بإمكان ساعة واحدة إضافية من النوم صنع فارق ملحوظ في الصحة الجسدية والنفسية، لكن هل يعني هذا أنه يمكننا تعويض جميع الليالي التي نسهر فيها فقط بالحصول على غفوة كلما سمحت لنا الفرصة؟

ليس بالضبط. تبين الدراسات أنه لا يمكن تعويض أيام أو أسابيع من النوم غير الكافي فقط بالحصول على قسط إضافي من النوم في ليلة واحدة. ينبغي لنا استغلال وقتنا الإضافي لتغيير بعض عاداتنا والحصول على قسط كافٍ من النوم.

ما سبب حاجتنا الملحة إلى النوم؟

تعرّف العديد من الدراسات النوم غير الكافي لدى البالغين بأنه النوم أقل من سبع ساعات كل ليلة، وهو يرتبط بالعديد من المشكلات مثل ضعف كل من الذاكرة والقدرة على اتخاذ القرارات والجهاز المناعي، إضافةً إلى خطر الإصابة بأمراض القلب وزيادة الوزن والاكتئاب والخرف. أظهرت دراسات مختلفة أن محاولة تعويض النوم المفقود في عطلة نهاية الأسبوع لا يقلل خطر حدوث هذه الأمراض.

قال البروفيسور كريستوفر ديبنر من جامعة كولورادو بولدر: «تشير البيانات الحالية إلى أن الحصول على قسط إضافي من النوم في عطلة نهاية الأسبوع لا يمنع الإصابة بالأمراض التي قد تنجم عن قلة النوم خلال بقية أيام الأسبوع».

«الشعور بحال أفضل بعد النوم ساعات إضافية في نهاية الأسبوع لا يعني أننا أصبحنا بمأمن من الإصابة بالأمراض التي تسببها قلة النوم على المدى الطويل. أوضحت البيانات أن التباين الكبير بين نظام النوم في عطلة نهاية الأسبوع وباقي أيام الأسبوع يزيد خطر الإصابة بتلك الأمراض».

مزايا الراحة

بدلًا من من محاولة تعويض النوم المفقود، يجب أن نهدف إلى تحسين جودة نومنا اليومي، كي ننعم بصحة نفسية وجسدية جيدة، وتصبح حياتنا اليومية أفضل.

يتفق الخبراء أن معظم البالغين يحتاجون إلى 7-8 ساعات من النوم يوميًا، لكن قد تختلف المدة بين شخص وآخر، إذ إن بعض الأشخاص مهيئون جينيًا للاكتفاء بساعات أقل من النوم، في حين يحتاج الأطفال والمراهقون إلى مدة أطول.

أظهرت دراسة حديثة أن سبع ساعات من النوم كافية لمعظم البالغين، وأظهرت دراسات أخرى أن النوم أقل من ست ساعات أو أكثر من ثمان ساعات ضار بصحة القلب، لكن إذا اعتبرنا سبع ساعات من النوم الحد الأدنى المناسب لمعظم البالغين، سنجد أن نحو ثلث البالغين في العالم لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم.

الطريقة المثلى للتحقق من حصولنا على قسط كافٍ من النوم هي تقييم شعورنا خلال اليوم. وفقًا للعديد من خبراء النوم، يمكننا الاسترشاد بالعلامات التالية:

  •  مواجهة صعوبة في الاستيقاظ أو النهوض من السرير.
  •  ضعف التركيز أو الذاكرة.
  •  سرعة الانفعال وسوء المزاج.
  •  الشعور بالتعب في وقت الظهيرة.

تدل هذه العلامات على حاجتنا إلى وقت إضافي من النوم لتحسين الحالة المزاجية والقدرات الذهنية والاستقرار العاطفي والإنتاجية.

من الضروري الحصول على قسط كافٍ من النوم لأنه يتيح:

  •  معالجة أحداث اليوم ونقلها إلى الذاكرة طويلة الأمد وتخزينها في صورة ذكريات.
  •  تصريف نواتج الأيض والمخلفات من الدماغ.
  •  إفراز هرمونات النمو ومواد أخرى، ما يساعد على إصلاح الأعضاء والدم والأنسجة وتجديدها.

تتم عمليات التنظيف والإصلاح والتجديد هذه خلال مرحلة النوم العميق، إذ تصل موجات النشاط الدماغي إلى المعدل الأبطأ، وخلال مرحلة حركة العين السريعة (REM) حين تحدث الأحلام، تتكرر هذه المراحل في عدة دورات طوال الليل وتتخللها مراحل أخف.

مساوئ محاولة تعويض النوم

يجمع الخبراء على أنه يجب الحصول على ساعة إضافية من النوم كلما شعرنا بالحاجة إلى ذلك، ولكن يجب ألا ننسى أن ذلك مجرد حل مؤقت وليس حلًا جذريًا للمشكلة، إذ إن قلة النوم على المدى الطويل قد تسبب أضرارًا لا يمكن إصلاحها تمامًا كغيرها من العادات غير الصحية، مثل الإسراف في شرب الكحول أو تناول الوجبات السريعة. بإمكاننا تحسين نمط حياتنا في المستقبل لكن لا يمكننا تدارك الضرر بعد حدوثه، وما زال الضرر قابلًا للتراكم بسرعة والتسبب بمشكلات أكبر.

بإمكان ساعة واحدة فقط من النوم المفقود الإخلال بالساعة البيولوجية وإيقاع النوم في الجسم طوال أسبوع. كلما قلت ساعات النوم، ازداد الأمر سوءًا.

في دراسة حديثة، أجرى المشاركون اختبارات ذاكرة قبل حرمانهم من النوم في ليلة واحدة وبعده، وأعادوا الاختبارات بعد نومهم عشر ساعات خلال ليلتين لمحاولة تعويض النوم المفقود، ورغم أنهم استعادوا وظيفة الدماغ إلى حد ما وفقًا لتصوير الدماغ، فإن أداءهم في اختبارات الذاكرة لم يتحسن.

أظهرت دراسة أخرى أن المشاركين أصبحوا أكثر غضبًا وتوترًا واستياءً بعد النوم أقل من ست ساعات خلال ثلاث ليال، إضافةً إلى أنهم أظهروا أعراضًا متعلقة باضطرابات الجهاز الهضمي والتنفسي.

تقول البروفيسورة سومي لي من جامعة جنوب فلوريدا: «عندما لا نحصل على قسط كافٍ من النوم، ينبغي علينا الإقرار بأن أداءنا سيكون أضعف من المعتاد خلال اليوم التالي، ويجب أن نتجنب زيادة عبء العمل والأنشطة في ذلك اليوم».

«لا بأس من النوم أقل من الحد المطلوب لليلة أو اثنتين، ولكن قد تنجم مشكلات صحية خطيرة عن قلة النوم على المدى الطويل، لذا يجب أن نهدف إلى تعويض ساعات النوم المفقودة كلما سنحت لنا الفرصة».

أوضحت الدراسة كيفية تراكم التأثيرات الضارة الناجمة عن قلة النوم، إذ خصم أربعة عشر مشاركًا تسعين دقيقة من مدة نومهم الاعتيادية طوال ستة أسابيع، وتبين أن عدم حصولهم على قسط كاف من النوم حوّر الحمض النووي في الخلايا المناعية الجذعية، ما أدى إلى استجابة مناعية مفرطة تسببت في الالتهابات في مختلف أجزاء الجسم.

أجرى الفريق تجربة مشابهة على الفئران، ووجدوا أنها أدت إلى التأثيرات ذاتها، ولم تتحسن قوة الجهاز المناعي لدى الفئران حتى بعد محاولة تعويض النوم المفقود. افترض الباحثون أن البشر يعانون العواقب ذاتها على المدى الطويل. قال الباحثون: «تشير نتائجنا إلى أن تعويض النوم ليس كافيًا لعكس التأثيرات الناجمة عن قلة النوم».

السبيل الأمثل لتعزيز جودة النوم هو تحسين عادات النوم، مثل:

  •  اختيار موعد معقول للنوم، حبذا قبل منتصف الليل، ومحاولة الالتزام به يوميًا حتى خلال عطلة نهاية الأسبوع.
  •  الاستيقاظ في الموعد ذاته يوميًا، والنهوض من السرير دون أخذ غفوة.
  •  الخروج في النهار قدر الإمكان لا سيما في الصباح الباكر، لضبط الساعة البيولوجية.
  •  ممارسة الرياضة –المشي مثلًا- 20 دقيقة يوميًا على الأقل، أو ما يعادل ساعتين ونصف أسبوعيًا.
  •  تقليل استهلاك الكحول، إذ يزيد الشعور بالخمول، ويقلل جودة النوم.
  •  تجنب الكافيين والأضواء الساطعة والأنشطة المجهدة في المساء، مثل قراءة الأخبار السيئة أو إرسال رسائل متعلقة بالعمل أو تصفح الإنترنت.

عمومًا، عند تردي أدائنا اليومي نتيجةً لعدم حصولنا على قسط كافٍ من النوم، ينبغي لنا أن نهتم بتحسين جودة نومنا يوميًا، بدلًا من محاولة تعويض النوم المفقود.

اقرأ أيضًا:

كيف يمكن إعادة ضبط الساعة البيولوجية وتوقيت النوم؟

اضطرابات النوم: تأثيراتها خطيرة في الصحة

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: لين الشيخ عبيد

المصدر