حين تصل النجوم العملاقة إلى نهايتها، لا تغادر العالم في صمت، إذ يضيء هذا الحدث الرهيب أنحاء الكون، يتفجر قلب النجم في حدث مستعر أعظم (سوبرنوفا) ويتحوّل إلى سحابة متألقة في الفضاء.

وفي نفس الوقت، تنهار نواة النجم المنتهي مشكلةً نجمًا نيوترونيًا شديد الكثافة أو ثقبًا أسود.

يُمكن أن يقذف الانفجار -إذا حدث بطريقة معينة- نواة النجم المنهار عبر مجرة درب التبانة بسرعة مذهلة، وهي سرعة جنونية تُمكّن النجم من أن يخترق المجرة مثل طلقة الرصاص في رحلة جامحة نحو الفضاء ما بين المجرات.

ظهرت بيانات رصد أحد هذه الأجرام من مرصد شاندرا للأشعة السينية لنوع من النجوم النيوترونية يسمى «النابض»، تفجرت مادته الداخلية بسرعة قُدرَت بنحو 612 كم/ثانية أي 2.25 مليون كم/ساعة.

يُعد هذا أحد أسرع الأجرام التي رُصدت من ذلك النوع، أما أسرع جسم معروف في مجرة درب التبانة ليس نجمًا مندفعًا من انفجار سوبرنوفا، لكنه نجم يدور حول الثقب الأسود العملاق Sgr A في مركز المجرة ينطلق عند أسرع نقطة في مداره بسرعة خيالية مقدارها 24000 كم/ثانية.

يقول عالم الفلك تشي لونغ من مركز هارفارد سميثسونيان لعلم الفلك: «شاهدنا على الفور حركة النجم النابض بالأشعة السينية، وهو أمر يمكننا فعله فقط عبر مرصد شاندرا عالي الوضوح، إذ تعين علينا لمتابعة حركة النجم، رصد ما يعادل قطر عملة معدنية من مسافة 24 كيلومترًا، بسبب بعده الكبير».

نجح الاكتشاف بالنظر إلى بقايا انفجار سوبرنوفا اسمه G292.0+1.8 يبعد عن كوكبنا قرابة 20 ألف سنة ضوئية.

كشفت المشاهدات السابقة عن نجم نابض يتحرك بسرعة داخل تلك المنطقة. وعمل لونغ وفريقه على دراسة ذلك الجسم بغية الوصول لتاريخ ذلك السوبرنوفا، بتعقب حركته عكسيًا حتى الوصول إلى مركز الانفجار.

يعلق عالم الفلك دانييل باتناد من سي إف إيه: «لا نملك إلا مجموعة قليلة جدًا من انفجارات سوبرنوفا التي نعرف تاريخها بصورة واضحة، لذلك نرغب بالتأكد إذا كنا نستطيع إضافة G292.0+1.8 إلى تلك المجموعة».

درس العلماء الصور المأخوذة لآثار سوبرنوفا في 2006 و2016، واستخدموا بيانات مرصد غايا من موقعه الحالي في المجرة، بغية مقارنة الاختلاف الحادث لموقع النابض.

كشفت تلك المقارنات شيئًا شديد الغرابة: يتحرك النجم النابض بسرعة أعلى بنسبة 30% مما قدرت البيانات السابقة، ما يعني أنه استغرق زمنًا أقل كثيرًا ليتحرك من مركز السوبرنوفا، ما يطرح احتمال حدوث السوبرنوفا نفسه في وقت أحدث.

قُدر تاريخ حدوث ذلك السوبرنوفا إلى 3000 عام خلت، لكن التخمينات الحالية أرجعته إلى 2000 عام فقط.

سهلت المراجعات على سرعة النجم النابض القيام بتقصّ مفصل حول كيفية إفلات النجم الميت من قلب انفجار السوبرنوفا، وتوصل العلماء إلى سيناريوهين اثنين، كل له نفس آلية الحدوث.

في السيناريو الأول، تنطلق جسيمات النيوترينو من انفجار السوبرنوفا بصورة غير مت

ماثلة وفي السيناريو الثاني ينطلق الحطام من الانفجار بصورة غير متماثلة، والأرجح هو التفسير الثاني؛ لأن طاقة النيوترينو يجب أن تكون عالية جدًا.

في الأساس، يمكن لانفجار غير متماثل أن يطرد نواة النجم المنهار إلى الفضاء بسرعات عالية جدًا، وفي تلك الحالة يتحرك النجم بسرعة أعلى من سرعة الهروب من القرص الأوسط لمجرة درب التبانة التي تساوي 550 كيلومترًا في الثانية، مع أنه سوف يستغرق وقتًا طويلاً للوصول إليها وقد تتباطأ سرعته مع مرور الوقت.

في الواقع، إن سرعته الحقيقية أعلى من 612 كيلومترًا في الثانية؛ لأنه إلى حد ما يتحرك بمحاذاة خط البصر بالنسبة لنا.

يقول عالم الفلك بول بلاكينسكي: «تبلغ طاقة حركة هذا النجم النابض 200 مليون ضعف طاقة حركة الأرض حول الشمس، ويبدو أن سبب تلك الدفعة الهائلة هو انفجار سوبرنوفا غير متماثل».

اقرأ أيضًا:

للمرة الأولى، رصد النهاية الدرامية لنجم عملاق أحمر قبل تحوله إلى سوبرنوفا

علماء ينجحون للمرة الأولى في محاكاة تفاعلات السوبرنوفا في المختبر

ترجمة: أحمد أسامة أبوحليمة

تدقيق: تسبيح علي

المصدر