أكد علماء الفلك اكتشاف جُرم بين نجمي يندفع بسرعة عبر مجموعتنا الشمسية، ليكون بذلك ثالث زائر من الفضاء الخارجي يدخل مجموعتنا الشمسية يُرصد على الإطلاق، مع ترجيح العلماء أن العديد من هذه الأجسام تمر دون ملاحظة.
أطلق مركز الكواكب الصغيرة التابع للاتحاد الفلكي الدولي على هذا الزائر القادم من الفضاء اسم ثري آي أطلس 3I/Atlas، ويُرجح أنه الأكبر بين الأجسام بين النجمية المكتشفة حتى الآن. وصُنف أنه مذنب على الأرجح.
قال جوناثان ماكدويل، عالم الفلك في مركز هارفارد سميشسونيان للفيزياء الفلكية: «إن رؤية بعض الغشاوة أو الضبابية حول الجرم ترجح أنه يتكون في الغالب من الجليد، وليس من الصخور».
كان هذا الجرم يُعرف سابقًا باسم A11pl3Z قبل تأكيد طبيعته بين النجمية. أكد ريتشارد موسل، رئيس قسم الدفاع الكوكبي في وكالة الفضاء الأوروبية، أن الجرم لا يُشكل أي تهديد على كوكب الأرض.
«سيمر عبر مجموعتنا الشمسية، مقتربًا من مدار كوكب المريخ، ولكنه لن يصطدم بجارنا الكوكبي».
مع أن علماء الفلك المتحمسين ما زالوا يعيدون حساباتهم بدقة، يبدو أن الجرم الفضائي يتحرك بسرعة تزيد على ستين كيلومترًا في الثانية.
يعني هذا أن الجرم لا يخضع لجاذبية الشمس ولا يدور في مدارها، بخلاف المذنبات والكويكبات التي يعود أصلها إلى داخل مجموعتنا الشمسية.
«إن مساره يشير إلى أنه لا يدور حول نجمنا الشمسي، لكنه قادم إلينا من الفضاء بين النجمي وسيعود إليه مرة أخرى».
«نعتقد أن هذه الكرات الجليدية الصغيرة تكون عادةً مرتبطة بأنظمة نجمية أُخرى، ثم عندما يمر نجم آخر بالقرب منها، يجذبها نحوه ويحررها من جاذبيتها للنظام النجمي التابعة له، فتسير حرة طليقة في الفضاء، تتجول في أنحاء المجرة، وهذا الجرم مثال على ذلك، إذ يمر الآن عبر نظامنا الشمسي».
كان مشروع أطلس، الممول من قبل وكالة ناسا والمتمركز في هاواي، قد رصد هذا الجرم بين النجمي، ومنذ الإعلان عن الاكتشاف، شرع عدد من الفلكيين المحترفين والهواة حول العالم في البحث باستخدام أرشيف بيانات التلسكوبات السابقة، ليتمكنوا من تتبع مسار الجرم الفضائي.
صرح ريتشارد موسل أن عرض الجرم يُقدر حاليًا بنحو 10 – 20 كيلومترًا، ما قد يجعله أكبر جسم بين نجمي رُصد حتى الآن. ومع ذلك، قد يكون أصغر حجمًا إذا كان يتكون معظمه من الجليد، نظرًا إلى أن الجليد يعكس الضوء بشكل أكبر في الصور، ما يجعل الجرم يبدو أسطع مما هو عليه في الواقع.
«سيزداد سطوع الجرم كلما اقترب من الشمس حتى أواخر أكتوبر، وسيظل قابلًا للرصد بواسطة التلسكوبات حتى العام المقبل».
زائرنا الثالث من الفضاء الخارجي:
جدير بالذكر أن هذه هي المرة الثالثة فقط التي يتمكن فيها البشر من رصد جرم يدخل النظام الشمسي قادمًا من الفضاء بين النجمي.
كان أول هذه الأجرام هو أومواموا، الذي اكتُشف عام 2017. ولقد كان جُرمًا غريبًا للغاية لدرجة أن أحد العلماء البارزين رجح حينها احتمال كونه مركبة فضائية تابعة لكائنات ذكية، وهو افتراض دُحض لاحقًا بواسطة المزيد من الأبحاث.
أما الزائر بين النجمي الثاني فكان الجرم المعروف باسم 2آي/بوريسوف، والذي اكتُشف عام 2019.
قال مارك نوريس، عالم الفلك في جامعة سنترال لانكشاير بالمملكة المتحدة: «يبدو أن هذا الجرم الجديد يتحرك بسرعة تفوق بكثير سرعة الجرمين السابقين».
وأضاف أن الجرم يبعد حاليًا عن الأرض بمسافة تقارب المسافة الفاصلة بين الأرض والمشتري.
أشار نوريس إلى أن النماذج الحاسوبية تشير إلى وجود ما يزيد على 10,000 جرم بين نجمي تعبر النظام الشمسي في أي وقت، إلا أن معظمها سيكون أصغر حجمًا من هذا الجرم المكتشف حديثًا.
أوضح نوريس أنه إذا صحت تلك النماذج الحاسوبية، فإن هذا يعني أن مرصد فيرا سي. روبين الجديد في تشيلي قد يتمكن قريبًا من رصد تلك الأجسام بين النجمية الخافتة بوتيرة شهرية.
أوضح ريتشارد موسل أنه من غير العملي إرسال مهمة فضائية لاعتراض هذا الجرم، نظرًا إلى سرعته الكبيرة والمسافة التي تفصله عنا.
مع ذلك، تتيح هذه الزيارات النادرة للعلماء فرصة فريدة من نوعها لدراسة أجسام قادمة من خارج المجموعة الشمسية.
«مثلًا، إذا تمكنا من رصد مركبات تُعد من لبنات الحياة، مثل الأحماض الأمينية الأولية، على مثل هذه الأجرام، فسيمنحنا ذلك قدرًا أكبر من الثقة بأن ظروف نشوء الحياة قد تكون متوفرة في أنظمة نجمية أخرى».
اقرأ أيضًا:
ما الجرم الحلزوني الأزرق الذي ظهر في سماء هاواي؟ وما علاقة شركة سبيس إكس بذلك؟
مركبة فضائية ستزور «أومواموا» للتعرف على خصائص هذا الجرم الفضائي الغريب
ترجمة: محمد إسماعيل
تدقيق: باسل حميدي