في 12 يوليو، شاركت ناسا الصور الأولى لتلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي يعمل بكل طاقته، ويعتبر أقوى مرصد فضائي بُني على الاطلاق.

من بين اللقطات القريبة للمنحدرات الكونية والانفجارات النارية النجمية كانت هناك صورة مفصلة بشكل دقيق وتُعرف باسم حقل ويب العميق الأول. فالصورة تلمع بنجوم متلألئة ودروب ضوئية ملتفة آلاف الآلاف من المجرات اللامعة كالجواهر في ظلام الكون الدامس. وصفت الصورة بأنها أعمق صورة في الكون التُقِطت على الإطلاق.

يقول سكوت جاودي، أستاذ علم الفلك في جامعة ولاية أوهايو، في حديث مع مجلة لايف ساينس: «عندما تتمعن في الصورة تجد أنه ليس هناك بقعة فارغة فيها، هناك شيء مدهش يحدث في كل مكان».

لمحاولة فهم هذه الصورة التاريخية أكثر، طلبنا من جاودي أن يوضح لنا التفاصيل الكبيرة والصغيرة والغريبة التي توجد في حقل ويب الأول.

لنبدأ بالمجرة العملاقة الأكثر وضوحًا في مركز الصورة.

النقطة المحورية لصورة حقل ويب العميق هي تجمع عدد كبير من المجرات المهولة و اللامعة والمعروفة باسم SMACS 0723، التي تقع على بعد 4.6 مليار سنة ضوئية من الأرض، ما يعني أن الضوء انطلق من هناك قبل فترة وجيزة من نشوء الأرض.

يمكن رؤية العنقود على شكل سلسلة من البقع اللامعة في مركز الصورة، محاطة بهالة بيضاء من ضوء النجوم الأكثر انتشارًا.

قال جاودي: «العناقيد المجرية هي بعض من الهياكل الأقوى جاذبية في الكون، التي تحتوي على المئات أو الآلاف من المجرات المنفردة المتكتلة معًا.

البقع الأكثر لمعانًا في منتصف الصورة تمثل بعض هذه المجرات الكبيرة، التي يبدو أن العديد منها تندمج مع بعضها بنشاط».

وتابع حديثه: «عندما تصطدم المجرات، ينتج عن ذلك حرارة وفوضى، وغيوم ضخمة من الغازات التي تُكوّن النجوم تتحطم وتُضغَط وتزداد حرارتها، وينتج عن ذلك عدد هائل من النجوم التي تُقذف خارجًا من المجرات المتصادمة».

النجوم المقذوفة التي يُقدّر عددها بالملايين أو المليارات لا تقع تحت سيطرة الجاذبية لأي مجرة في العنقود وتنتج غبارًا أبيض يعرف باسم الضوء الداخلي للعنقود.

وأردف جاودي قائلاً: «أظهر لنا تلسكوب جيمس ويب الفضائي الضوء بدقة غير مسبوقة، ما دعم الأدلة للنظرية القائلة بأن عناقيد المجرات تحتفظ بجزء كبير من كتلتها في المناطق العنقودية الداخلية».

الكتلة هي ما تجعل SMACS 0723 هدفًا جيدًا، هذا العنقود المجري هائل إلى درجة كبيرة، فهي تشوه الضوء الصادر من النجوم والمجرات الواقعة على بعد مليارات السنوات الضوئية خلفها (بالنسبة لنظرتنا من الأرض)، وهذا يقودنا إلى الصفة الأساسية لصورة حقل تلسكوب جيمس ويب العميق ألا وهي عدسة الجاذبية.

وقال جاودي: «ربما الشيء التالي الذي سيجذب انتباهك هو هذه الانحناءات الغريبة والشبيهة بالديدان التي تنبعث نوعًا ما من مركز الصورة. هذه هي المجرات الخلفية التي تقع خلف العنقود المجري، وحين يصل ضوؤها إلى العنقود فإن كتلة العنقود تقوم بحني ضوئها وتخلق ما يعرف بعدسة الجاذبية».

تشوّه عدسة الجاذبية الضوء القادم من المجرات الخلفية وتُضخّمه.

قال جاودي :« كل هذه المجرات تظهر على شكل خطوط منحنيةً مضيئة بلون برتقالي تلتف حول العنقود المجري المركزي، وتبدو طويلة، أطول حتى من العنقود المركزي الهائل، وذلك لأن ضوئها يُكبّر بعدسة الجاذبية.

بالرغم من ظهورها الواضح فإن هذه المجرات تبعد 13 مليار سنة ضوئية، ما يجعلها من أقدم المجرات المرصودة في الكون».

لكن كتلة العنقود المركزي لا تكبّر هذه الأجسام القديمة بل تضاعفها أيضًا.

بالنظر بدقة يُلاحظ أن كلاً من الخطوط البرتقالية المشوهة تكون أكثر سطوعًا حول الحواف وأقل سطوعًا في مراكزها. ويُلاحظ أن كلًا من جزئيها الساطعين هما في الحقيقة مرآة مثالية لبعضهما البعض، وهذا ناتج ثانوي لتأثير عدسة الجاذبية، ووفقا لجاودي، فإن مجرة واحدة تنقسم الى صور متعددة وتنحني حول نفس مركز الكتلة.

وأضاف أن أغلب الأجسام المشوهة الظاهرة في الصورة لديها صورة معكوسة في مكان ما في حقل جيمس ويب.

دراسة الضوء القديم هي أحد أهداف ناسا الرئيسية من تلسكوب جيمس ويب الفضائي، ولكن كما ترينا هذه الصورة فإن التلسكوب القوي لا يمكنه النظر إلى الماضي دون رؤية الآلاف والآلاف من المجرات اليافعة والقريبة لنا التي تحجب عنا جزءًا من الأجسام المراد رصدها.

قال جاودي: «بشكل عام، الأجسام الستة الساطعة الكبيرة في مقدمة الصورة هي نجوم. وباستثنائها، فإن أغلب ما تراه هي مجرات أو عناقيد مجرية».

وأردف جاودي قائلاً: «هذه المجرات تأتي بتنوع كبير. انظر إلى يمين النجم الساطع في منتصف الصورة وسترى مجرة حلزونية مثاليةً تمامًا مثل مجرتنا درب التبانة.
المجرات الحلزونية هي مجرات تُنتج النجوم بنشاط عالٍ، وهي عادةً ما تكون مليئة بنجوم يافعة وأكثر سخونة وتتوهج بضوء أبيض مائل إلى الزرقة».

انظر إلى أعلى قليلاً وإلى اليسار من المجرة الحلزونية وسوف ترى نوعًا آخر من المجرات السائدة في كوننا، مجرة برتقالية نارية إهليلجية .

يقول جاودي: «المجرات الإهليلجية هي مجرات ميتة نوعًا ما، فهي كونت جميع نجومها بالفعل. النجوم الزرقاء العملاقة تموت أولا، وتبقى النجوم الحمراء القديمة».

بشكل عام، المجرات الأكثر زرقة في هذه الصورة هي مجرات حلزونية يافعةً، بينما المجرات الحمراء هي مجرات قديمة أي مجرات إهليلجية ميتة.

ومع ذلك، فإن ضوء المجرة قد يتغير بسبب المسافة بينها وبين التلسكوب، وذلك بسبب ظاهرة تسمى الانزياح نحو الأحمر. وبشكل أساسي، عندما ينتقل الضوء في الفضاء الشاسع والمتمدد، فإن طول موجته يزداد تدريجيًا مع ازدياد المسافة، وتزداد احمرارًا بمرور الوقت، لذلك فإن بعض المجرات الحمراء والبرتقالية في الصورة هي مجرات خلفية قديمة والتي انزاح ضوئها وازدادت احمرارًا في طريقها لعدسات جيمس ويب.

على سبيل المثال، أشار جاودي إلى مجرة برتقالية على شكل حرف N متعرجة إلى يمين المجرة الحلزونية المثالية، ما يبدو أنها مشوهة وملتوية بفعل تصادم كوني عنيف.

أطلق جاودي على هذه المجرة اسم (مجرة اندماج حطام القطار) بسبب شكلها الفوضوي والمختلط.

مع الصور الأولى التي عمرها بضعة أيام من تلسكوب جيمس ويب الفضائي فإن الاكتشافات قد بدأت للتو.

ونأمل أن تستمتعوا بالإبحار في الفضاء.

اقرأ أيضًا:

ماذا يحدث إذا تصادمت العناقيد المجرية؟ تعرف على العواصف الكونية

ترجمة: مصطفى عبدالعظيم

تدقيق: محمد سمير المنوفي

المصدر