقبل القسمة على 400)، وذلك يُبقي الفصول في مواعيدها المعتادة.

ولكن إضافة يوم كل فترة لا يكفي، فيبدو أن الساعة أيضًا تحتاج إلى تعديل كل فترة لتتفق مع التوقيت الحقيقي، حيث نحتاج إلى عمل تعديلات دورية على ساعتنا العالمية، ولكن ما هي الساعة العالمية وما هو التوقيت الحقيقي الذي يجب أن تتفق معه؟

الساعة العالمية هي الأرض نفسها أو بمعنى أدق دوران الأرض، هذا الدوران هو ما يسبب الدوران الظاهري للشمس والذي يُعتبر هو الأساس الأصلي لتقسيم اليوم.

والتوقيت الحقيقي هو التوقيت الذري، إنه مرجع محايد دائم الدقة ومنتظم، يتم تحديده والعناية به بواسطة متخصصين على مستوى العالم.

استثمر العلماء الكثير من الوقت والجهد لقرون عديدة لبناء آلات حفظ الوقت (الساعات) وأتاحت الزيادة مستمرة في دقة تلك الآلات تتبع الأجرام السماوية بدقة.

اليوم أصبحت ساعاتنا دقيقة جدًا لدرجة أن الأرض نفسها هي التي تخرج عن التوافق مع تلك الساعات. لذلك نحتاج كل فترة إلى عمل تعديلات إضافية بإضافة ثانية (الثانية الإضافية).

بالتأكيد لن نقوم بهذه التعديلات على الكوكب، ولكن على نظام التوقيت العالمي الذي بناه الإنسان ليعبر عن توقيتنا الأرضي ويطلق عليه التوقيت العالمي الموحد- UTC وهو مساوٍ لتوقيت غرينيتش ويعتبر المرجع لكل أنظمة التوقيت الأخرى.

UTC هي ساعة بدقّة ذرية ولكن بدلًا من تركها تعمل بانتظام يتم تعديلها لتتوافق مع الحركة الدورانية للأرض.

لنفترض أن في منطقتك الزمنية يكون الظهر (أي تعامد الشمس على الأرض) عند الساعة الثانية عشرة تمامًا، تحرص الساعة الذرية العالمية (UTC) على بقاء ذلك الوضع للأجيال القادمة، وللتأكد من حدوث ذلك يجب أن نضيف بعض الثواني الإضافية.

وبالرغم من قدرة الثواني الإضافية على أن تُبقي الشمس في  تزامن مع ساعتنا إلا أن ذلك يواجه بعض التعارض كما سنرى في المقال.

ولكن قبل أن نصل لذلك يجب أن نعرف لماذا نحتاج لتلك الثواني من الأصل.

لماذا لا يدور كوكبنا حول نفسه بمعدل ثابت؟ ولماذا نحتاج تلك الثواني الإضافية الغير متوقعة والتي تحتاج إلى اجتماع “خبراء الزمن” للإقرار بإضافتها؟

تغيرات عشوائية في الزخم الزاوي

الزّخَم الزاوي هو قيمة متجهة لقياس مدى توجيه الزخم الخطي بالنسبة لنقطة اختيارية تدعى المركز. (الزخم هو كميّة الحركة ويعرّف بأنه حاصل ضرب كتلة الجسم في سرعته).

استخدام تعبير “إضافة” هو متعمّد، فمنذ بداية تعريف الثواني الإضافية في عام 1972، وجدنا أنه يجب دائمًا أن نضيف الثواني ولا نحذف أبدًا.

وهذا لأن السبب الرئيسي لتغير سرعة دوران الأرض هو التباطؤ المستمر بسبب عمل حركة المد كمكابح أو فرامل لدوران الأرض، ولكن بالرغم من استمرار تلك المكابح فإنها ضعيفة جدًا وتدريجية فطول اليوم قد ازداد بمعدل 2 من الألف من الثانية على مدار القرنين الماضيين. لذلك لا تقلق فالأرض لن تتوقف عن الدوران قريبًا.

اقرأ أيضًا: ماذا سيحصل في حال توقفت الأرض عن الدوران حول نفسها فجأة ؟

منذ اقتراح فكرة الثانية الإضافية تم إضافة 26 ثانية إضافية، ويتم الإعلان عن الثانية الإضافية قبل ميعاد إضافتها بستة شهور.

الاحتكاك الناتج عن المد والجزر ينقل الزخم الزاوي لدوران الأرض لزخم دوران القمر حول الأرض، مما يسبب ابتعاد القمر عن الأرض وزيادة طول الشهر القمري.

بالأخذ في عين الاعتبار الفترات الزمنية الطويلة، نجد هذا التباطؤ التدريجي تسبّب في نقص عدد أيام السنة.

