بطريقتين، تدريجيًا ثم فجأةً، انهار بنك سيليكون فالي، البنك الذي يحتل المرتبة السادسة عشر في قائمة البنوك المُقرِضة في أمريكا والذي يحوي نحو 200 مليار دولار من الأصول. تدهور وضع البنك المالي على مدار عدة سنوات. لكن فترة يومين فقط فصلت بين إعلان البنك حاجته إلى جمع 2.5 مليار دولار لسد فجوة في ميزانيته العمومية وإعلان مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية، المسؤولة عن تنظيم الودائع في البنوك الأمريكية، تعثر البنك.

هوى سعر سهم بنك سيليكون فالي بنسبة 60% بعد إعلان البنك حاجته لجمع الأموال. حثّ غريغ بيكر الرئيس التنفيذي عملاء البنك إلى مساندته كما ساندهم البنك دائمًا. حث أصحاب رؤوس الأموال، بعد عدم اقتناعهم ببيان البنك، شركات المحافظ الاستثمارية بالتخلي عن البنك. اقترح بيل أكمان، مدير أحد صناديق التحوط، على الحكومة أن تنقذ البنك من الإفلاس. في صباح العاشر من مارس انخفض سعر سهم البنك بنسبة 70% في تعاملات ما قبل افتتاح السوق قبل إعلان تعثر البنك. نقلت شبكة سي إن بي سي أن جهود البنك في جمع الأموال باءت بالفشل وأن البنك يحاول بيع نفسه إلى مؤسسة أكبر. ثم ظهر بيان الحكومة حول تعثر البنك.

تطرح هذه الأحداث سؤالين مهمين، أولهما كيف أصبح حال البنك هكذا، وثانيهما هل كانت مشكلات البنك مجرد حالات شاذة أم أنها نذير شؤم على مستقبل المؤسسات المالية.

فلنجب على تلك الأسئلة، بدايةً بالسؤال الأول: بنك سيليكون فالي هو بنك مختص بالشركات الناشئة، يفتح لهم حسابات قبل أن تكلف البنوك الكبرى نفسها بذلك ويقرضهم الأموال عكس بقية البنوك التي تتردد في إقراض تلك الشركات الأموال لأنها تحمل خسائر جانبية كبيرة. وكما تضخم وادي السيليكون في السنوات الخمس الأخيرة، حصل الأمر ذاته مع بنك سيليكون فالي. تدفقت الأموال على عملاء البنك، وكانوا يحتاجون إلى تجميع الأموال في مكان واحد بدلًا من الاقتراض.

ارتفعت الودائع في البنك إلى أربعة أضعاف، من 44 مليار دولار في نهاية 2017 إلى 189 مليار دولار نهاية 2021، بينما ارتفع سجل القروض في البنك من 23 مليار دولار إلى 66 مليار دولار فقط. بما أن البنوك تجني المال من الفارق بين سعر الفائدة التي تدفعها على الودائع (غالبًا لا يُذكر) وبين سعر الفوائد التي يدفعها لهم المقترضون، فإن امتلاك سجل ودائع أكبر بكثير من سجل الإقراض يُصنَّف مشكلةً. على بنك سيليكون فالي الحصول على أصول أخرى تجلب له الفوائد. في نهاية عام 2021، كانت استثمارات البنك تُقدر بـ 128 مليار دولار أغلبها في سندات الخزانة وسندات الرهن العقاري.

ثم تغير العالم! ارتفعت الفائدة بعدما صار التضخم حتميًا، ما أردى منجم الثراء الخيالي هذا لجمع رؤوس الأموال وخسف الأرض بأسعار السندات وعليه انكشف بنك سيليكون فالي إلى الهوة السحيقة للتعثر. انتفخت الودائع في البنك عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة وتنعّم عملاء البنك بالأموال. وبما أن البنك في هذه الفترة ضخ الاستثمارات، فاشترى السندات بأعلى سعر. وعندما جفّت ينابيع جمع رؤوس الأموال، سارع عملاء البنك إلى سحب الودائع فهبطت موجودات البنك من 189 مليار دولار في نهاية 2021 إلى 173 مليار دولار في نهاية 2022. أجبِر البنك على بيع محفظته الاستثمارية بأسعار أقل مما اشتراها.

تركت الخسائر التي تكبدها البنك في هذه العملية ما يعادل 1.8 مليار دولار، فجوةً حاول البنك ردمها بجمع الأموال. عندما بدأ البنك بالانحدار، كان يحتفظ باستثمارات بـ 91 مليار دولار قُدرت تكلفتها بأسعار العام الماضي.

هل كانت مشكلات بنك سيليكون فالي مجرد شذوذ في النظام المصرفي؟ يبدو أن البنك كان عرضةً للانهيار وحده. يغطي التأمين الفيدرالي، الذي أنشِئ بعد موجات ذعر في الاقتصاد الأمريكي في ثلاثينيات القرن العشرين، 250 ألف دولار من كل وديعة، وهذا يغطي أغلب الأموال التي يودعها الأفراد في حساباتهم البنكية ولكنه غالبًا لا يغطي التمويل الذي تحتفظ به شركة ما. بنك سيليكون فالي ليس بنكًا للشركات فقط، بل هو فرع صغير للشركات التي عانت أزمات طاحنة أكثر من معظم الشركات الأخرى. تُقدر نسبة الودائع غير المؤمنة في البنك بنحو 93% من إجمالي الودائع في البنك. يملك عملاء البنك، على عكس عملاء بقية البنوك، عذرًا قويًا للابتعاد عن البنك وهذا ما دفعهم للاستجابة وسحب ودائعهم.

تجلس كل البنوك تقريبًا على شفا خسائر غير مُدرَكة في محافظها للسندات. إن كان بنك سيليكون فالي وُضع في مكان عليه فيه أن يخزن السندات بأعلى أسعارها، فلن يكون البنك الوحيد الذي سيعاني من الارتدادات في الأسعار. تقول جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية، إنها تراقب وضع عدة بنوك في ضوء ما يحدث مع سيليكون فالي. لحسن الحظ، فإن سجلات القروض في معظم البنوك الأخرى أكبر من سجلات الودائع، ومع ارتفاع أسعار الفائدة ستكسب هذه البنوك أكثر.

السؤال الذي يُطرح الآن هو: هل توجد عملية إنقاذ للبنك أم لا؟ وإن كانت هناك عملية إنقاذ فكم يجب أن يكون حجمها لتنقذ ودائع العملاء؟ يشير رو خانا عضو الكونغرس الأمريكي عن الدائرة السابعة عشر لولاية كاليفورنيا إلى أن «بنك سيليكون فالي هو شريان الحياة للقطاع التكنولوجي، لا يجب أن يُترك البنك متعثرًا، حتى لو كان معنى ذلك أن تستحوذ عليه شركة أكبر أو أن يتلقى المساعدة من شركات أخرى أو حتى إصدار بيان من وزارة الخزانة يدعمه حتى لا يصيب الذعر المودعين، سأترك هذا الأمر للخبراء».

التدخل ليس أمرًا محببًا، لكن في حال تضييق الخناق من قبل المودعين فسيكون ذلك هو الخيار الوحيد، إذ إن بنك سيليكون فالي يبدو غير قادر على تغطية الخسائر التي مُني بها في أصوله. صرّح لاري سمرز، وزير خزانة سابق، أنه إذا تدخلت الدولة فلا يوجد داعٍ للقلق بأن تؤدي مشكلة بنك سيليكون فالي إلى إلحاق الضرر بأجزاء أخرى من النظام المالي. يأمل الكثير ألا يلحق الضرر بالنظام المالي وأن يكون لاري محقًا.

اقرأ أيضًا:

مؤشرات مقلقة تدل على ركود اقتصادي بعد انهيار سوق الأسهم

انهيار العملات المشفرة: تقلبات السوق قد تكون مفيدة لعودة العملات المشفرة

تدقيق: لبنى حمزة

مراجعة: نغم رابي

المصدر