نجد ذكر حرب طروادة، ذلك الصراع في العصر البرونزي بين مملكتي طروادة واليونان الميسينية، في تاريخ اليونان القديمة وعلم الأساطير، وقد ألهمت كبار كتاب العصور القديمة مثل هوميروس وهيرودوت وسوفوكليس وفيرجيل. ومنذ إعادة اكتشاف موقع طروادة الذي يقع حاليًا في غرب تركيا، كشف علماء الآثار النقاب عن أدلة متزايدة عن مملكة اضمحلت وربما دُمرَت قرابة عام 1180 قبل الميلاد. وقد تكون هذه المملكة هي أساس الحكاية التي رواها هوميروس وسردها في ملحمتيه الإلياذة والأوديسة بعد 400 عام.

حرب طروادة:

وفقًا للأسطورة، بدأت الحرب عندما اختطف الأمير الطروادي باريس ملكة إسبرطة هيلين، وتقول روايات أخرى إنها فرت معه بإرادتها.

أقنع مينيلاوس زوج هيلين المهجور أخاه أغاممنون ملك ميسينيا بقيادة حملة لاستعادة هيلين. وانضم إلى أغاممنون في حملته عدد من الأبطال الإغريق مثل أخيل وأوديسيوس ونسطور وأياكس، ورافق حملته أيضًا أسطول من أكثر من ألف سفينة من أنحاء العالم الهيلينستي. عبرت الحملة بحر إيجه إلى آسيا الصغرى وفرضوا حصارًا على طروادة مطالبين ملكها بريام بإعادة هيلين.

استمر الحصار أكثر من عشر سنوات وانتهى بانسحاب الجيوش الإغريقية من معسكرهم ذات صباح تاركين وراءهم حصانًا خشبيًا خارج بوابات طروادة. تخلل الحصار معارك ومناوشات وأحداث أبرزها مقتل الأمير الطروادي هكتور، وأخيل الذي كان مشهورًا بكونه لا يُقهَر. بعد نقاش وجدل كبيرين، وتحذيرات ابنة بريام التي لم تلق آذانًا صاغية، أدخل الطرواديون الهدية الغامضة مدينتهم. وعندما حل الليل فُتِح باب في الحصان وخرج منه مجموعة من المحاربين الإغريق يقودهم أوديسيوس ليجتاحوا المدينة وينهبوها.

بعد هزيمة طروادة شق الأبطال الإغريق طريقهم إلى أوطانهم. يشير هوميروس في الأوديسة إلى أن رحلة عودة أوديسيوس إلى موطنه إثيكا قد استغرقت عشر سنوات. أما هيلين -التي قُتل زوجاها الطرواديان المتعاقبان خلال الحرب- عادت إلى إسبرطة لتحكمها مع مينيلاوس. وتذكر بعض الروايات أن هيلين قد نُفيَت بعد وفاته إلى جزيرة رودس حيث قتلتها أرملة مكلومة انتقامًا لتسببها في الحرب.

الملاحم

لا نعرف سوى القليل عن هوميروس وحياته، ويرجع المؤرخون تاريخ كتابة ملحمة الإلياذة إلى عام 750 قبل الميلاد، والأوديسة إلى عام 725 قبل الميلاد. كلتا الملحمتين رويتا شفهيًا وفقًا للتقليد المتبع، ودونتا للمرة الأولى بعد عقود بل قرون. كان مصدر الكثير من فصول الحرب المعروفة مثل اختطاف هيلين والحصان ونهب طروادة ما يسمى الحلقة الملحمية، وهي القصص التي جُمعَت في القرن السادس قبل الميلاد من التراث الشفهي.

في القرن الأول قبل الميلاد ألف الشاعر الروماني فيرجيل الإنيادة، ثالثة عظمى الملاحم الكلاسيكية المستوحاة من حرب طروادة. تسرد الإنيادة قصة مجموعة من الطرواديين يقودهم البطل إينياس، غادروا مدينتهم المدمرة ليسافروا إلى قرطاج قبل تأسيس مدينة روما. كان هدف فيرجيل من تأليف الإنيادة منح السلالة الإمبراطورية الحاكمة في روما أسطورة مهيبة تضاهي أساطير الإغريق.

طروادة: حصان وحرب - صراع في العصر البرونزي بين مملكتي طروادة واليونان الميسينية - ما قصة حرب طروادة في الحرب البرونزي - قصة حصان طروادةهل حرب طروادة حقيقة؟

يصعب التحقق من أكثر أحداث الملحمة تاريخيًا، وتتضمن الملحمة أحداثًا غير منطقية، إذ تنحدر أغلب الشخصيات الرئيسية من نسل الآلهة الإغريقية، مثل هيلين التي تنكر والدها زيوس في هيئة بجعة واغتصب والدتها ليدا. إضافةً إلى تدخل الآلهة المتنافسة في أحداث المعركة، مثلًا يُفترَض أن باريس قد فاز بحب هيلين بمعونة أفروديت، وتروي الأسطورة أن باريس طُلِب منه أن يختار أجمل إلهة من بين هيرا وأثينا وأفروديت، وذلك بمنح الأجمل بينهن تفاحة ذهبية. ذكر التاريخ العديد من عمليات الحصار التي استغرقت مدة طويلة، ولكن أقوى المدن كانت تصمد عدة أشهر لا عشر سنوات كاملة!

أظهرت أعمال التنقيب في موقع مدينة طروادة عام 1870 تحت إشراف عالم الآثار الألماني هاينريش شليمان قلعة صغيرة مبنية على رابية وطبقات من الأنقاض يبلغ عمقها 25 مترًا. وثقت الدراسات الأخيرة أكثر من 46 بناء تجمعت في نطاقات تمثل موقع استيطان امتد من 3000 قبل الميلاد حتى 1350 بعد الميلاد.

أظهرت أعمال تنقيب أحدث منطقة مأهولة تبلغ مساحتها 10 أضعاف مساحة القلعة، ما يجعل طروادة مدينة مهمة في العصر البرونزي. يعود تاريخ الطبقة السابعة من أعمال الحفر إلى نحو عام 1180 قبل الميلاد، وتكشف عن حطام متفحم وهياكل عظمية مبعثرة، ما يشكل دليلًا على اندلاع حرب دمرت المدينة وربما ألهمت بعض أحداث الملحمة. ولعل أطلال المدينة كانت ما تزال مرئية في زمن هوميروس، بعد 400 عام من دمارها.

اقرأ أيضًا:

زيوس كبير الآلهة اليونانية: معلومات وحقائق

الشاعر الإغريقي هومر: سيرة شخصية

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر