يواجه الأطباء أحيانًا حالات مرضية غريبة في قسم الطوارئ، تُعد «الكاتاتونيا» أو «الجامود» من حالات شلل الحركة التي تدعو للحيرة الطبية، حيث يظهر الشخص جامدًا مثل تمثال شمعي ثابت لا يتحرك ولا يتكلم ولا يستجيب، يجلس بالوضعية ذاتها بسكون تام، محدقًا في أنحاء المكان، إذن ما التشخيص الطبي لهذه الحالة الغريبة؟

يشير مصطلح الكاتاتونيا إلى مجموعة من الأعراض، تتضمن قلة الحركة أو الشلل، ورفض تناول الطعام والشراب فترات طويلة، والتحديق المستمر في الأرجاء، وفقدان القدرة على التواصل اللفظي أو التجاوب مع الآخرين، وفي حال حرك شخص ما يد المريض مثلًا فإنه يبقيها ثابتة بالوضعية الجديدة.

في هذه الحالة، تتبادر العديد من الأسئلة في أذهان الأطباء، ما خطب هؤلاء المرضى؟ هل لديهم مرض نفسي أو جسدي؟ هل سيستجيبون لشخص آخر أو لنوع محدد من العلاج؟ هل لديهم إصابة في الدماغ؟ وكيف للأطباء تشخيص هذه الحالات أو معرفة ما يحدث إذا لم يتمكن المرضى أنفسهم من التكلم والإفصاح عما يشعرون به؟

أهم التساؤلات حول الكاتاتونيا واضطراب شلل الحركة

يعد اضطراب الكاتاتونيا حالة نادرة وشديدة من الأمراض العقلية والنفسية، حيث يعاني المرضى اضطرابات في الحركة والكلام، قد تستمر هذه الحالة من شلل الحركة ساعات إلى أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات.

السؤال الأهم والأكثر تداولًا بين الأطباء ومقدمي الرعاية حول هذه الحالة: بم يفكر المصابون باضطراب كاتاتونيا؟ ما المشاعر والتصورات التي تدور في أذهانهم؟ هل يقدرون على التفكير وهم في هذه الحالة؟

الكاتاتونيا وارتباطها بالإدراك والوعي

أظهرت الأبحاث الأخيرة أن المرضى الذين يعانون الكاتاتونيا وشلل الحركة على دراية بمحيطهم، ولديهم إدراك ووعي في أثنائها. غالبًا ما يعبّر مرضى الكاتاتونيا عن الإرهاق من فرط المشاعر والقلق الشديد المرافق لهذه الحالة. حيث يمكن بعضهم تذكر إصابتهم بالحالة بالتفصيل وأفعالهم خلالها، هذا يعني أن الأشخاص الذين يعانون الكاتاتونيا ربما لديهم الكثير من الأفكار والتساؤلات أيضًا.

دراسة جديدة

أجرى فريق من الباحثين دراسة جديدة شملت مئات المصابين بالكاتاتونيا. أظهرت النتائج أن القليل من المرضى تحدثوا عما حصل معهم، في ذلك الوقت أو لاحقًا، ولم يتذكر الكثير منهم ما حدث في أثناء إصابتهم بحالة شلل الحركة.

وصف البعض شعورهم آنذاك بالخوف والقلق الشديدين، كان البعض على دراية بالألم وصعوبة بقائهم في حالة شلل وجمود فترة طويلة، لكن مع ذلك، لم يستطيعوا التحرك والنهوض مهما حاولوا. أثار اهتمام الباحثين ما قاله بعض المرضى، الذين حاولوا تفسير ما حدث معهم في أثناء إصابتهم بالكاتاتونيا، من الملاحظات التي سجلها الطبيب عن أحد المرضى: «قابلته راكعًا وجبهته باتجاه الأرض، قال إنه اتخذ هذه الوضعية لإنقاذ حياته، ظل يطلب استشارة طبيب ليفحص عنقه، تحدث عن شعوره بأن رأسه يكاد يسقط عن عنقه».

في حالات أخرى، فإن الهلوسات والأصوات التي زعموا سماعها باستمرار طلبت منهم القيام بأشياء وتصرفات معينة وغريبة. بعد التفكير بالأمر، إذا كنت تعتقد بالفعل أن رأسك معرضة لخطر السقوط الوشيك، فربما ليست فكرة سيئة محاولة منع ذلك بالركوع على الأرض لتثبيت رأسك في مكانها، أو مثلًا أن تتجمد في مكانك وتبقى ساكنًا إذا قيل لك أن رأسك سينفجر إذا بادرت بأي حركة. توهم بعضهم أن الله يأمرهم بالامتناع عن الطعام والشراب.

الكاتاتونيا وخدعة الموت!

من النظريات المتعلقة بالكاتاتونيا أنها تشبه «خدعة الموت» التي تتّبعها بعض الحيوانات وسيلةً للهروب والتخفي من المفترسات. وهي نظرية محتملة لتفسير ما حدث مع إحدى المريضات في الدراسة، زعمت حسب أقوالها رؤيتها لثعبان ضخم تحدث إليها في أثناء إصابتها بحالة شلل الحركة. ربما تبنى جسدها آلية دفاعية بدائية ضد الثعبان المخيف، ما سبّب دخولها في حالة الجمود والذهول، لكن ذلك مجرد احتمال.

لا تزال الكاتاتونيا حالة غامضة، والفيزيولوجيا المرضية المسببة لها والحالات الطبية المصاحبة لها غير مفهومة جيدًا، حالة عالقة في منتصف الطريق بين علم الأعصاب والطب النفسي، لذا فإن اتخاذ التدابير الوقائية أمر غير واضح وشبه معدوم. لكن على الأقل من خلال فهم ما قد يواجهه الناس في أثناء إصابتهم بشلل الحركة، ومحاولة الاستماع لهم، يمكننا توفير بيئة تسودها الطمأنينة والتعاطف تجاههم لمساعدتهم على تخطي القلق والخوف بعد خروجهم من نوبة الاضطراب الغريبة هذه!

اقرأ أيضًا:

ما هو الجاثوم (شلل النوم)، و ما قول العلم فيه؟

شلل بيل أو شلل العصب الوجهي: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

ترجمة: اليسار الحائك علي

تدقيق: سماح عبد اللطيف

المصدر