يُعد علم «السونوجينية» (Sonogenetics) الناشئ خطوةً مهمة للتحكم في خلايا الثدييات بواسطة الموجات فوق الصوتية.

تخيل مستقبلًا حيث نعالج نوبات الصرع المُعيقة للحياة واضطرابات القلب والداء السكري، ليس بالمباضع والحقن، وإنما بالصوت. يبدو هذا ضربًا من الخيال العلمي، لكن دراسة جديدة بينت أن العلاج بالموجات فوق الصوتية قد يغدو حقيقةً.

علم السونوجينية -استخدام الموجات فوق الصوتية لمعالجة الخلايا العصبية وغيرها بطرق غير جراحية- هو مجال حديث، لا يزال غامضًا لدى غير المتخصصين، لكنه يبشر بحقبة طبية جديدة حال ثبتت فعاليته.

في دراسة جديدة نُشرت في مجلة Nature Communications، أحرز باحثون من معهد سالك للدراسات البيولوجية في كاليفورنيا، تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، إذ وثّقوا نجاحهم في هندسة خلايا الثدييات وتنشيطها باستخدام الموجات فوق الصوتية.

يشير الفريق إلى أن طريقتهم لتنشيط الخلايا البشرية في المختبر، وخلايا دماغ الفئران الحية، خطوة مهمة لتحفيز الدماغ دون الحاجة إلى إجراءات باضعة، وأن استخدامها في ناظمات القلب -أجهزة تنظيم ضربات القلب- ومضخات الإنسولين أمر ممكن.

يقول المؤلف الرئيس سريكانث تشالاساني، الأستاذ المساعد في مختبر علم الأحياء العصبي الجزيئي في معهد سالك: «سنعتمد على الشبكات اللاسلكية في المستقبل اعتمادًا شبه مطلق. نعلم أن الموجات فوق الصوتية آمنة، ويمكنها المرور عبر العظام والعضلات والأنسجة الأخرى، ما يجعلها خيارًا ممتازًا لعلاج الخلايا».

وجد تشالاساني أنه بالإمكان تسخير الموجات فوق الصوتية للتحكم في الخلايا، ونظرًا إلى أن الصوت أحد أشكال الطاقة الميكانيكية، فلو تمكنا من جعل خلايا الدماغ حساسة ميكانيكيًا، فقد نستطيع تعديلها باستخدام الموجات فوق الصوتية.

قدم الفريق أول عرض ناجح للنظرية عام 2015، عندما أضافوا بروتينًا إلى خلايا دودة أسطوانية تُسمى «الربداء الرشيقة» ما جعلها حساسة للموجات فوق الصوتية منخفضة التردد، وتمكن الباحثون من التحكم فيها.

علق الباحثون بعد هذا النجاح آمالًا عريضة على مشروعهم العلمي، لكن المشكلة أنهم لم يجدوا الأثر ذاته عندما أدخلوا هذا البروتين في خلايا الثدييات. التحكم في الديدان صوتيًا أمر رائع، لكن هذه الثورة العلمية لن يُكتب لها الاستمرار إذا فشل تطبيقها على الثدييات، لذلك بدأ تشالاساني وزملاؤه البحث عن بروتين بديل.

كنا نعرف بالفعل العديد من البروتينات الحساسة للموجات فوق الصوتية. لكن كان الهدف إيجاد بروتين حساس للموجات فوق الصوتية عند تردد 7 ميغاهرتز، الآمن سريريًا.

يقول العالم يوسف طفيل، المشارك في البحث: «اتبعنا أسلوبًا مغايرًا في البحث، إذ ركزنا على البحث العميق عن قنوات بروتينية حساسة للموجات فوق الصوتية».

استغرقت عملية البحث أكثر من عام، وشملت نحو 300 بروتين مرشح اختُبر على أطباق خلايا بشرية، ولم تذهب جهودهم سُدى. فقد استجاب (TRPA1) -قناة بروتينية تحفز الخلايا عند وجود مركبات ضارة- للموجات فوق الصوتية عند تردد 7 ميجا هرتز.

يقول الباحث المشارك مارك دوكي: «كان ذلك مفاجئًا، فنحن نعرف (TRPA1) بالفعل، لكن لم يكن من المعروف أنه بروتين حساس ميكانيكيًا يستجيب للموجات فوق الصوتية.»

لاختبار قدرة البروتين (TRPA1) على تنشيط الخلايا المهمة سريريًا استجابةً للموجات فوق الصوتية، استخدم الفريق العلاج الجيني، بإضافة جين (TRPA1) البشري إلى مجموعة محددة من الخلايا العصبية في أدمغة الفئران الحية، ثم عرّضوها للموجات فوق الصوتية، وبالفعل نشطت الخلايا العصبية الحاملة للبروتين (TRPA1)، عندما تعرضت للموجات.

تُعد هذه القفزة من النظرية إلى الإثبات العملي تقدمًا مهما في هذا المجال، ما يمهد للخطوة التالية.

يستخدم الأطباء التحفيز العميق للدماغ لعلاج بعض الحالات مثل داء باركنسون والصرع، إذ تُزرع أقطاب كهربائية جراحيًا في الدماغ لتنشيط مجموعات معينة من الخلايا العصبية. يرى تشالاساني أن علم السونوجينية قد يحل يومًا ما محل هذه الإجراءات. أيضًا نحاول تطوير تقنية العلاج الجيني لتعبر الحاجز الدموي الدماغي.

وربما نتمكن قريبًا من جعل علم السونوجينية يحل محل ناظمات القلب، بتحفيز خلايا عضلة القلب دون الحاجة إلى الجراحة.

«تقنية إدخال جينات جديدة مثل (TRPA1) إلى القلب البشري موجودة بالفعل، وإذا تمكنا من استخدام جهاز خارجي لتنشيط تلك الخلايا بالموجات فوق الصوتية، سنُحدث ثورةً في مجال أجهزة تنظيم ضربات القلب».

ومع أن علم السونوجينية قد يحل يومًا ما محل الأدوية والجراحة، ما زال الفريق حتى الآن ملتزمًا بإيجاد قواعد متينة يبني عليها فرضيته. وينصب أغلب التركيز على تحديد كيفية استشعار (TRPA1) للموجات فوق الصوتية، ما قد يسمح لاحقًا بتعديل هذه الحساسية وتحسينها.

اقرأ أيضًا:

خمسة اختراعات بالأمواج فوق الصوتية ستغير العالم

لمحة تاريخية عن السونار

ترجمة: ليال يوسف

تدقيق: أحمد فواز

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر