«الادعاءات الغريبة تتطلب أدلة غير عادية». هذه العبارة هي المعيار الذي سيطبقه علماء الفلك على إشارة غريبة التُقطت بواسطة تلسكوب فاست (التلسكوب سكاي آي الصيني)، التي قد يكون مصدرها كائنات فضائية تمتلك التكنولوجيا.

العمال يقومون بأعمال الصيانة لتلسكوب فاست في 13 ديسمبر 2020

العمال يقومون بأعمال الصيانة لتلسكوب فاست في 13 ديسمبر 2020

نُشر مقال عن هذه الإشارة على الموقع الإلكتروني لصحيفة العلوم والتكنولوجيا الصينية Science and Technology Daily المدعومة من الدولة، لكنه أُزيل لاحقًا. فهل وجد علماء الفلك أخيرًا دليلًا على حياة ذكية خارج الأرض؟ وهل يتكتمون على ذلك؟

قد تصيبنا الدهشة، ولكن يجب ألاّ نتحمس كثيرًا حتى نتأكد من ذلك. يجب أن تمر الإشارة المثيرة للاهتمام بالعديد من الاختبارات للتحقق من كونها تحمل حقًا بصمة تكنولوجية قادمة من خارج كوكب الأرض، أو أنها مجرد نتيجة لمصدر غير متوقع للتداخل الأرضي.

بما يتعلق بحذف المقال: عادةً ما تُنشر هذه الأخبار بالتزامن مع نشر النتائج التي راجعها الأقران -التي لم تتوفر بعد- لذلك من المحتمل أنها نُشرت مبكرًا خطأً.

عين على السماء

التلسكوب سكاي آي، المعروف رسميًا باسم «التلسكوب الكروي المزود بفتحة بقطر خمسمائة متر (تلسكوب فاست)»، هو أكبر تلسكوب راديو أحادي الطبق والأكثر حساسية في العالم. إنه أعجوبة هندسية، يتألف من هيكل عملاق مبني داخل حوض طبيعي في جبال غويزهو في الصين.

التلسكوب ضخم جدًا ولا تمكن إمالته فيزيائيًا، لكن يمكن توجيهه بواسطة آلاف المشغلات التي تعدل السطح العاكس للتلسكوب. من خلال تعديل السطح، يتغير موقع النقطة المحورية للتلسكوب، ومن ثم يمكن توجيه التلسكوب إلى جزء مختلف من السماء.

يكتشف تلسكوب فاست الإشعاع عند أطوال موجات الراديو حتى 10 سم، ويُستخدم في الأبحاث الفلكية في مجموعة واسعة من المجالات، وأحد هذه المجالات هو البحث عن ذكاء خارج الأرض، أو ما يُسمى بمشروع سيتي.

المشاهدات الخاصة بـ سيتي تحدث أساسًا في وضع «العمل في الخلفية»، ما يعني أنها تُلتقط في أثناء تشغيل التلسكوب أيضًا لبرامج العلوم الأولية. وبهذه الطريقة، يمكن مسح مساحات شاسعة من السماء بحثًا عن إشارات للتكنولوجيا الفضائية -بصمات تقنية- دون إعاقة العمليات العلمية الأخرى، إضافةً إلى إجراء عمليات رصد مخصصة ضمن سيتي مثل مراقبة الكواكب الخارجية القريبة.

البحث عن التكنولوجيا الفضائية

استمرت عمليات البحث عن البصمة التكنولوجية الفضائية منذ الستينيات، عندما وجّه عالم الفلك الأمريكي فرانك دريك التلسكوب تاتل البالغ طوله 26 مترًا نحو نجمين قريبين يشبهان الشمس، ومسحهما ضوئيًا بحثًا عن علامات التكنولوجيا.

على مدى السنين، أصبحت عمليات البحث عن الآثار التقنية أكثر تشددًا وحساسية. الأنظمة الموجودة في تلسكوب فاست قادرة على معالجة الطيف الراديوي على نحو أفضل بمليارات المرات مقارنةً بتجربة دريك. على الرغم من هذه التطورات، لم نعثر حتى الآن على أي دليل على وجود حياة خارج الأرض.

يغربل تلسكوب فاست كميات هائلة من البيانات، ويغذي 38 مليار عينة في الثانية في مجموعة من أجهزة الكمبيوتر عالية الأداء، التي تنتج بعد ذلك مخططات مفصلة بشكل رائع للإشارات الراديوية الواردة، يجري بعد ذلك البحث في هذه المخططات عن إشارات تبدو وكأنها بصمات تقنية.

مع مساحة التجميع الكبيرة هذه، يستطيع تلسكوب فاست التقاط إشارات خافتة على نحو لا يُصدق. إنه أكثر حساسية بنحو 20 مرة من التلسكوب الأسترالي موريانج (Murriyang) في مرصد راديو باركس. بمقدور فاست أن يكتشف بسهولة جهاز إرسال على كوكب خارجي قريب يتمتع بقوة خرج مماثلة لأنظمة الرادار الموجودة على الأرض.

مشكلة الحساسية

تكمن مشكلة الحساسية الشديدة في أنه قد لا يمكننا الكشف عن التداخل اللاسلكي الذي قد يكون خافتًا جدًا، وقد واجه الباحثون العاملون في مشروع البحث عن ذكاء خارج الأرض (سيتي) هذه المشكلة من قبل.

في العام الماضي، باستخدام التلسكوب موريانج، اكتشف فريق سيتي إشارةً مثيرةً للاهتمام للغاية أُطلق عليها BLC1. اتضح أنه تداخل غريب جدًا (وليس كائنات فضائية)، وللكشف عن طبيعتها الحقيقية، كان على الفريق تطوير منهجية تحقق جديدة.

مخطط انسيابي للتحقق من البصمات التقنية المرشحة، تم تطويره لتحليل الإشارة BLC1

مخطط انسيابي للتحقق من البصمات التقنية المرشحة، تم تطويره لتحليل الإشارة BLC1

مع الإشارة BLC1، استغرق الأمر نحو عام من الوقت من لحظة الإبلاغ عنها في البداية وصولًا إلى نشر تحليل مراجعة الأقران. وبالمثل، قد نحتاج إلى الانتظار بعض الوقت حتى يجري تحليل إشارة فاست بعمق.

أقرّ البروفيسور تشانغ تونغجي، كبير العلماء في مجموعة أبحاث الحضارة الخارجية الصينية؛ بهذا في تقرير الصحيفة الصينية Science & Technology Daily، إذ قال: «إن احتمال أن تكون الإشارة المشبوهة نوعًا من التداخل اللاسلكي؛ مرتفع للغاية، ونحتاج إلى المزيد من البحث لتأكيد ذلك أو نفيه، وقد تكون هذه العملية طويلة».

قد نحتاج إلى التعوّد على الفجوة بين البحث عن الإشارات المرشحة والتحقق منها. من المحتمل أن يجد تلسكوب فاست والتلسكوبات الأخرى العديد من الإشارات المهمة. سيتضح أن معظم هذه الإشارات عبارة عن تداخلات لاسلكية، لكن بعضها قد يكون ظواهر فيزيائية فلكية جديدة، وبعضها قد يكون بصمات تقنية حقيقية.

هل ستلبي إشارات تلسكوب فاست الغريبة هواجس العلماء والأدلة غير العادية؟

حتى تتم مراجعة عملهم ونشره، ما يزال من السابق لأوانه قول ذلك، لكن من المشجع أن خوارزميات البحث المستخدمة في سيتي تجد إشارات غريبة.

ما بين تلسكوب فاست، ومبادرة بريك ثرو ليسين، وبرنامج كوزميك التابع لمعهد سيتي، يشهد مجال البحث عن ذكاء خارج الأرض (سيتي) الكثير من الاهتمام والنشاط. لا يقتصر الأمر على موجات الراديو فحسب، بل إن عمليات البحث جارية أيضًا باستخدام الضوء والأشعة تحت الحمراء.

في الوقت الراهن، ابق مذهولًا، لكن لا تتحمس كثيرًا.

اقرأ أيضًا:

قد يكون غاز الميثان أول دليل على وجود حياة في كواكب أخرى

كم علينا الانتظار لمشاهدة المخلوقات الفضائية؟

ترجمة: أحمد عضيم

تدقق: عبد الرحمن داده

المصدر