عمومًا، توجد المعادن في صورة صلبة. لكن بعض المعادن توجد في صورة سائلة، مثل الزئبق. ويتبادر إلى الذهن أيضًا المعادن السائلة الموجودة في نواة الأرض، التي تتعرض لدرجات حرارة عالية وتخضع لتدفق كبير.

صمم فريق تابع لمعهد أبحاث دريسدن في ألمانيا محاكاةً في المختبر لتدفق المعادن في باطن الأرض، وكانت النتيجة مذهلة: وجدوا أن المعدن يتدفق بطريقة أكثر اضطرابًا من المتوقع، ما يؤثر بشدة في انتقال الحرارة.

في أعماق الأرض، يوجد اللب الحديدي مصهورًا نتيجة لارتفاع درجة الحرارة، هذه الحديد المصهور يوجد في حالة حركة مستمرة، مثل الدينامو. ما يسبب تشكل المجال المغناطيسي للأرض، ويُعد دوران الأرض أحد القوى المسببة لتدفق مصهور الحديد.

العامل الآخر هو مفهوم النقل الحراري أو الحمل الحراري، الذي يحدث بسبب اختلاف درجات الحرارة، بشكل مشابه لعملية ارتفاع الهواء الساخن وانخفاض الهواء البارد، ما يؤدي إلى انتقال الحرارة.

لا تزال الكثير من تفاصيل حركة التدفق غير معروفة، لذلك اعتمد الخبراء على المحاكاة الحاسوبية والحسابات النظرية، إضافةً إلى التجارب التي تحاكي ما يحدث في باطن الأرض، لكن ضمن مقاييس مخبرية.

أُجريت إحدى التجارب في معهد HZDR لديناميكا السوائل، وصرح الدكتور توبياس فوغت قائد المشروع: «ملأنا وعائين أسطوانيين، الأول بحجم دلو والثاني على شكل برميل سعة 60 لترًا، بسبيكة معدنية من الإنديوم والغاليوم والقصدير، التي توجد في صورة سائلة بدرجة حرارة الغرفة».

حفّز العلماء تباينًا في الحرارة بين الطبقات العليا والسفلى للوعائين، بتسخين القاع وتبريد الوعاء من أعلى.

استخدام الموجات فوق الصوتية

يسبب الاختلاف في درجات الحرارة فوران المعدن داخل الوعاء، إذ يرتفع المعدن الساخن تحت تأثير خاصية الحمل الحراري على شكل أعمدة نحو الأعلى، ليمتزج مع المعدن الأبرد نسبيًا، بشكل مشابه لآلية عمل مصباح اللافا.

استخدم العلماء سبائك معدنية مُصمتة، لذلك، لمراقبة ما يحدث بالداخل، لجؤوا إلى تقنية الأمواج فوق الصوتية. وصرح الدكتور سفين إيكرت، رئيس قسم الديناميكا المائية المغناطيسية التابع لمعهد (HZDR): «إنها التقنية ذاتها المستخدمة في الطب. ثبتنا 20 مستشعرًا للأمواج فوق الصوتية على الأوعية، ما جعلنا قادرين على تحديد حركة المعدن السائل ضمنها».

أدى تحليل البيانات إلى اكتشاف مفاجئ، إذ توقع العلماء نشوء تجمعات لتدفقات فردية، تتحد معًا لتكون بنية أكبر وأوسع، مشكِّلةً نطاق جريان كلي.

صرح فوغت: «العملية مشابهة لعملية النقل الحراري التي تسببها التيارات الحرارية بفعالية عالية بين القاع والقمة، لوحظت التيارات الحرارية بوضوح في الوعاء الصغير، أما في الوعاء الكبير، أدى التباين في درجات الحرارة إلى تراجع تأثير التيارات الحرارية، وعلى هذا، لم تُنقل الحرارة بالفعالية المتوقعة».

صرح فوغت: «يرجع انخفاض فعالية نقل الحرارة إلى نشوء اضطرابات صغيرة الحجم، بدلًا من نشوء دوامات كبيرة الحجم قليلة العدد».

لهذه الاكتشافات تأثيرات عدة على فهمنا لما يحدث في نواة الأرض، يقول سفين إيكرت: «لفهم ما يحدث تمامًا، يحاول الباحثون تطبيق النتائج التي توصلوا لها في المختبر على ما يحدث حقًا في باطن الأرض».

«توصلنا إلى أن الحرارة تنتقل بفعالية أقل في ظروف معينة، ما يختلف عن الافتراضات السابقة».

وعلى هذا، ستتغير توقعاتنا لما يحدث فعليًا في باطن الأرض، يضيف توبياس فوغت: «ما يحدث حقًا في نواة الأرض أعقد من التجارب التي أجريناها في المختبر، مثلًا، يندفع مصهور الحديد متأثرًا بالمجال المغناطيسي للأرض ودورانها، أيضًا فإن معرفتنا عن تدفق مصهور الحديد ليست كاملة».

ربما تفيد النتائج الجديدة مجال التكنولوجيا، خاصةً المجالات التي تتضمن المعادن السائلة مثل البطاريات، ومحطات الطاقة الشمسية المستقبلية ومفاعلات الاندماج البارد.

لم يكتف الفريق بذلك، إذ يعمل حاليًا على تقنية تحليلية متطورة ستقربنا أكثر إلى فهم عملية النقل الحراري.

أضاف إيكرت: «ستزودنا مستشعرات الحث الخاصة مستقبلًا بتفاصيل أدق للتدفقات، وسنحصل على صور ثلاثية الأبعاد أكثر واقعية، وتبشر النتائج الأولية بالكثير».

اقرأ أيضًا:

مكونات نواة الأرض

معادن سائلة ستحقق ثورة في عالم الإلكترونيات

ترجمة: رهف إبراهيم

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر