التستوستيرون كلمة مرادفة للرجولة في ثقافتنا بصورة مبالغ فيها أحيانًا، سواء حين يتناول لاعبو كمال الأجسام الستيرويدات، أو حسب تلك الصورة النمطية السائدة عن كونه السبب وراء صلع الرجال، والحقيقة أن التستوستيرون يؤثر بقوة في صحة الرجل، لكن ليس بالطريقة المتوقعة. يتحكم الهرمون بالرغبة الجنسية وحجم العضلات وإنتاج النطاف والمزاج ونمو العظام، وقد يؤدي دورًا في الصحة الدماغية.

محتوى الدراسة

وفقًا لدراسة أجريت مؤخرًا على 160 ألف رجل في منتصف العمر، وُجد أن مستويات التستوستيرون قد ترتبط مع تطور حالات مرضية دماغية مميتة منها الخرف، فقد ظهر أن الرجال ذوي المعدل المنخفض من التستوستيرون معرضون أكثر للإصابة بالخرف وألزهايمر مقارنة مع الرجال ذوي المعدل المتوسط أو المرتفع من هذا الهرمون.

يعرف الخرف بأنه فقدان الوظيفة الإدراكية والتفكير والتذكر والمحاكمة العقلية، ما يعني أنه يؤثر مباشرة في حياة الشخص ونشاطاته اليومية، ويعد داء ألزهايمر أكثر الأسباب شيوعًا للإصابة بالخرف.

نُشرت نتائج هذا البحث في الثالث من يناير عن عام 2022 في مجلة «Alzheimer’sandDementia».

لماذا يعد هذا الموضوع مهمًا؟

إن مستويات التستوستيرون الشاذة لا تعني بالضرورة هيجانًا أو تحولًا ملحوظًا بين ليلةٍ وضحاها، لكنها قد تمثل علامة حيوية تساعد في التنبؤ باحتمالية خطر تطور إصابة الفرد بالخرف أو ألزهايمر، ولكن -لحسن الحظ- فإن العلماء الذين يجرون هذه الدراسة يؤمنون أن تعديلات بسيطة في نمط الحياة اليومية قد تحمي صحة الرجال العقلية وتضمن بقاء مستويات التستوستيرون في حدودها الطبيعية.

تشير مستويات التستوستيرون المنخفضة عند الرجال في منتصف العمر أو كبار السن إلى مشاكل صحية خفية أو أمراض مستقبلية محددة.

يشرح الباحث بو ييب -المؤلف المساعد لهذه الدراسة والباحث في جامعة أستراليا الغربية- الموضوع قائلًا: «إن استطعنا تحديد المؤشرات الحيوية الدالة على الخرف، فقد نتمكن من تطوير استراتيجيات وقائية أفضل قد تخفف من آثار هذا الخلل».

يُعد الخرف أحد أكثر المشاكل المرعبة للبشر، إذ يسرق التنكس العصبي ذكريات الناس مسببًا فقدان الوظيفة الدماغية وإعاقة الوظائف والأنشطة اليومية، وقد يودي بالحياة كونه داءً بلا دواء.

يُعد الخرف شائعًا، إذ تقدّر نسبة الوفاة بألزهايمر أو أي شكل من أشكال الضياع العقلي بواحد من أصل ثلاثة رجال ونساء في الأعمار المتقدمة، وتُعد الوفيات الناجمة عن الخرف سنويًا أكثر من الوفيات الناجمة عن سرطان الثدي والبروستات مجتمعين.

لا يمكن حتى الآن التنبؤ بوقت إصابة بعض الأشخاص بالخرف وأسبابها، فعوامل الخطورة المرتفعة المعروفة -التي تتضمن الأسباب السلوكية والاجتماعية الديموغرافية والطبية- تمثل فقط 40% من أسباب الحالات المسجلة.

لإكمال فهمنا وتصورنا عن أسباب الإصابة، لجأ العلماء لجمع عوامل الاستعداد الأخرى بما فيها الهرمونات.

عند تقدم الرجال بالسن تنقص مستويات التستوستيرون تدريجيًا، ويعزى ذلك إلى قلة الحركة وتطور أمراض متعلقة بالسن تؤثر بدورها في الإنتاج الهرموني، فبعد الثلاثين، تنقص نسبة إفراز التستوستيرون عند الرجال بمعدل 1% كل عام.

تقترح بيانات نشرت مؤخرًا أن الرجال ذوي الإفراز المنخفض من التستوستيرون معرضون أكثر للإصابة بالخرف، لكن دراسات أخرى وجدت أنه من غير المؤكد الجزم بذلك.

للحصول على معلومات أكثر، استخدم فريق الباحث ييب البنك الحيوي البريطاني الذي يحوي قاعدة بيانات طبية حيوية هائلة، تتضمن معلومات وراثية وصحية لنحو نصف مليون شخص من المملكة المتحدة.

جمع ييب وزملاؤه هذه البيانات من 159411 رجلًا يبلغ متوسط أعمارهم 61 عامًا، وتابعوا هذه المجموعة سبع سنوات لوحظ خلالها أن 826 رجلًا منهم أصيب بالخرف، و288 منهم أصيب بألزهايمر، ثم حلل الفريق مستويات التستوستيرون والبروتين SHBG الذي يرتبط بالتستوستيرون في دم المشتركين في البحث لمعرفة مستويات التستوستيرون الحر، وهي نسبة صغيرة من التستوستيرون تبقى دون ارتباط بأي بروتين.

وجد الفريق أن التستوستيرون المنخفض مرتبط بصفة ملحوظة بالإصابة بالخرف، وكلما كانت نسبته أقل في الدم زاد خطر تطور الخرف أكثر.

تبعًا لهذه المعلومات، يصرح الباحثون أن نقص التستوستيرون قد يزيد احتمالية الإصابة بالخرف، لكنهم غير قادرين حتى الآن على شرح التأثير المباشر والآلية الممرضة.

قد تصبح المعالجة الهرمونية بوابة الوصول لعلاج هذه الأمراض العقلية إذا أثبتت دلائل أخرى تؤكد دور التستوستيرون في تطويرها.

تُستخدم في الوقت الراهن المعالجة بالتستوستيرون للرجال المصابين بقصور الغدد التناسلية نتيجة مشاكل في الخصيتين أو الغدة النخامية التي تتحكم بالخصيتين، لكن لم يسبق أن استُخدمت لرفع مستوى التستوستيرون المنخفض ببطء في أثناء التقدم بالسن.

يقول الباحث ييب أننا ما زلنا بحاجة لاختبارات سريرية كبيرة لفحص ما إذا كانت التداخلات الهرمونية تساعد في تقليل خطر الخرف، إذ لم تثبت هذه الرابطة بعد، لذا يجب أن ندرس إيجابيات وسلبيات التداخل بحذر شديد.

حتى ذلك الوقت، يمكن رفع مستوى التستوستيرون طبيعيًا بالحفاظ على النشاط البدني والعقلي، وتجنب الإفراط في تناول الأطعمة الدسمة، وزيادة الكتلة العضلية بالتمارين الرياضية.

يختم ييب بقوله: «نعلم أن بعض أنماط الحياة جيدة للصحة وتساعد في الحفاظ على مستويات التستوستيرون في أثناء التقدم بالسن، وننصح الرجال بالاهتمام أكثر بسلامتهم، والالتزام بالعادات الصحية، وطلب الاستشارة الطبية عند الحاجة».

اقرأ أيضًا:

العلاقة المعقدة بين هرمون التستوستيرون والتفكير الأخلاقي

العلاج بالتستوستيرون قد يشفي الذكور المصابين بالداء السكري من النمط الثاني

ترجمة: محمد زكريا زيتوني

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر