يتميز إقليم الشرق الأوسط بطبيعته الخلابة وتاريخه العريق فهو مهد للعديد من الحضارات التاريخية، لكنه من ناحية أخرى يمر دومًا بفترات من عدم الاستقرار الجيوسياسي والنزاعات العنيفة. إلى اليوم، لا تزال التوترات الاجتماعية والسياسية والدينية مستمرة. وشهد العالم مؤخرًا تصاعد التوترات الإقليمية الطويلة الأمد إلى ذروتها في الصراع المروع المتصاعد بين إسرائيل وإيران، ما يجعل من مسألة الطيران فوق هذا الإقليم أمرًا يجب أخذه في الحسبان.
تولي صناعة الطيران العالمية اهتمامًا خاصًا بكيفية تطور هذه التوترات، فالمجال الجوي للشرق الأوسط هو ممر حيوي يربط بين القارات الثلاث أوروبا وآسيا وإفريقيا.
يضم الشرق الأوسط الآن الكثير من كبرى شركات الطيران الدولية في العالم مثل: طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية والاتحاد للطيران. أصبحت مقرات هذه الشركات –دبي والدوحة وأبو ظبي– مراكز محورية في مجال الطيران الدولي. على هذا، ستكون سلامة الركاب على رأس أولويات جميع شركات الطيران. فماذا يعني تصاعد الصراع لشركات الطيران والمسافرين؟
الأمان أولًا:
ثبت تاريخيًا أن الصراعات العسكرية تشكل خطرًا كبيرًا على الطيران المدني والرحلات الجوية. في 3 تموز 1988، أطلقت السفينة الحربية الأمريكية (USS Vincennes) صاروخين أرض-جو وأسقطت طائرة تابعة للخطوط الجوية الإيرانية رحلة 655، وهي طائرة ركاب دولية كانت تحلق فوق الخليج الفارسي. في حدث آخر أقرب زمنيًا، في 17 تموز 2014، أُسقطت طائرة الخطوط الجوية الماليزية (MH17) فوق شرق أوكرانيا بسبب القتال بين القوات الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا.
على هذا، تحرص شركات الطيران العالمية على تجنب المخاطرة عند وجود خطر مصدره نزاع عسكري ما. وتطلب المنظمة الدولية للطيران المدني من شركات الطيران تطبيق ما يُعرف بنظام إدارة السلامة (SMS) والحفاظ عليه.
من أهم مرتكزات نظام إدارة السلامة: مصطلح إدارة مخاطر السلامة. يشمل هذا المصطلح عمليات تحديد المخاطر وتقييمها وتنفيذ إستراتيجيات للتخفيف من حدة هذه المخاطر. شركات الطيران المتمركزة في الشرق الأوسط، التي يتحتم على طائراتها عبور هذا الإقليم بكثافة، ستكون معنية أكثر من غيرها بتنفيذ هذه الإستراتيجيات.
الحاجة إلى تغيير الطريق:
من أبرز الأمثلة المباشرة على هذه الإستراتيجيات التغييرات التي قد تطرأ على مسارات الطائرات، سواءً بإلغاء أو تعليق الرحلات الجوية أو إجراء تغييرات على خطط الطيران، لضمان تجنب الطائرات المجال الجوي الذي تشتعل فيه النزاعات العسكرية.
في وقت كتابة هذا المقال، تظهر نظرة سريعة على موقع تتبع الرحلات الجوية (Flightradar24) أن حركة الطيران العالمية تتجنب المجال الجوي لإيران والعراق وسوريا وإسرائيل والأردن وفلسطين ولبنان، أيضًا فإن المجال الجوي فوق أوكرانيا خال من أي حركة طيران. مع ذلك، فإن مسألة إعادة توجيه مسار الطائرة لها تحديات أيضًا. فكثافة عبور الطائرات في مسار حركة المرور في مناطق أصغر وأكثر ازدحامًا قد يدفع بالطائرات إلى مناطق ليست بالضرورة مجهزة للتعامل مع مثل هذه الزيادة الكبيرة في حركة المرور. وجود عدد أكبر من المعتاد من الطائرات في مساحة جوية أصغر حجمًا يشكل تحديات لخدمات مراقبة الحركة الجوية والطيارين.
وقت أطول.. وقود أكثر:
تجنب مناطق النزاع هو أحد أكثر أشكال إدارة المخاطر التي تتعرض لها شركات الطيران وضوحًا وبساطة. قد يؤدي ذلك إلى إطالة مدة الرحلة المخطط لها ما يؤدي إلى زيادة استهلاك الوقود ومشكلات لوجستية أخرى، ويزيد أيضًا من تكاليف التشغيل في شركات الطيران.
لا تتأثر تكلفة التذاكر المباعة بالفعل، لكن إذا استمرت حالة عدم الاستقرار في المنطقة فقد نشهد ارتفاعًا عامًا في أسعار تذاكر الطيران. إضافةً إلى تغيير مسار الرحلات، يوجد سبب آخر لارتفاع تكاليف الطيران: تعمل الطائرات على وقود (Jet-A1)، الذي يُنتج من النفط. إذا عمدت إيران إلى إغلاق مضيق هرمز، أهم ممر لنقل النفط في العالم، في إطار صراع عسكري مستقبلي، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، ومن ثم في أسعار وقود الطائرات. وستُحمل تكاليف الوقود المتزايدة على الركاب، مع ذلك يعتقد الخبراء أن مثل هذه الخطوة غير مرجحة.
الشرق الأوسط ممر لا غنى عنه:
توفر مراكز الطيران الرئيسية في الشرق الأوسط اتصالًا عالميًا متزايدًا، ما يتيح للمسافرين التنقل بسلاسة بين القارات. من المحتمل أن يؤدي تزايد عدم الاستقرار في المنطقة إلى تعطيل هذا الاتصال العالمي. في حالة استمرار النزاع فترةً طويلة قد تجد شركات الطيران العاملة في المنطقة وما حولها أن تكاليف التأمين قد ارتفعت. وستنتقل هذه التكاليف في النهاية إلى المستهلكين بارتفاع أسعار التذاكر.
ثقة المسافر:
تصدر شركات الطيران والحكومات في جميع أنحاء العالم إرشادات وتحذيرات بشأن السفر. يقع على عاتق المسافرين مسؤولية البقاء على اطلاع على التغييرات في حالة الرحلات الجوية والتأخيرات المحتملة. لكن مثل هذه التحذيرات والإرشادات قد تؤدي إلى انخفاض ثقة الركاب، ما قد يؤدي بدوره إلى انخفاض الحجوزات في المنطقة المعنية.
كانت أرقام حركة الطيران الجوية العالمية في تزايد مستمر حتى فاقت أرقام فترة ما قبل الجائحة، لكن حالة غياب الاستقرار في الشرق الأوسط أدت إلى انخفاض في هذه الأرقام. كان من المتوقع حدوث نمو قوي في العقود القادمة. كل ما يؤدي إلى انخفاض ثقة الركاب يؤثر سلبًا على هذه الأرقام، ما يؤدي إلى تباطؤ النمو ويؤثر في ربحية شركات الطيران.
رغم الكوارث الشهيرة، ما زال الطيران أكثر وسائل النقل أمانًا. وفي حين تتعامل شركات الطيران مع هذه التحديات، تواصل العمل باستمرار للحفاظ على سلامة الرحلات الجوية واستعادة ثقة الركاب في جميع الظروف الصعبة.
اقرا أيضًا:
الحرب التجارية بين أمريكا والصين: من سيخرج رابحًا؟
كيف ستؤثر رئاسة ترامب في الأسواق؟
ترجمة: محمد ياسر الجزماتي
تدقيق: أكرم محيي الدين