نستطيع أن نرى ذلك من خلال تحليل أشكال نمو المرجان القديم جدًا، حيث نجد أن ديناصورات العصر الجيوراسي ربما تكون عاصرت أيام طولها 23 ساعة وكانت السنة (الدورة الكاملة للأرض حول الشمس) تتكون من 385 يوم.

يضاف إلى هذا التباطؤ التدريجي بعض التقلبات الأخرى في طول اليوم، والتي قد تتكرر بفترة زمنية قد تمتد من عشرات السنين حتى بضع ساعات، أسبابها معقدة وعشوائية وبالتالي يصبح من غير الممكن أن نحدد مواعيد إضافة الثواني الإضافية.

آخر مرة تم إضافة ثانية الى الساعة كان في يوم 30 يونيو 2015 ولكن ميعاد إضافة الثانية القادمة يظل مجهولًا.

حسنًا ما هي أسباب تغير طول اليوم إذًا؟

بالرغم من وجود أحداث كثيرة مختلفة تؤدي إلى ذلك، ولكن كل تلك الأحداث هي في الأصل إعادة توزيع كتلة كوكبنا. أي أن إعادة توزيع كتلة الكوكب تسبب تغيير سرعة دوران الكوكب حول نفسه.

لن تكون تلك المعلومة مفاجئة لك إذا كنت شاهدت من قبل عروض التزلج الفني على الجليد. عندما يقوم المتزلج (أو المتزلجة) بسحب يديه إلى الداخل تزداد سرعة دورانه وعندما يبسطها الى الخارج تتباطأ سرعته. يعتبر هذا توضيح هام لقانون حفظ الزخم الزاوي (كمية الحركة الزاوية)، وهو قانون طبيعي ينص على الحفاظ على الزخم الزاوي ثابتًا في أي نظام مغلق.

كيفية قياس الزخم الزاوي لجسم دوار يتم حسابها (تقريبيًا) عن طريق حساب مجموع كل قيم الزخم الزاوي لكل أجزاءه، فالأجزاء الأكثر الكثافة تسبب زخم زاوي أكبر من الأجزاء الأقل كثافة والأجزاء الأبعد عن محور الدوران تسبب زخمًا أكثر من الأجزاء الأقرب. وطالما لا يؤثر على هذا الجسم أي عزم دوران (قوة دافعة إضافية في اتجاه أو في عكس اتجاه دورانه) فسيظل الزخم ثابتًا بمعنى آخر سيتم الحفاظ عليه. في مثال المتزلج العزم الوحيد المؤثر عليه هو الاحتكاك المتولد عند نقاط التلاقي بين الزلاقات والجليد.

هذا الاحتكاك الصغير سيقلل من سرعة المتزلج تدريجيًا، ولكن كيف يزيد من سرعته؟ عندما يقرب المتزلق يديه إلى جسده يغير من توزيع كتلة جسمه حول محور الدوران، وبما أن الكتلة الآن مساهمتها أقل في حساب الزخم الزاوي الكلي فلابد لمعدل الدوران أن يزيد ليحافظ على قيمة الزخم الكلي.

بالمثل مع كوكب الأرض، إذا تسببت أي عملية في تحريك جزء من كتلة الأرض مقتربة من محور الأرض فإن معدل دوران الأرض سيزداد وسيصبح يومنا أقصر، وإذا كانت إعادة التوزيع غير منتظمة فسيؤدي ذلك إلى تأرجح الكوكب وهو شيء يحدث أيضًا ويتم ملاحظته.

الجيولوجيا والجاذبية… ونسغ الأشجار

اتّضح أن الكثير من الأحداث التي تحدث بداخل الكوكب أو حتى في غلافه الجوي تُسبب إعادة توزيع كتلة الأرض.

مثلًا لب الأرض والوشاح المنصهر المتدفق بطريقة لا نلاحظها ولا يتم قياسها، لكن يمكن تحديدها عن طريق قياس التغير في دوران الأرض حول نفسها. الزلازل أيضًا تسبب تغير في شكل القشرة الأرضية.

البحار أيضًا تساهم في ذلك، حيث أن الماء البارد أكثر كثافة من الدافئ، ولذلك الحركة الموسمية للمحيطات تسبب في تغيير طول اليوم.

الذوبان المستمر للصفائح الجليدية الناتج من التغير المناخي أيضًا يساهم في زيادة معدل دوران الأرض بصورة تم قياسها، حيث يذوب الجليد المرتفع عن الأرض ويتحول إلى ماء أقرب إلى المحور بالضبط كما تقترب اليدين إلى جسم المتزلج.

لقد بلغت تكنولوجيا قياس التغير في طول اليوم من الدقة أن ارتفاع النسغ في الأشجار (بالإضافة الى بعض التغيرات في الكتلة الحيوية) أصبحت قابلة للقياس.

هناك سبب آخر ولكن لا ينطبق على مثال المتزلج يؤثر على طول اليوم. إذا اتخذت حركة الرياح أو المحيطات اتجاه سائد نحو الغرب أو الشرق بصورة رئيسية وسببت بالتالي عزم زاوي إضافي إجمالي لا يساوي صفر يجب أن يحدث التوازن بمعادلة ذلك العزم وتغير معدل دوران الأرض الصلبة.

استمر العمل على تقديم نموذج لتأثير حركة الرياح والتيارات البحرية على طول اليوم. حيث أن التغيير المستمر حتى وإن كان بطيئًا جدًا يكون واضحًا للقياس مع مرور الفترات الزمنية الطويلة ولذلك فالتغير في طول اليوم يعتبر معلومة قديمة معروفة منذ بداية القرن التاسع عشر، ولكن في السنين القليلة السابقة فقط أصبحت القياسات دقيقة ومعقدة كفاية لتلاحظ تلك التغيرات البسيطة الموسمية واليومية على معدل دوران الأرض.

تقع مهمة قياس طول اليوم على عاتق نظام الخدمة الدولية لقياس معدل دوران الأرض-IERS، هناك طرق مختلفة لقياس ذلك التغير ولكن الطريقة الرئيسية تعتمد على قياس نبضات الأشعة الميكروية (microwave) القادمة من الأجسام البعيدة جدًا خارج مجرتنا باستخدام كواشف موضوعة على مسافات متباعدة جدًا، القياسات دقيقة للغاية لدرجة أن هذه الكواشف المتصلة بالأرض وتتحرك معها في حركات المد، يتحتّم أخذ تلك الإزاحة بالاعتبار أثناء القياس.

بغض النظر عن التحديات التي تواجه عملية القياس، يتم إرسال تلك النتائج إلى نظام يسمى UT1 وهو يقوم بتتبع اليوم الشمسي، وعندما يزيد الفرق بينه وبين (UTC) عن 0.9 ثانية، تعلن منظمة (IERS) عن وجوب إضافة الثانية الإضافية.

اقرأ أيضًا:

مساوئ الثانية الإضافية

يعتمد جزء كبير من حياتنا اليومية على العمل السلس لشبكات كبيرة من أجهزة الحواسب الآلية التي يحتوي كل منها على ساعة، وكل ساعة تتوقع أن الثانية التي تلي 23:59:59 هي 00:00:00 ولكن عند إضافة الثانية الإضافية تم الاتفاق أن يحدث ذلك بإضافة الثانية المستحيلة 23:59:60 بين الثانيتين الأصليتين.

ولكن ما المشكلة في ذلك؟ حسنًا الكثير من المبرمجين ربما يكونوا غير مدركين لإمكانية حدوث الثانية الإضافية، ولذلك عندما يتم إضافة الثانية الإضافية يصيب الرعبُ الكثيرَ من أقسام تكنولوجيا المعلومات على مستوى العالم. أيضًا بعض الأنظمة الحيوية مثل أنظمة حجز رحلات الطيران تتوقف أحيانًا عن العمل وتسبب توقف كل شركائها معها من شركات الطيران والحجز.

يقول بعض المسؤولين أن تلك الثانية الإضافية لا تستحق ذلك العناء. في اعتقادهم أن الأجيال القادمة لن تمانع هذا التغير البسيط في توقيت الظهيرة (ميعاد تعامد الشمس على الأرض)، وأن الحفاظ على المعنى التقليدي للساعات لا يستحق تلك المشاكل والتعقيدات التقنية.

حتى أن هناك بعض التقارير التي تتحدث عن تعالي بعض الأصوات المعارضة لنظام الثانية الإضافية في اجتماعات (التجمع العلمي الدولي للمحافظين على التوقيت)، حيث تم طرح فكرة إيقاف العمل بالثانية الإضافية.

يفكر آخرون في حل تقني لتلك المشكلة، مثلًا شركتَي جوجل وأمازن اتخذتا أسلوبًا بديلًا حيث يتم التلاعب بالثواني القليلة التي تسبق الثانية الإضافية الرسمية وبدلًا من إضافة ثانية كاملة في مرة واحدة يتم إضافة تلك الثانية بالتدريج حتى تتوافق ساعتهم مع الساعة العالمية تدريجيًا.

في النهاية أيًا كان ما يتفق عليه المسؤولون للحفاظ على التوقيت، يظل من الواضح أن حضارتنا وصلت إلى النقطة التي نستطيع فيها قياس أي تغير بسيط في معدل دوران كوكبنا ويجب أن يكون هذا مصدر إعجاب وفخر لنا.

اقرأ أيضًا:


المصدر