من الصعب حقًا تصديق أن وكالة ناسا قد ضيعت شيئًا ما فائق الأهمية، ومن النادر أن يمتلك شخصٌ ما لا علاقة له بعِلم الفلك شيئًا من الفضاء بمثل هذه الأهمية، ولكنه في النهاية أمرٌ حقيقي! نحن نتحدث عن أيقونة تاريخية، عينة من غبار القمر، جُمِعت منذ نحو 54 عامًا على يد أول من لامست قدماه سطح القمر (نيل أرمسترونغ).

دون رضا وكالة ناسا الفضائية، وبالتعاون مع مزاد الفنون الجميلة، نُظم مزاد للتاريخ الفضائي، وقد وِضع فيه غبار القمر هذا -الذي جمعه رائد الفضاء نيل أرمسترونغ خلال رحلة أبولو 11- في مزادٍ علني.

من المتوقع أن تكون المنافسة على امتلاك هذا الغبار قوية جدًا، إذ يوجد الكثير من المهتمين بالفضاء و تكويناته، ولكن الثمن ليس بالقليل أيضًا، إذ يُتوقع أن يصل سعر هذا الغبار لنحو 1.2 مليون دولار!

يقول بونهامز، منظّم المزاد، عبر منشورٍ له على مواقع التواصل الاجتماعي: «إن غبار القمر المعروض في المزاد، هو الغبار القمري الوحيد من رحلة أبولو 11، الذي جرى التحقق منه، وهو أيضًا الوحيد الذي يمكن بيعه بصورة قانونية».

من الأمور الغريبة في هذا المزاد أيضًا عدم ذكر منظم المزاد للتاريخ القانوني المتقلب لهذا الغبار القمري، إذ إن وكالة ناسا لا تعرف كيف فُقد هذا الغبار التاريخي الذي جمعه أول من مشى على سطح القمر نيل أرمسترونغ.

ففي عام 2002 كان هذا الغبار مع ماكس آري (أحد مؤسسي متحف الفضاء في كانساس)، ولسببٍ ما اضطر لبيعه لمالكته الحالية لي كارلسون مقابل 995 دولارًا فقط.

فيما بعد أرسلت كارلسون غبار القمر هذا لوكالة ناسا الفضائية للتحقق منه، وبعد ما تحققت ناسا من صحته رفضت إعادته بحجة أنه مِلكٌ للشعب الأمريكي، وأكدت ضرورة وضعه في متحف كانساس الفضائي.

فيما بعد، وتحديدًا في عام 2016، رفعت مالكة الغبار لي كارلسون دعوى قضائية على وكالة ناسا الفضائية بحجة استيلائها غير المشروع على الممتلكات العامة، وقد حكم القاضي توماس مارتن لصالح لي كارلسون كونها مشترية حسنة النية، وقد اشترت غبار القمر بمزادٍ علني قانوني.

أكد بونهامز أن مزاده لتاريخ الفضاء يحتوي على مجموعة من المعالم البارزة من الفضاء والمختارة بعناية شديدة، وهي معالم قد جُمعت خلال رحلات وكالة ناسا إلى الفضاء، ومن هذه المعالم بالطبع غبار القمر النادر الذي جمعه نيل أرمسترونغ بنحو طارئ في 20 يوليو عام 1969.

قد تتساءل عن أهمية غبار القمر هذا، وقد تظنه مجرد غبارٍ عادي جُمع في الفضاء، ولكن هذا ليس صحيحًا إجمالًا.

فغبار القمر هذا يساعد وكالة ناسا على التحضير لأي رحلة مستقبلية إلى القمر، فحاليًا تقوم ناسا باختبار عينات من القمر استعدادًا لهبوط آرتميس على سطح القمر.

وهناك استراتيجية معينة تقوم بها وكالة ناسا للحفاظ على عينات الغبار التي جُمِعَت على سطح القمر، إذ تحفظ بعضها في المقر الرئيسي لوكالة ناسا، أما بعضها الآخر فقد يوضع في حاويات مختومة تحفظ العينات عقودًا دون أي تغيير في بنيتها وتركيبها.

مثلًا، في وقت سابق من هذا الشهر، فتحت وكالة ناسا عينة قمرية عمرها خمسين عامًا جمعها رائد فضاء أبولو 17 جين سيرنان عام 1972 لتكون جزءًا من استعداداتها للهبوط القادم لمركبة آرتميس على سطح القمر.

تعد هذا الحاويات المختومة عبارة عن أجهزة صُمِمَت في الوقت الذي جُمعت فيه عينة أبولو 17، ويهدف تصميم هذه الأجهزة إلى الحفاظ على العينات في فراغ عقودًا طويلة لتتمكن الأجيال المستقبلية من العلماء من تطبيق تقنياتهم وتجاربهم وطرح رؤية جديدة في تربة القمر.

وفي ظل كل هذه التقنيات لحفظ العينات الفضائية، وكل هذا الحرص في المحافظة عليها وعدم تلفها أو ضياعها، يبقى فقدان غبار القمر الذي جمعه نيل أرمسترونغ المعضلة التي لم تتمكن وكالة ناسا الفضائية من حلّها.

وتعتقد وكالة ناسا أن أيقونة مثل هذه يجب أن تكون متاحة للشعب الأمريكي لرؤيتها، إذ يجب أن تُعرض في متحف كانساس الفضائي، رغم امتلاك كارلسون لهذه الأيقونة التاريخية عبر وسائل قانونية.

اقرأ أيضًَا:

دراسة جديدة حول توقعات ستيفن هوكنغ عن المادة المظلمة والثقوب السوداء

هل صُنع كوننا الحالي في مختبر؟

إنجاز غير مسبوق.. منشأة جديدة مُعَدَّة لإنتاج الأكسجين من غبار القمر!

ترجمة: يزن دريوس

تدقيق: باسل حميدي

مراجعة: حسين جرود

المصدر