أظهرت دراسات أُجريت في كل من جامعة ولاية أريزونا وجامعة ستانفورد بأن الحصين يزود مناطق الدماغ الأخرى بالمعلومات أثناء التعلم. الأشخاص التواقون للتجوال يبقون حذرين من النباتات ذات الأوراق المكونة من ثلاث وريقات وخاصة إذا كانت حمراء في الربيع أو الخريف، والآباء والأمهات في جميع أنحاء العالم يعرفون العلاقة بين القرب من وقت النوم والقسوة مع أطفالهم.

لكن كيف يكون باستطاعة المغامرين أن يربطوا بين لون الورقة والفصل من السنة ليحددوا بذلك ما إذا كان نبات اللبلاب سامًا؟ وكيف للأهل أن يحددوا وقت النشاط الأعظم للطفل خلال النهار ليربطوا بذلك نجاح عادات النوم عند الطفل؟

كما هو الحال عند سيلان لعاب الكلاب في تجربة بافلوف عند سماع الجرس، يتعلم البشر تمييز النباتات السامة أو منع دموع طفل صغير ناتجة عن الإرهاق وذلك من خلال إنشاء روابط مع محيطهم وما يحدث فيه.

باحثون من جامعة ولاية أريزونا وجامعة ستانفورد حللوا أنماطًا لنشاط الدماغ عند البشر واكتشفوا دورًا لمنطقة الحصين لم يكن معروفًا من قبل وذلك بإنشائه روابط أثناء التعلم بالإضافة لدوره الهام في الذاكرة.

الحصين الدماغ التعلم

الحصين

دراسة جديدة تكشف أهمية الحصين في عملية التعلم

نُشرت الدراسة في ١٦ آذار في مجلة “Nature Communications“.

يقول فيشنو مورتي؛ وهو دكتور مساعد في علم النفس في جامعة تيمبل لكنه غير مشارك بالبحث: «لهذه الدراسة آثار هامة في فهم آلية عمل أنظمة الذاكرة في أدمغتنا ومشاركتها في التعلم واتخاذ القرار ويمكن أن تساعدنا النتائج على فهم مدى التعقيد عند العجز عن اتخاذ قرار في المجموعات السكانية التي ينصب التركيز فيها بأغلبه على عجز الذاكرة كمرض ألزهايمر والأمراض النفسية الأخرى والشيخوخة الطبيعية.

عندما يتعلم الناس فهم يبنون روابط عبر عناصر كالوقت خلال اليوم ومزاج الطفل الصغير ليتنبؤوا بالنتيجة مثلما إذا كان اللعب بخشونة سيؤدي إلى بكاء الطفل أم لا.

يقول إيان بالارد، الحاصل على شهادة دكتوراه في علم الأعصاب من جامعة ستانفورد مؤخرًا والمؤلف الأول للورقة البحثية: «هذه الروابط ذات تأثير كبير على السلوك لكن في العالم الحقيقي الأحداث والأشياء تُحدد بأكثر من عنصر واحد أو مجموعة عناصر ونحن أردنا فهم كيفية بناء الدماغ للروابط عبر تكوينات مماثلة من العناصر».

للكشف عن طريقة تعامل الدماغ مع مشكلة بناء روابط مرتكزة على المعلومات المعقدة المأخوذة من العالم الحقيقي ركز فريق من الباحثين على بنية صغيرة في الدماغ تشبه قوقعة الحلزون.

الحصين ضروري جدًا لتشكيل ذكريات جديدة والباحثون من جامعة ولاية أريزونا وجامعة ستانفورد قد وجدوا دورًا آخر لهذه البنية من الدماغ في التعلم. الحصين (الأرجواني) يرسل المعلومات الهامة إلى مناطق الدماغ المسؤولة عن التعلم كالجسم المخطط.

الحصين على وجه التحديد يتابع الروابط بين العناصر في البيئة كحقيقة أن اللبلاب السام ذو الوريقات الثلاث يكون أحمر اللون في الخريف والربيع لكن أخضر اللون في الصيف، هذه الصلة بين اللون وشكل الورقة ضرورية لتحديد اللبلاب السام وعدم الخلط بينه وبين النباتات الأخرى المشابهة له كنبات قيقب مانيتومانيتوبا الذي يملك أيضًا ثلاث وريقات لكنه أخضر في الربيع.

الحصين منطقة صغيرة من الدماغ لكنها قوية!

الحصين تقريبًا ثلث حجم كرة العلكة، وهذه البنية الصغيرة مهمة لتشكيل الذاكرة ومن دونها لن نستطيع تشكيل ذكريات جديدة حول الأحداث والحقائق كأن نعرف ماهو اليوم أو أسماء زملائنا في العمل، فأثناء تشكيل الذاكرة يمثل الحصين تفاصيل فردية من الحدث كالمكان الذي ركنت فيه سيارتك لتكون مختلفة قدر الإمكان عن بقية السيارات.

يقول ساموئيل ماكلوري؛ وهو دكتور مساعد في علم النفس في جامعة أريزونا ومدقق رئيسي لورقة البحث: «أحد التحديات مع الذاكرة هو صعوبة تمييز التجارب المتماثلة بحيث أنك إذا كنت تستخدم نفس كراج السيارات في العمل كل يوم عليك تذكر الطابق والمكان لتعود إليها في نهاية النهار والمشكلة تكمن في سهولة حدوث الارتباك حول مكان ركن السيارة في الأيام المختلفة لذلك الحصين مهم جدًا في تذكر تراكيب أين ومتى المقترنتان سويًا».

الآلية التي يشكل بها الحصين الذكريات تعطينا فكرة عن مدى تداخل وتعقيد تراكيب العناصر التي تحصل في الدماغ، لكن مدى تدخل الحصين ببنيته الصغيرة الحلزونية بعمليات التعلم ما يزال سؤالًا مفتوحًا.

لنعرف مقدار مساهمة الحصين بالروابط التي يصنعها البشر مع العالم صمم العلماء اختبارًا للتعلم يتطلب من المتطوعين استخدام مجموعات وتراكيب من العناصر ليتنبؤوا بالنتيجة إذا كانت ستحدث وذلك عبر سلسلة من الصور المحفزة التي تُعرض بالتتابع على الشاشة مظهرةً وجهًا أو وجهًا مقرونًا ببناء، ثم على المتطوعين أن يتنبؤوا بالصورة التي ستظهر في نهاية السلسلة حيث كان الهدف الاستجابة بأسرع طريقة ممكنة لأي صورة مستهدفة يمكن أن تظهر.

كانت المجموعات المكونة من صورتين محفزتين فقط كوجه مقرون ببيت ريفي يمكن استخدامها للتنبؤ بموعد ظهور الصورة المستهدفة في حين أن الصور المحفزة الفردية كصورة وجه لوحدها كانت غير ذات نفع.

أُجري الاختبار على المشاركين أثناء خضوعهم للرنين المغناطيسي الوظيفي (functional magnetic resonance imaging /fMRI) وذلك لقياس النشاط الدماغي في الحصين وبنى أخرى من الدماغ معروفة باشتراكها في عملية التعلم، وبفحص الباحثين للأنماط المختلفة من النشاط أثناء الاختبار لاحظوا أمرًا مثيرًا حول نشاط الحصين، فقد كان البنية الوحيدة التي قامت بالربط بين الصور مع بعضها البعض والذي يعتبر بالأمر الهام؛ لأن نجاح الاختبار كان يتطلب إنشاء روابط بين مجموعات الصور والاستجابة الدقيقة للصورة المستهدفة.

يقول بالارد: «وجدنا أن الحصين قد مثل وبشكل فريد روابط مميزة، فالوجوه والمنازل كانت معزولة عن الوجوه والمنازل المقرونة سويًا».

طريقة جديدة يشارك فيها الحصين بعملية التعلم

عندما قام فريق الباحثين بدراسة تأثير أنماط النشاط المختلفة في الحصين وعلاقتها بمناطق الدماغ الأخرى وجدوا أن نشاط الحصين مرتبط وبقوة بنشاط الجسم المخطط الذي يتواجد تحت القشر ويحتوي على ثلاث بنى منفصلة وهي البطانة والنواة المذنبة والنوى المتكئة ويلعب دورًا هامًا في التعلم والتنبؤ بالنتائج المرغوبة.

يقول بالارد: «شكّل الحصين روابط مشتركة لعناصر متعددة والتي دعمت عملية التعلم في الجسم المخطط حول مزيج العناصر المختلفة في البيئة المحيطة».

طريقة معالجة الجسم المخطط للمعلومات معروفة لكن قضية مصدر جميع هذه المعلومات ما تزال سؤالًا مفتوحًا. ويضيف بالارد بأن هذه الدراسة قد بدأت بالإجابة تدريجيًا عن هذا السؤال من خلال إظهار معلومات الحصين المقدمة إلى الجسم المخطط والتي استُخدمت لمعرفة كيفية النجاح في الاختبار.

حتى وقت قريب، كان يعتقد أن لدى الدماغ أنظمة تعليمية منفصلة، لكن النتائج تشير إلى أن نظام الذاكرة في الحصين وتعزيز نظام التعليم في الجسم المخطط مترابطان. يقول ماكلوري: «من المهم التفكير بالدماغ على أنه بنية مترابطة مع أجزاء مختلفة تعمل سويًا لإنتاج إنجازاتنا العقلية المثيرة للإعجاب».

كلٌ من علم الأعصاب والبيولوجيا قد حقق إنجازًا جيدًا في فهم طريقة عمل الأجزاء المفردة، وإنه لمِن المثير أن نكتشف كيف تعمل هذه الأجزاء معًا. نحن نظن بأن فهم الوظائف العقلية السليمة والمريضة يتطلب معرفة الآلية التي تعمل بها جميع الأجزاء معًا أو التي لا تعمل.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: محمد باكير

تدقيق: ماجدة زيدان

المصدر