لطالما كانت الأرض الواقعة في حدود أوكرانيا الحديثة، التي تعادل ولاية تكساس حجمًا وتُسمى غالبًا سلة قمح أوروبا، مصدر قوت لقوى المنطقة. خلال العصور القديمة، كان للإغريق والرومان والهون، وعدة إمبراطوريات أخرى أقل شهرة مثل السكيثيين والسارماتيين، حضور هناك في زمن أو آخر.

في أزمنة أحدث، منذ العصور الوسطى إلى الحاضر، زحف الفايكينغ والمغول والليتوانيون والبولنديون والروس والعثمانيون والسويديون والفرنسيون والنمساويون والألمان والرومانيون والتشيكوسلوفاكيون إلى تلك المناطق، وبقي بعضهم مدةً أطول من سواه.

لم تكن أوكرانيا مستقلةً تمامًا حتى انهيار الاتحاد السوفيتي، رغم وجود فترات شبه استقلال، إذ قسمت أوكرانيا وأعيد توحيدها عدة مرات. اسم «أوكرانيا» الملائم لحقيقتها يعني «على الحافة» أو «التخوم» ويعلن نشيدها الوطني «أوكرانيا لم تفن بعد». نظرًا إلى كل هذا، يظل التاريخ والهوية الأوكرانية محل نزاع، لا سيما في ظل الغزو الروسي 2022.

أعلن القائد الروسي فلاديمير بوتين مثلًا أن الأوكرانيين والروس «شعب واحد»، وأن أوكرانيا ليست دولة حقيقية، ترديدًا لصدى الأجيال الروسية السابقة التي أشارت إليها باسم «روسيا الصغرى». غير أن أكثر الأوكرانيين يعارضون بشدة هذه التوصيفات مشيرين إلى لغة بلدهم المستقلة وثقافته وتقاليده ومبادئه المدنية.

يقول ستيفن براين الأستاذ المساعد بجامعة الدولة في ميسيسيبي، المتخصص في التاريخ الروسي، «إن كثيرًا من التاريخ المهم الذي ينسبه بوتين والقوميون الروس إلى أسلافهم حدث في أوكرانيا»، ويضيف أن روسيا وأوكرانيا «كانتا جزءًا من نفس الدولة زمنًا طويلًا».

يقول براين: «من جهة أخرى، كانت كييف عاصمة دولتها الخاصة قبل أن توجد موسكو»، وقد اتسعت أوكرانيا بعيدًا خارج النفوذ الروسي، وحسب براين فإن «الأوكرانيين يرون أنفسهم أكثر فأكثر قوميةً منفصلة».

في ما يلي تسلسل زمني للألفية الماضية يوضح كيف وصلت أوكرانيا إلى وضعها الحالي.

1037: كيفن روس

إن بناء كاتدرائية القديسة صوفيا في كييف، التي لا تزال قائمة اليوم بشكلها المجدد، شاهد على مرحلة ازدهار إمارة كيفن روس. يُفترض أن الفايكينغ أسسوا كيفن روس في القرن التاسع، لتمتد وتحتوي أوكرانيا الحالية وبيلاروسيا وجزءًا من روسيا. كتبت المؤرخة آنا ريد أنها شكلت «أول حضارة سلافية شرقية عظيمة»، وكانت في ذلك الزمن «أكبر مملكة في أوروبا».

ينسب الأوكرانيون والبيلاروسيون والروس المعاصرون إرثهم إلى كيفن روس، ما يؤدي إلى نقاشات حادة لا تحسم هل كانت «أوكرانيا جزءًا من روسيا سابقًا، أم أن روسيا كانت جزءًا من أوكرانيا؟»، كما يقول يوشيكو هريرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة ويسكونسين-ماديسون، الخبير في السياسة الروسية ما بعد السوفييتية.

1240: الغزو المغولي

بقيادة باتو خان حفيد جنكيز خان، اخترق جيش المغول أوروبا واستولى على كييف، مع أراض أخرى مجاورة. وقع جزء كبير من روسيا وأوكرانيا الحالية تحت سيطرة العشيرة الذهبية، وهي جزء من الإمبراطورية المغولية الواسعة.

1363: ليتوانيا

هزمت القوات الليتوانية المغول في معركة «المياه الزرقاء»، ودمجت جزءًا مهمًا من أوكرانيا الحالية في دوقية ليتوانيا الكبرى. طوال قرون عديدة لاحقة، استطاعت ليتوانيا، وحليفتها بولندا التي ستتحد معها تدريجيًا، الإمساك بزمام السيطرة الكاملة على المنطقة.

1476: إيفان الثالث

أعلن إيفان الثالث حاكم موسكوفي، الاسم الذي كان يطلق على روسيا آنذاك، استقلاله عن العشيرة الذهبية برفضه لدفع الإتاوة. يوضح براين أن الموسكوفيين سابقًا «تعاونوا وحاكوا المغول. طالب إيفان أيضًا بنسبة من أراضي أوكرانيا الحالية» -وكان القائد الروسي الأول في ذلك- ما قاده إلى صراع مباشر مع ليتوانيا.

1569: الاتحاد البولندي الليتواني:

أتمت ليتوانيا وبولندا اندماجهما لأسباب منها محاربة روسيا، فتكون الكومنولث البولندي الليتواني.

1648: تمرد الكوساك

أحرز تمرد للكوساك ضد الحكم البولندي الليتواني عددًا مفاجئًا من الانتصارات في بدايته، ما أدى إلى تكوين دولة شبه مستقلة عُرفت باسم «هيتمانات»، غدت إلهامًا للقوميين الأوكرانيين مستقبلًا. مع ذلك، انخرط الكوساك في مذابح قتلت نحو 14,000 – 20,000 يهودي في غضون عدة أشهر. كما كتب المؤرخ سيرجي بلوخ فإن «مجموعات بأكملها مُحيت من الخريطة».

1654: الدمار

بعد أن تخلى عنهم حلفاؤهم التتار، التجأ الكوساك إلى روسيا للحماية، الذين يرونهم أكثر قابليةً لمصالحهم من بولندا-ليتوانيا. يقول براين: «لقد قبلوا بأفضل صفقة ممكنة». لم يعتقدوا أنهم سمحوا بتجاهل إرادتهم من قبل قوى أخرى، لكن مع مرور الوقت، كانت لموسكو نظرة أخرى.

تلا ذلك سنوات من القتال مع الروس والبولنديين وجيوش الكوساك، الذين تصارعوا فيما بينهم من أجل السيطرة على أراضي أوكرانيا الحالية، في فترة يُشار إليها تاريخيًا باسم «الدمار».

1667: الانقسام

دون الرجوع إلى مشورة الكوساك، الذين احتفظوا بدرجة من الاستقلال، وقعت روسيا وبولندا-ليتوانيا هدنةً قسمت أوكرانيا بينهما واتخذت من نهر «دنيبر» حدًا.

1708: روسيا تسيطر على شرق أوكرانيا

خلال الحرب الشمالية الكبرى، سعى ملك السويد تشارلز الثاني عشر للسيطرة على أوكرانيا جزءًا من غزوه الكارثي لروسيا، وضمن دعم قائد الكوساك الرئيسي آنذاك، مع أن آخرين من الكوساك قاتلوا في صف روسيا. في السنة التالية، سُحقت قوات تشارلز الثاني عشر في معركة بولتافا، ما عزز سيطرة روسيا على شرق أوكرانيا وفقًا لبراين.

1783: ولادة الإمبراطورية الروسية: كاثرين العظيمة تضم القرم

بعد سلسلة من الحروب مع الإمبراطورية العثمانية، ضمت القيصرة الروسية كاثرين العظيمة شبه جزيرة القرم وأمنت النفاذ إلى البحر الأسود المهم استراتيجيًا. في الوقت ذاته، أنهت كاثرين حل دولة الكوساك «هيتمانات»، جزءًا مما سيصبح حملةً طويلة المدى بهدف «روسنة» أوكرانيا.

1759: روسيا تسيطر على معظم أوكرانيا

انتهى وجود بولندا وليتوانيا بعد تقسيم ثالث وأخير لأراضيهما بين الإمبراطوريات البروسية والنمساوية والروسية. حازت النمسا على قطاع مهم من أوكرانيا الحالية في الجنوب الغربي، في حين ظفرت روسيا بأكثر الأراضي الأوكرانية للمرة الأولى.

1812: غزو نابليون

اجتاح الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابارت أوكرانيا الحالية جزءًا من غزوه الكارثي لروسيا.

الحركة القومية الأوكرانية في القرن التاسع عشر:

تشكلت الحركات القومية في أنحاء أوروبا، ولم تكن أوكرانيا استثناءًا. بدأ رواد الاستقلال تنظيم وتعزيز مكانة اللغة الأوكرانية، مشددين على أهمية ثقافة وتاريخ أوكرانيا المستقل، مشيرين إلى أنفسهم بوصفهم أوكرانيين لأول مرة، ودعوا إلى الحكم الذاتي. تجاوبت روسيا بسلسلة من الإجراءات القمعية التي تضمنت مرسومًا يمنع نشر الكتب والصحف باللغة الأوكرانية. أعلن منشور روسي في ستينيات القرن التاسع عشر: «لم توجد قط لغة «روسية صغرى» ولن توجد أبدًا، ولهجاتها التي تتحدثها الجماهير هي نفسها اللغة الروسية».

1917: أعلن مجلس أوكراني الحق في تنظيم شؤونهم الخاصة

عندما اندلعت الثورة الروسية، أعلن مجلس «رادا» المركزي المكون حديثًا، وهو مجلس من الممثلين المنتخبين، تمتع أوكرانيا بالحكم الذاتي بوصفها دولة ضمن روسيا، يجب أن ينال شعبها «الحق في تنظيم حياته على أرضه الخاصة».

1918: استقلال قصير

مع اقتراب القوات البلشفية، أعلن مجلس رادا المركزي الاستقلال التام لأوكرانيا. «تم الاستقلال الآن من قمقم الإمبراطورية»، كما كتب بلوخ. وقعت أوكرانيا معاهدة سلام مع قوى المحور، إذ وافقت على التدخل العسكري الألماني والنمساوي. كما أملت الحكومة الأوكرانية، نجح الألمان والنمساويون في إجبار البلشفيين على التراجع، على الأقل حتى توقيع وقف إطلاق نار بعد الحرب العالمية الأولى. لكنهم -الألمان والنمساويين- تدخلوا أيضًا في الشؤون الأوكرانية، إذ أطاحوا بمجلس «رادا» المركزي وعينوا حاكمًا تابعًا للألمان. فشلت محاولة ثانية قصيرة المدة للاستقلال غرب أوكرانيا، إذ سُحقت هذه المحاولة من قبل بولندا التي أعيد تشكيلها حديثًا.

1919: تقسيم أوكرانيا

بعد الحرب العالمية الاولى، قُسمت أوكرانيا الحالية إلى أربعة أجزاء. حازت روسيا على النصيب الأكبر في حين قُدمت الأقسام الأصغر إلى بولندا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا.

1921: نهاية الحرب الأهلية

انتصر البلشفيون في حرب أهلية طاحنة حكم فيها الجيش الأحمر والجيش الأبيض والجنود البولنديون وميليشيات غير منتسبة من الفلاحين أرض أوكرانيا الحالية، غيرت كييف تحالفاتها عدة مرات وارتُكبت مجازر من قبل كل الأطراف.

1922: دمج أوكرانيا في الإتحاد السوفيتي

ضُمت أوكرانيا إلى الاتحاد السوفيتي المؤسس حديثًا.

1932-1933: المجاعة الأوكرانية

سعيًا لإحكام سيطرته على أوكرانيا، خطط الديكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين لمجاعة عُرفت باسم «هولودومور» سببت نحو 3.9 ملايين حالة وفاة في أوكرانيا، فيما يعده المؤرخون عملية إبادة جماعية مخططة. كتب هيريرا: «السجل التاريخي بالغ الوضوح، تفيد الوثائق بأن موسكو كانت تعلم بالضبط ما يجري».

1936-38: التطهير الأكبر

شرع ستالين «بتطهير» واسع المدى لمن عدّهم أعداء الاتحاد السوفيتي، ومنهم أوكرانيون، بإعدامهم مباشرةً أو إرسالهم إلى معسكرات العمل.

1941: الغزو النازي

في خرق لميثاق عدم الاعتداء، اجتاحت ألمانيا النازية الاتحاد السوفيتي، وبنهاية السنة، استولت على معظم أوكرانيا. بعض الأوكرانيين رحبوا في البداية بالألمان بوصفهم محررين، وخدم بعضهم في صفوف القوات الألمانية. لكنهم أحسوا بعد مدة قصيرة بالحقد تجاه الألمان، جزئيًا لأنهم رحلوا المدنيين الأوكرانيين بالجملة إلى ألمانيا ليعملوا بوصفهم عبيدًا.

إحدى أسوأ فظائع الهولوكوست وقعت في سبتمبر من تلك السنة حين قتلت فرق الموت الألمانية بمساعدة الشرطة الأوكرانية زهاء 34 ألفًا خارج كييف.

1944: ستالين يرحل تتار القرم

رحل ستالين كامل سكان القرم من التتار، نحو 200 ألف شخص في المجموع، قضى نصفهم نحبه بسبب المجاعة والمرض في المنفى. أعاد الجنود السوفييت السيطرة على أوكرانيا، ورحلوا منها قسرًا مئات الآلاف من البولنديين في تقدمهم غربًا نحو ألمانيا.

1945: وفاة مليون يهودي أوكراني

بنهاية الحرب العالمية الثانية، تكبدت أوكرانيا 5-7 ملايين حالة وفاة، أي نحو 16% من سكانها قبل الحرب، منهم نحو مليون يهودي.

1954: خروتشوف ينقل القرم إلى السيادة الأوكرانية

حولت الحكومة السوفييتية تحت إمرة نيكيتا خروتشوف القرم من روسيا إلى أوكرانيا رمزًا «للصداقة الأبدية»، وهو ما لم يشكل أي فارق على الأرض الواقع لأن القرم في كل الأحوال ظل عمليًا تحت السيادة السوفييتية.

1986: كارثة تشيرنوبل

أدى خطأ في إجراء اختبارات السلامة في محطة الطاقة النووية تشيرنوبل في أوكرانيا، إلى انهيار كارثي للمفاعل حاولت السلطات السوفييتية إخفاءه. تُعد هذه الكارثة أسوأ حادث نووي في التاريخ وكانت من علامات انهيار الاتحاد السوفييتي.

1991: استقلال أوكرانيا

في حين كان الاتحاد السوفيتي يلفظ آخر أنفاسه، أعلن برلمان أوكرانيا الاستقلال، وهو قرار حظي بتأييد واسع من الناخبين الأوكرانيين في استفتاء شعبي. أصبحت أوكرانيا دولة مستقلة للمرة الأولى.

1994: أوكرانيا تتخلى عن السلاح النووي

أسفرت محادثات بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا عن اتفاق سلمت بموجبه أوكرانيا أسلحتها النووية مقابل تعهد روسي باحترام «الحدود القائمة». منذ ذلك الحين أصبحت أوكرانيا من الدول المستحقة للمساعدات الأمريكية.

2004: الثورة البرتقالية

عبر المحتجون الأوكرانيون عن اعتراضهم على نتائج انتخابات رآها العديد مزيفةً، واجتمعوا في ميدان الاستقلال بكييف فيما يُعرف بالثورة البرتقالية. انقلبت النتائج حين أُعيد التصويت، فانتصر المرشح الموالي للغرب فيكتور يوشنكو، الذي نجا من محاولة اغتيال، على المرشح الموالي لروسيا فيكتور يانكوفيتش. عام 2010، بعد أن عانى يوشنكو من صراع داخلي، عاد يانكوفيتش بقوة وفاز بالرئاسة.

2014: المحتجون يطيحون بالرئيس المدعوم من روسيا

أطلقت قوات موالية للحكومة النار على محتجين هبوا مجددًا إلى ميدان الاستقلال بكييف، هذه المرة داعمين لتكوين روابط أمتن مع الاتحاد الأوروبي. توفي أكثر من 100 شخص في الاشتباكات، إلا أن الاحتجاجات نجحت في إجبار يانكوفيتش الفاسد سيئ السمعة على الفرار إلى روسيا.

2014: روسيا تضم القرم

جاء الرد الروسي مباشرةً باحتلال القرم، ودعم تمرد انفصالي في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، سببت هذه الأحداث مقتل نحو 14,000 شخص على مدار عدة سنوات، كتب هيريرا: «من المشكلات الرئيسية اختيار أوكرانيا التحالف مع أوروبا لا روسيا، وهو أمر غير مقبول بالنسبة إلى بوتين».

2019: زيلنسكي رئيسًا

فلاديمير زيلنسكي، الممثل الكوميدي الذي أدى دور رئيس أوكرانيا في برنامج تليفزيوني، يفوز في الانتخابات ليصبح رئيس أوكرانيا بالفعل. بعد أشهر قليلة يتلقى مكالمةً من الرئيس الأمريكي ترامب وهي مكالمة استُخدمت بوصفها دليل إدانة ضد ترامب، وإن بُرئت ساحته لاحقًا.

2022: روسيا تغزو أوكرانيا

أطلقت روسيا عملية غزو واسع النطاق لأوكرانيا لكنها تلقت مقاومة أشد من المتوقع. يقول هيريرا: «يعود الغزو إلى رغبة روسيا في بسط نفوذها على أوكرانيا، ظنًا منها أنها لن تواجه عواقب».

اقرأ أيضًا:

نيقولا الثاني.. آخر قياصرة روسيا

كيف استخدمت النار الإغريقية في الحروب؟

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: مهدي أعور

المصدر