تنحدر سلالة عائلة روتشيلد من مدينة فرانكفورت في ألمانيا، وهي عائلة اشتهرت بالعمل في المجال المصرفي.

أسس ماير أمشيل روتشيلد إمبراطورية العائلة في القرن الثامن عشر، ثم ازدهرت بفضل أبنائه الخمسة ناثان وجيمس وسالومون وكارل وأمشيل ماير.

نجحت عائلة روتشيلد في تطوير التمويل الدولي، وأسست فروعًا في لندن وباريس وفيينا ونابولي بالإضافة إلى مركزها الأساسي في فرانكفورت.

طورت العائلة عملها من تجارة السلع وتصريف العملات الأجنبية إلى نشاطات كبيرة تتضمن العمل المصرفي التجاري والمصرفي الخاص وإدارة الملكيات وعمليات الدمج والاستحواذ والتأمين ورأس المال المخاطِر والاستثمارات والمعاشات والديون السيادية وتجارة السلع أيضًا.

واستثمروا كذلك في مشاريع بنى تحتية كبيرة مثل الجسور والأنفاق والسكك الحديدية، وقناة السويس أحد أهم هذه المشاريع.

تضمنت أعمالهم أيضًا مجال الفنادق والنقل والإعلام وصناعة النبيذ.

الأب المؤسس: ماير أمشيل روتشيلد

ترعرع ماير أمشيل روتشيلد (1744-1812) في فرانكفورت في الحي اليهودي الضيق الذي ضم يهود المدينة البالغ عددهم 3000 شخص.

في ذلك الوقت، لم يُسمَح لليهود بمغادرة الحي في الليل أو في أيام الأحد وأيام الأعياد المسيحية، ومُنعوا من دخول الحدائق العامة والمقاهي، وكذلك لم يسمح لهم بالتجول في مجموعات تضم أكثر من شخصين.

عمل أمشيل موسى روتشيلد في تجارة الألبسة الحريرية وتصريف العملات، ودخل ابنه ماير روتشيلد مجال الأعمال في سن مبكِّر، إذ بدأ بتنظيم العملات المعدنية المكتسبة من المعارض التجارية النصف سنوية التي جذبت الكثير من الراغبين بالبيع والشراء في مدينة فرانكفورت.

توفي والدا ماير بسبب الجدري عندما كان في الثانية عشرة من عمره، وعاش بعدها مع أقربائه الذين أرسلوه إلى هانوفر ليتدرب على العمل لدى سايمون وولف أوبنهايمر المصرفي اليهودي البارز.

تعرف ماير هناك على عالم التجارة الدولية والتمويل، وتعلَّم ما يتعلق بالعملات المعدنية النادرة التي هوى الأمراء والأثرياء جمعها، مثل عملات روما القديمة وبلاد فارس والإمبراطورية البيزنطية.

أُطلِقَ على اليهود الذين تعاملوا مع النبلاء لقب يهود البلاط أو الوسطاء التجاريون لدى البلاط.

تاريخ عائلة روتشيلد - كيف تحولت عائلة روتشيلد إلى إمبراطورية مصرفية معروفة حول العالم؟ - معلومات عن الأب المؤسس: ماير أمشيل روتشيلد

بداية إمبراطورية مصرفية

عاد ماير روتشيلد إلى فرانكفورت عام 1763 أي عندما كان عمره 19 عامًا، وانضم إلى أخويه في الأعمال التجارية التي أسسها والدهم.

أصبح ماير تاجر عملات نادرة، وفي مدينة هيسي كسب رعاية الأمير فيلهيلم الذي سبق أن اشترى العملات من والد ماير أيضًا.

استفاد ماير كثيرًا من علاقته مع الأمير، وتطورت هذه العلاقة لتتضمن خدمات مالية أخرى ساعدت ماير على بناء علاقات أوسع مع نبلاء آخرين.

ورث الأمير فيلهيلم ثروة هائلة، وحاز لاحقًا على لقب فيلهيلم التاسع لاندغريف هيسي-كيسيل، ولذا طلب روتشيلد منه عام 1769 لقب وسيط تجاري لدى البلاط أو لقب عميل التاج، ويشير هذا اللقب الفخري إلى أن ماير يقدم الخدمات للعائلة الملكية ويسمح له أيضًا بوضع درع للعائلة يتضمن شعار النبالة في هيسي وهاناو، وبذلك استطاع إعلان أعماله على نطاق أوسع.

تزوج ماير عام 1770 من غوتلي شنابر التي كان والدها صراف عملات ووسيطًا تجاريًا لدى البلاط، وأنجب منها خمسة أبناء وخمس بنات.
يعود تاريخ عائلة روتشيلد إلى خمسينيات القرن الخامس عشر في فرانكفورت.

توسع إمبراطورية روتشيلد وورثة العائلة

توسعت إمبراطورية روتشيلد المصرفية بسرعة خلال الثورة الفرنسية، إذ ساعد ماير روتشيلد على وصول المدفوعات البريطانية لجلب جنود مرتزقة من هيسي.

أرسل ماير أبناءه في مطلع القرن التاسع عشر إلى نابولي وفيينا وباريس ولندن ليعيشوا فيها، وأبقى أحد أبنائه معه في فرانكفورت. ومع انتشار أبناء ماير روتشيلد في أنحاء أوروبا شكلت فروع المصرف الخمسة المرتبطة أول مصرف عابر للحدود.

وعلى مدى عدة قرون، أقرضت عائلة روتشيلد الحكومات لتمويل الحروب، ما منحها فرصة جمع السندات وبناء ثروة إضافية في مختلف الصناعات.

ترك ماير روتشيلد قبل وفاته تعليمات صارمة لورثته حول كيفية إدارة أمواله، إذ أراد إبقاء الثروة بين أفراد العائلة فقط فبنى نظام خلافة صلبًا يتبع السلالة الأبوية، أي أنه منح الميراث للأبناء الذكور وأبنائهم واستثنى الإناث من أي ميراث مباشر، ما شجع الزواج بين أفراد العائلة.

تزوج 36 حفيدًا لماير روتشيلد من أبنائه الذكور بين عامي 1824 و1877، وكان 30 زواجًا منهم بين أفراد العائلة، إذ تزوج معظمهم أنسباءه من الدرجة الأولى أو الثانية. تزوج فقط 4 من الذكور واثنتان من الإناث من أشخاص خارج العائلة.

ناثان ماير روتشيلد: الممول الدولي

من بين أبناء ماير الأربعة الذين سافروا حقق الابن الثالث ناثان نجاحًا باهرًا (1777-1836).

انتقل ناثان إلى مانشستر عام 1798 لتأسيس شركة أنسجة، وانتقل لاحقًا إلى لندن ليعمل مصرفيًا، ثم أسس مصرف إن إم روتشيلد- N M Rothschild عام 1810.

ما زال مصرف إن إم روتشيلد آند سونز- N M Rothschild & Sons يعمل حتى اليوم، وعام 2019 حقق أرباحًا بقيمة 1.87 مليار يورو، وبلغت ممتلكاته تحت الإدارة قيمة 76 مليار يورو.

مثل جميع مصارف عائلة روتشيلد، أقرضَ إن إم روتشيلد آند سونز الحكومة البريطانية في أثناء أزماتها. وخلال فترة الحروب النابليونية أدار المصرف الإعانات التي أرسلتها الحكومة إلى حلفائها ومولها وأقرضها الأموال اللازمة للدفع لقواتها، أي أنه كان المسؤول الوحيد تقريبًا عن تمويل الحرب.

عام 1824، أسس ناثان روتشيلد وموسى مونتيفيوري شركة أليانس للتأمين-Alliance Assurance Company، التي تشكل اليوم جزءًا من مجموعة آر إس إي-RSA Group.

عام 1835، حصل ناثان على حقوق مناجم الزئبق في إسبانيا محتكرًا هذا المركب الكيميائي اللازم لتنقية الذهب والفضة، وفي عام 1852 بدأ إن إم روتشيلد آند سونز بتنقية الذهب والفضة لمصرف إنكلترا ودار السك الملكية.

الأعمال الخيرية

دعم ناثان روتشيلد المجتمع اليهودي في مناطق كثيرة، ووسعت عائلته لاحقًا الأنشطة الخيرية لتشمل فئات أخرى من المجتمع في باريس ولندن.

في البداية، ركز ناثان جهوده على المعابد الدينية في لندن، ما أدى لاحقًا إلى تشكيل الكنيست المتحد-United Synagogue الذي نسَّق أهداف الكنيست الأصغر.

لاحقًا، دعمت العائلة إسرائيل وساهمت في بناء المنازل والمباني الحكومية.

أدارت لويز ابنة ناثان الصغرى مع بناتها السبع معظم مؤسسات روتشيلد الخيرية في فرانكفورت (وعددها ثلاثون مؤسسة)، ونشطت هذه المؤسسات في مجالات المكتبات العامة ودور الأيتام والمشافي ودور العجزة وصناديق تمويل التعليم.

وتبرعوا لمدرسة اليهود المجانية في لندن بمبالغ طائلة، وتبرعوا أيضًا لدعم التعليم في النمسا وفرنسا وإسرائيل.

كذلك قدموا 60,000 قطعة فنية للمؤسسات العامة، ووسعوا مفهوم الإسكان الاجتماعي في باريس ولندن، وأسسوا مؤسسة روتشيلد لتدعيم هذه الجهود.

عائلة روتشيلد في القرن العشرين

حارب السياسيون عائلة روتشيلد مئة عام، وحاول أعداؤها تدمير إمبراطوريتها وثروتها.

أغلق فرع المصرف في نابولي عام 1863، وأدى نقص الورثة الذكور إلى إغلاق فرع فرانكفورت عام 1901، وأيضًا أغلق فرع فيينا عام 1938 بسبب الاجتياح النازي للنمسا والخطر الذي لاحق اليهود آنذاك.

صادرت حكومة فيشي ممتلكات عائلة روتشيلد في بوردو في أثناء الحرب، وصادر النازيون ممتلكات تقدر بملايين الدولارات من فرع العائلة النمساوي، لكن الحكومة النمساوية أعادت جزءًا من هذه الممتلكات عام 1998.

وعلى مدى سنين، قُدِّمَت عقارات عائلة روتشيلد الفخمة على شكل تبرعات للحكومات البريطانية والفرنسية والجامعات والمنظمات الأخرى.

تابعت ثلاثة مصارف لعائلة روتشيلد العمل في سبعينيات القرن الماضي، وشملت فرعي لندن وباريس ومصرفًا سويسريًا أسسه إدموند أدولف دي روتشيلد (1926-1997).

عام 1982، وجهت حكومة الرئيس فرانسوا ميتران الاشتراكية ضربة قاتلة لمصرف باريس، إذ أصدرت قرارًا بتأميمه وإعادة تسميته ليصبح Compagnie Européenne de Banque.

ساعد إدموند ابن عمه البارون ديفيد ريني جيمس دي روتشيلد (مواليد 1942) الذي بقي في باريس وأسس مصرف روتشيلد آند سي-Rothschild & Cie Banque عام 1987، فاتحد المصرفان الفرنسي والبريطاني عام 2003 برئاسة ديفيد لمجلس الإدارة.

أعيد تنظيم ممتلكات العائلة وجمعت تحت سقف شركة مساهمة في فرنسا اسمها باريس أورليانس-Paris Orléans، وتوحدت أعمال العائلة بعد قرنين تقريبًا من نشر ماير روتشيلد أبناءه الخمسة في أوروبا.

الانتقال إلى القرن الحادي والعشرين

قسمت ثروة العائلة بين الأحفاد والورثة عبر السنين، وتنتشر ممتلكات عائلة روتشيلد اليوم وتشمل مجالات كثيرة مثل الخدمات المالية والعقارات والتعدين والطاقة والعمل الخيري، وتملك العائلة أكثر من 12 معمل نبيذ حول العالم.

استثمرت عائلة روتشيلد ثروتها في شركات محدودة الاكتتاب (أي محدودة الملَّاك)، وما زالت شركات روتشيلد ناجحة اليوم ويعمل معظم أفراد العائلة لدى هذه الشركات مباشرةً أو يستثمرون في عمليات تزيد ثروة عائلتهم.

يعزى نجاح العائلة الاستثنائي إلى تعاونهم الشديد واتباعهم مبادئ العمل الذكي وريادتهم في مختلف المجالات.

ضمت ممتلكات ناثان روتشيلد إلى باقي ثروات العائلة وأصبحت جزءًا من ثروة جماعية يتناقلها الأحفاد، ويستمر أبناء سلالة روتشيلد اليوم بتمويل الأعمال عالميًا والمساهمة في المجالات العلمية والإنسانية والثقافية والأعمال.

وينطوي شعار العائلة على ثلاث نقاط: الانسجام والنزاهة والصناعة.

اقرأ أيضًا:

كيف يؤثر الإنفاق العسكري على الاقتصاد؟

ما مقدار الطاقة الكهربائية التي تستهلكها البيتكوين؟

ما سياسات التقشف وكيف تعمل؟

ترجمة: كميت خطيب

تدقيق: غزل الكردي

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر