استطاع فريق علمي من ألمانيا وهولندا والولايات المتحدة صناعة موصل فائق ذي خواص كانت تُعد سابقًا محض خيال. غيّر الاكتشاف مفاهيم الباحثين التي استمرت طوال القرن الماضي عن طبيعة الدوائر الكهربية فائقة الموصلية، وعزز إمكانية السيطرة على التيار المار بها.

تقدم فيزياء الموصلية الفائقة فرصةً ذهبية لتطوير الحواسيب الفائقة باستخدام الدوائر الكهربية قليلة الفقد عالية السرعة.

لسوء الحظ، الخصائص المميزة التي تجعل هذه الدوائر عمليةً ويسيرة التطوير، هي ذاتها تفرض الكثير من التحديات على مصممي نسخ المكونات الكهربية فائقة التوصيل من مثيلاتها التقليدية.

يعمل الدايود -مكون إلكتروني بسيط- معبرًا يسمح للتيار الكهربي بالمرور في اتجاه واحد، من ثم يمكن التحكم في حركية التيار الكهربي أو تعديلها.

في المواد فائقة الموصلية، تختفي خصائص الإلكترونات المفردة، وتظهر بدلًا منها خاصية أزواج كوبر، إذ يمتلك كل جسيم من الزوجين القدرة على تفادي المقاومة الكهربية للموصلات، التي تسبب عادةً فقد الطاقة الكهربية.

إن اختفاء قوانين المقاومة المعروفة يحرم العلماء القدرة على توجيه الإلكترونات في اتجاه واحد، بسبب امتلاكها سلوكًا تبادليًا.

منذ بداية أبحاثهم في هذا المجال، سلّم العلماء بالفرضية القائلة إن الموصلية الفائقة تلتزم بقوانين التبادلية الكهربية، على الأقل عند تثبيت المجال المغناطيسي.

يوضح الباحثون: «حاول مهندسو آي بي إم في السبعينيات صناعة كمبيوتر فائق الموصلية، لكنهم اضطروا لوقف أبحاثهم. تذكر أبحاثهم أن غياب التبادلية الكهربية شرط أساسي، لا يمكن بناء الكمبيوتر فائق الموصلية إلا بتحقيقه».

يبدو أن ذلك الطرح على وشك المراجعة، بعد ظهور نتائج جديدة تظهر نوعًا جديدًا من الوصلات بخصائص كمية قادرة على توجيه أزواج كوبر في مسار موحد.

«وصلات جوزيفسون» هي شرائح رقيقة من الموصلات التقليدية تفصل بين زوجين من شرائح الموصلات الفائقة، وعندما تصبح تلك الطبقة رقيقةً بالقدر الكافي، تستطيع الإلكترونات أن تنتقل خلالها بسلاسة.

يسري التيار الفائق البسيط دون الحاجة إلى قوة دافعة كهربية، لكن عندما ترتفع شدته لتبلغ قيمةً حرجة، تنشأ الفولتية وتتذبذب بسرعة على شكل موجات يمكن استخدامها في تطبيقات مثل الكمبيوتر الكمي.

سابقًا، استُخدم مجال مغناطيسي خارجي للتحكم في اتجاه التيار، لكن الفريق تمكن من اكتشاف طريقة جديدة، تعتمد على وضع معدن النيوبيوم على شكل شبكة، بحيث يمكن الاستغناء عن المجال المغناطيسي والاعتماد فقط على خواص المادة الكمية.

يقول علي مظهر، كبير الباحثين في جامعة دلفت للتكنولوجيا بهولندا: «تمكنا من كشط طبقة من بضعة ذرات فقط من المادة الكمومية (Nb3Br8) وتكوين شطيرة رقيقة جدًا يبلغ سُمكها عدة ذرات، وهو ما يتطلبه الأمر لصنع دايود جوزيفسون، واستحال تحقيقه سابقًا بالمواد التقليدية».

يثق فريق العلماء بتغطيتهم كل النقاط المطلوبة لتقديم بحث متكامل، لكن مع ذلك، مازال الطريق طويلًا للتوصل إلى أجيال من الحواسيب تعتمد في تشغيلها على الموصلات الفائقة.

يُعد اعتماد الموصلية الفائقة على التبريد الشديد للمواد حتى قُرب الصفر المطلق أهم العقبات الموجودة حاليًا. مع أن بعض المواد تستطيع العمل عند حرارة أعلى، لكن فقط بعد وضعها تحت ضغط كبير.

يشكل فهمنا لآلية عمل وصلات جوزيفسون -تحت ظروف حرارة وضغط أعلى- حدًا فارقًا، تقل بعده الحاجة إلى المعدات المطلوبة لصناعة حواسيب فائقة، وستصبح ذات كفاءة غير مسبوقة.

«سيمتد تأثير هذه المواد لكل النواحي الاجتماعية والتكنولوجية. وإذا اعتبرنا القرن العشرين قرن أشباه الموصلات، فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن الموصلات الفائقة».

اقرأ أيضًا:

سابقة علمية: دمج أشباه الموصلات بالموصلات الفائقة

توقع حدوث نقص في أشباه الموصلات مع غزو روسيا لأوكرانيا

ترجمة: أحمد أسامة أبوحليمة

تدقيق: طارق طويل

المصدر