لو تخيلنا أن شخصًا يجلس على شاطئ البحر وآخر على قمة جبل إيفرست، هل سيشعر الاثنان بمرور الوقت بالكيفية ذاتها؟

تحظى نظرية النسبية العامة لأينشتاين بمكانة مرموقة، إذ تقدم تفسيرات تساعد على فهم الكون بطريقة أفضل مما فعلت النظريات السابقة، وبناءً عليها تعلمنا أن مسار الوقت الذي نظنه ثابتًا هو في الواقع ليس كذلك، فمرور الوقت في مكان مرتفع أبطأ مقارنةً بالأماكن المنخفضة، وذلك من الجوانب المحيرة في النظرية. يرجع ذلك أن المكان الأقرب إلى سطح الأرض يتعرض لجاذبية أكبر. تفسر نظرية النسبية العامة الجاذبية بانحناء الزمكان، إذ يمر الوقت أبطأ عند المرتفعات -حيث تكون الجاذبية أضعف- مقارنةً بالمنخفضات.

يعيدنا ذلك إلى المثال الذي طرحناه في البداية، هل سيختلف مرور الوقت بين شخصين أحدهما على شاطئ البحر والآخر فوق قمة جبل؟ وهل حقًا ازدياد تأثير الجاذبية يجعل البشر يشيخون ببطء؟

يُجيب جيمس تشو، الفيزيائي في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا في جامعة كولورادو بولدر: «في الواقع، يمر الوقت أبطأ على الأجسام البعيدة عن مجال تأثير الجاذبية. هذا يعني أن الناس الذين يقطنون المرتفعات يشيخون أسرع مقارنةً بمن يقطنون في أماكن تقارب مستوى سطح البحر، ذلك أن الجاذبية تجعلنا نشيخ ببطء نسبيًا. مقارنةً بشخص لا يوجد قرب جسم ضخم –أي مصدر قوي للجاذبية- فنحن نشيخ ببطء، ويتغير الوسط المحيط بنا ببطء كذلك، تحت تأثير الجاذبية».

الفرق في هذه الحالة يكون ضئيلًا جدًا، لكنه قابل للقياس. مثلًا، إذ قضى شخص 30 عامًا فوق جبل إيفرست، على ارتفاع 8848 مترًا فوق سطح البحر، سيكون أكبر سنًا بمقدار 0.91 ميلي ثانية مقارنةً بشخص يقضي الفترة ذاتها عند مستوى البحر. بالمثل، إذا افترق توأمان مدة 30 عامًا، سكن أحدهما منطقة منخفضة عند مستوى البحر، والآخر منطقة على ارتفاع 1600 متر فوق مستوى البحر، فإذا التقيا مرةً أخرى، يكون الأخ الذي سكن المرتفع أكبر بمقدار 0.17 ميلي ثانية مقارنةً بشقيقه.

تحقق العلماء من صحة النظرية بإجراء عدة تجارب باستخدام الساعات الذرية الأدق في العلم، تبيّن أن الوقت يمر أبطأ على ارتفاع 0.2 مليمتر فوق سطح الأرض. يقول الفيزيائي توبياس بوثويل: «رأينا تغيّرًا في الوقت على ارتفاع يقارب عرض شعرة إنسان».

لفهم الجاذبية وفقًا للنموذج النسبي، يجب في البداية أن نفهم كيف تشوّه الأجسام الضخمة نسيج الزمكان، ما يسبب اختلاف مرور الوقت. الزمكان هو نسيج رباعي الأبعاد، يتكون من الفضاء ثلاثي الإحداثيات «أعلى/أسفل، يمين/يسار، أمام/خلف»، إضافةً إلى الزمن «ماضٍ/مستقبل». الجاذبية وفقًا لهذا النموذج تتمثل في انحناء نسيج الزمكان، نتيجة لتشوهه بفعل جسم ذي كتلة.

يقول البروفسور أندرو نورتن: «أي جسم له كتلة يستطيع التأثير في الزمكان، وهو تأثير حقيقي وقابل للقياس وإن كان بمقدار ضئيل يوميًا. نتيجةً لهذا التأثير يتشوه نسيج الزمكان، من ثم يحدث انحناء الفضاء، والتمدد الزمني».

«تُسمى هذه الظاهرة أيضًا «تمدد الوقت بفعل الجاذبية». مثلًا، تدور الأقمار الصناعية المزودة بنظام التموضع العالمي حول الأرض على ارتفاع 20186 كيلومترًا، وهي تعيد ضبط ساعاتها بناءً على حقيقة أن الزمن يمر أبطأ بمقدار 45.7 مايكرو ثانية يوميًا، مقارنةً بساعة عند مستوى سطح الأرض».

يُضيف البروفيسور تشو: «تُعد دقة الأقمار الصناعية المزوّدة بأنظمة التموضع العالمي من أكثر الظواهر إيضاحًا لمبدأ نسبية مرور الوقت، إذ تدور هذه الأقمار بسرعات عالية بعيدًا عن مستوى سطح الأرض. يجب أخذ التأثيرات النسبية مثل السرعة والجاذبية في الحسبان، ليمكن الاستدلال بدقة على الأماكن الموجودة على كوكب الأرض».

بناءً على كل ذلك، يتضح أن للجاذبية بالفعل تأثير في سرعة مرور الوقت، وإن كانت الفروق دقيقة جدًا تُقدر بالميللي ثانية. ربما يدفع مبدأ تمدد الوقت وانكماشه بفعل الجاذبية بعض الأشخاص لمحاولة اختيار العيش في مكان يبطئ تقدمهم في العمر، رغم صعوبة تحقق ذلك. لكن الحقيقة هي أن الوقت على أهميته سيمر لا محالة.

اقرأ أيضًا:

كيف يعمل الوقت؟

اكتشاف طريقة جديدة كليًا لقياس الوقت

ترجمة: علي الذياب

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر