تُعرّى العديد من الأحاجي في العلم لحظة الحصول على قياسات جديدة أكثر دقةً من سابقاتها، إذ يساهم ذلك في ردم الهوّة تجاه استنتاجات جديدة تُبنى على ما قدمته القياسات من نتائج، أو ليصار في كثير من الأحيان إلى استحداث معضلات جديدة؛ وينطبق هذا فيما يتعلق بتحديات لأكثر القوانين أساسيةً في فيزياء الكون.

عادةً ما يُعبّر عن سرعة تمدد الكون بـ (ثابت هابل – Hubble constant). ولسوء الحظ، يمكن لهذا الثابت اتّخاذ أكثر من قيمة واحدة تبعًا لكيفية قياسه.

يُحسب معدل تمدد الكون بتتبع التوهج الخافت المتبقي من أول ضوء وُجد في الكون والمعروف بمسمى (إشعاع الخلفية الكونية الميكروي -cosmic microwave background) الذي تبلغ مسافته حوالي 68 كم/الثانية/ميغا بارسيك. على سبيل التوضيح، يُنظر إلى الطريقة التي تبعد فيها المجرات والنجوم عن الأرض اليوم بما يتجاوز 73 كم/ ثانية/ميغا بارسيك.

ما يمكن ملاحظته هو أنّ مجموعتي القياس السابقتين -سرعة ومعدل تمدد الكون- ليستا متطابقتين بل على العكس هما مختلفتان. لكن فيما لو حصل في أثناء القياس شيء من الارتياب التفصيلي الصغير، فعندها يمكن لهما أن تتداخلا وتتقاربا.

على سبيل المثال: في غضون إتمام عملية حساب مسافة فعلية بين غرضين بعيدين عن بعضهما، يمكن لهما التقارب بعدها وبالنتيجة تكون القياسات غير صحيحة تمامًا.

مؤخرًا كشفت دراسة حديثة أُجريت في المعهد السويسري الفيدرالي للتكنولوجيا في لوزان EPFL عن تفاصيل متعلقة بما ورد سابقًا. إذ استُخدمت في هذه الدراسة بيانات مسجلة بواسطة مركبة غايا الفضائية بهدف إعادة معايرة الإضاءة الناجمة عن النجوم النابضة أو ما يعرف بالمتغيرات السيفاوية – Cepheids.

وفي تفاصيل أدق، فإنّه وبعد البحث عن أمثلة حقيقية في قلب الفضاء وإيجادها، تُربط الإضاءة معروفة المصدر بالمسافة؛ ذلك لتحديد نطاق واضح للكون. تُعد هذه المعايرة الخطوة الأولى في (السُلّم الكوني – cosmic ladder) الذي يُستخدم لقياس المسافات الضخمة في الفضاء، وعليه يُراقب نمو الكون وتوسعه.

الأمر الذي يمكن تصنيفه جيدًا، أن التحسينات في الدقة قد يكون من شأنها الاستدلال على قيمة محددة لثابت هابل. أما ما لا يمكن تصنيفه جيدًا، هو أن البيانات الأخيرة أكدت على أن قيمة 73.0 ± 1.0 كم/الثانية/ميغا بارسيك لـ ثابت هابل أو معدل التمدّد، تعادل في نتيجتها قيمة القياس البديل عند 67.4 ± 0.5 كم/ الثانية/ميغا بارسيك.

إن هذه الفجوة البالغة حوالي 5.6 كم/الثانية/ميغا بارسيك تسبب مشكلةً فيزيائيةً حقيقيةً، ما يزال حلّها غير واضح لغاية الآن، لكنها على الأقل مؤكدة.

يقول عالم الفيزياء الفلكية في (EPFL) ريتشارد أندرسن: «كلما تأكدنا من خلو العمليات الحسابية من الأخطاء، تأكدنا من وجود تناقضات. هذا لا يؤكد سوى أنّ الكون ليس مثلما اعتقدنا؛ نحن الذين بنينا تصورات وأفكارًا مغلوطةً عنه».

يشيد الباحثون بتلك الطريقة التي أُخذت فيها القراءات الجديدة، وما آلت إليه فيما بعد هي والمراقبات من الزوايا المختلفة، إضافةً إلى الاستفادة من العناقيد الأخرى بخصوص اكتشاف العناقيد السيفاوية الجديدة، إذ يمكن توظيف هذه العناقيد في حسابات أخرى تتعلق بالضوء والمسافة في الفضاء.

الأمر الذي برزت فيه بشكل حقيقي كان في أثناء تطبيقها في حسابات هندسية تتعلق بمجرة درب التبانة عمومًا، مثلًا: كيفية تموضع العناصر الخاصة بالمجرة، وكيفية ارتباط عناصرها بما في ذلك كوكبنا بالمجرات الأخرى.

يقول موريسيو كروز رييس عالم الفيزياء الفلكية في EPFL: «إنّ المنفعة العظمى وراء دقة المعايرة التي طورناها تكون في أمل الوصول إلى قياسات عالية الدقة. على سبيل المثال: تحديد حجم مجرة درب التبانة وشكلهت، وقياس المسافات بينها وبين المجرات الأخرى. وهناك منفعة أخرى وهي إمكانية التحقق من موثوقية القياسات المأخوذة بواسطة مركبة الفضاء غايا بمقارنتها مع البيانات المسجلة بواسطة التلسكوبات الأخرى».

اقرأ أيضًا:

فقًا لدراسة جديدة فإن صورتنا الذهنية للفضاء تتوسع مثل الكون!

عرفة سرعة تمدد الكون اعتمادًا على بيانات تصادم الثقوب السوداء!

ترجمة: علي الذياب

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر