إلى جانب التطور الهائل في مجال تكنولوجيا استكشاف الفضاء، شهدنا حديثًا استثمار الكثير من الأموال والوقت في التقنيات التي قد تسمح باستغلال الموارد الفضائية استغلالًا فعالًا ومفيدًا. من هذه التقنيات محاولة إيجاد أفضل طريقة لإنتاج الأكسجين على القمر.

في أكتوبر 2021، وقعت وكالة الفضاء الأسترالية ووكالة ناسا صفقة لإرسال مركبة أسترالية الصنع إلى القمر، في إطار برنامج أرتميس، الذي يهدف إلى جمع عينات الصخور القمرية، التي قد توفر في النهاية أكسجينًا قابلًا للتنفس على القمر.

مع أن القمر يمتلك غلافًا جويًا يحيط به، فإنهُ رقيق جدًا ويتكون أغلبه من الهيدروجين والنيون والأرجون، وهي ليست المكونات الغازية التي قد توفر الحياة للكائنات المعتمدة على الأكسجين مثل البشر.

مع ذلك، يوجد الكثير من الأكسجين على القمر، لكن ليس في صورة غاز.

بدلاً من ذلك، فهو مُحتجز داخل الثرى أو في طبقة الصخور والغبار الناعم التي تغطي سطح القمر. إذا استطعنا استخراج الأكسجين من هذه الطبقة، فهل سيكفي ذلك لدعم الحياة البشرية على القمر؟

توفُر الأكسجين

يمكن العثور على الأكسجين ضمن العديد من المعادن الموجودة على الأرض، يتكون القمر غالبًا من الصخور ذاتها التي توجد هنا على كوكبنا، مع وجود كمية أكبر قليلًا من المواد التي أتت من النيازك.

تهيمن معادن مثل السيليكا والألومنيوم وأكاسيد الحديد والماغنيسيوم على سطح القمر، وتحتوي كل هذه المعادن على الأكسجين، لكن ليس في صورة صالحة للتنفس. توجد هذه المعادن على سطح القمر في أشكال مختلفة تتضمن الصخور الصلبة والغبار والحصى والأحجار التي تغطي السطح، وُجدت هذه المواد نتيجة لاصطدام النيازك بسطح القمر على مدى آلاف السنين.

يطلق بعض الناس على الطبقة السطحية للقمر اسم «التربة القمرية»، يقول مؤلف الدراسة: «بوصفي عالِم تربة، أتردد بشأن استخدام هذا المصطلح، التربة كما نعرفها توجد فقط على الأرض. نشأت بواسطة مجموعة واسعة من الكائنات الحية التي تعيش على المادة الأم للتربة، الثرى المشتق من الصخور الصلبة على مدى ملايين السنين». لكن النتيجة هي مصفوفة من المعادن التي لم تكن موجودة في الصخور الأصلية.

تربة الأرض مشبعة بخصائص فيزيائية وكيميائية وبيولوجية رائعة، أما المواد الموجودة على سطح القمر فهي أساسًا ثرى لم يمسه أو يتفاعل معه أي من الكائنات الحية.

مادة ينتج عنها مادتان

يتكون ثرى القمر من نحو 45% من الأكسجين المرتبط بإحكام بالمعادن المذكورة سابقًا، ولتفكيك تلك الروابط القوية، نحتاج إلى مصدر طاقة.

ربما تكون على دراية بهذا الأمر إذا كنت تعرف شيئًا عن التحليل الكهربائي.

تُستخدم هذه العملية استخدمًا شائعًا في التصنيع، مثل إنتاج الألومنيوم، إذ يمر تيار كهربائي عبر سائل من أكسيد الألومنيوم –الألومينا- وعبر أقطاب كهربائية يُفصل الألومنيوم عن الأكسجين. في هذه الحالة، يُنتج الأكسجين ناتجًا ثانويًا.

لكن على سطح القمر، سيكون الأكسجين هو المنتج الرئيسي، والألومنيوم أو أي معدن آخر مستخرج سيكون منتجًا ثانويًا قد يُستفاد منه.

إنها عملية بسيطة ومباشرة، لكن المشكلة إنها تتطلب الكثير من الطاقة، ولكي تكون مستدامة يجب أن تدعمها الطاقة الشمسية أو أي مصدر آخر متاح على القمر.

يتطلب استخراج الأكسجين من الثرى أيضًا معدات صناعية كبيرة، سنحتاج أولًا إلى تحويل أكسيد الفلز الصلب إلى صورة سائلة، بإخضاعة للحرارة، أو باستخدام المذيبات أو الإلكتروليتات. لدينا التكنولوجيا للقيام بذلك على الأرض، لكن نقل هذا الجهاز إلى القمر وتوليد طاقة كافية لتشغيله سيكون تحديًا كبيرًا.

في وقت سابق من هذا العام، أعلنت شركة لخدمات التطبيقات الفضائية مقرها بلجيكا أنها تبني ثلاثة مفاعلات تجريبية، لتحسين عملية إنتاج الأكسجين بالتحليل الكهربائي. ذلك ضمن خطة لإرسال التقنية إلى القمر بحلول عام 2025، جزءًا من مهمة وكالة الفضاء الأوروبية، لاستغلال الموارد الفضائية.

ما مدى توفر الأكسجين على القمر؟

إذا تجاهلنا الأكسجين المرتبط بالمادة الصخرية العميقة للقمر، وفكرنا فقط في الثرى الذي يمكن الوصول إليه بسهولة على السطح، فقد نصل إلى بعض التقديرات.

يحتوي كل متر مكعب من الثرى القمري على 1.4 طن من المعادن وسطيًا، ويتضمن ذلك نحو 630 كيلوجرامًا من الأكسجين.

يحتاج الإنسان إلى تنفس نحو 800 جرام من الأكسجين يوميًا ليحيى، لذا فإن 630 كيلوجرامًا من الأكسجين يُبقي الشخص على قيد الحياة مدة عامين تقريبًا.

لنفترض أن متوسط عمق الثرى على القمر نحو 10 أمتار، وأنه يمكن استخراج كل الأكسجين منه، ما يعني أن كل 10 أمتار من سطح القمر ستوفر ما يكفي من الأكسجين لدعم 8 مليارات شخص على الأرض نحو 100,000 عام.

يعتمد ذلك على مدى فعالية تمكُنا من استخراج الأكسجين واستخدامه، لكن ما زال الرقم مذهلًا جدًا!

على كل حال، ما زال علينا أن نبذل ما بوسعنا لحماية كوكبنا، الذي يستمر في دعم الحياة الأرضية، بينما لا نبذل ما يكفي من الجهد لحمايته.

اقرأ أيضًا:

هل كان القمر قابلًا لدعم الحياة على سطحه من قبل؟

هل تستطيع بدلة الفضاء أن تبقيك حيًّا على سطح القمر للأبد؟

ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب

تدقيق: تسبيح علي

المصدر