ما هي الطباعة المجسمة؟

الطباعة المجسمة “3د” أو التصنيع بالإضافة هي عملية لتصنيع أجسام ثلاثية الأبعاد (مجسمة) من خلال ملف رقمي. صنع المطبوعات المجسمة يتم من خلال عملية “الأضافة”. في عملية الإضافة، يتم تخليق الجسم عن طريق رص طبقات متتالية من الخامة فوق بعضها البعض حتى يكتمل شكل الجسم. كل طبقة من هذه الطبقات يمكن اعتبارها كشريحة رفيعة مأخوذة من مقطع عرضي في الجسم النهائي.

يوجد في نهاية المقال انفوجرافيك شيق يحتوي على معلومات كثيرة عن الطباعة المجسمة،تأريخها ومستقبلها.

كيف تعمل الطباعة المجسمة

يبدأ الأمر بعمل تصميمات تخيلية من الأجسام التي نريد أن نصنعها. هذا التصميم التخيلي تم تخزينه في ملف كاد (التصميم بمساعدة الكومبيوتر CAD: Computer Aided Design) عن طريق برنامج رسم 3د (وهذا لصنع مجسم جديد بالكامل) أو باستخدام ماسح ثلاثي الأبعاد 3D Scanner (لنسخ مجسم موجود بالفعل). الماسح يقوم بصنع نسخة رقمية من مجسم ما، ومن ثم يضعها في برنامج رسم 3د.لتجهيز  الملف الرقمي المصنوع باستخدام برنامج رسم 3د للطباعة، يقوم البرنامج بتقطيع الرسم النهائي إلى مئات أوآلاف من الطبقات العرضية. وعندما يتم رفع هذا الملف المجهز إلى الطابعة 3د، تقوم الطابعة بتخليق المجسم طبقة فطبقة. الطابعة تقوم بقراءة كل شريحة (صورة مسطحة) وتبدأ في تخليق المجسم من خلال مزج هذه الطبقات سويا بدون ترك أي علامة تفصل بين الطبقات وبعضها، مما ينتج في النهاية مجسم واحد ثلاثي الأبعاد.

طرق وتقنيات الطباعة المجسمة

لا تستخدم كل الطابعات نفس التقنية لإنتاج المجسمات. فهناك طرق عديدة لعمل هذه، وحتى 2012 كانت كل الطرق المتاحة هي طرق الإضافة، والتي لا تختلف فيما بينها إلا في طريقة بناء الطبقات للوصول إلى المنتج النهائي. بعض الطرق تستخدم صهر أو تليين الخامات لصنع الطبقات. طريقة التلبيد الانتقائي بالليزر Selective Laser Sintering (SLS)  وطريقة البناء بالترسيب المنصهر fused deposition modeling (FDM) هم أشهر طريقتان في هذا النوع من الطباعة. هناك أيضًا طريقة أخرى تتم عن طريق رص طبقات من مواد سائلة تتم معالجتها بتقنيات مختلفة، التقنية الأكثر انتشارا في تطبيق هذه الطريقة تسمى ستيريوليثغرافي stereolithography (SLA).

التلبيد الانتقائي بالليزر  Selective laser sintering SLS

تستخدم هذه التقنية ليزر عالي القدرة للحام جزيئات صغيرة من بلاستيك أو معدن أو خزف أو زجاج في كتلة صلبة تحمل شكل المجسم المطلوب. يقوم الليزر بلحام الخامة التي تكون في هيئة بودرة بشكل انتقائي، حيث تقوم الطابعة بقراءة الطبقة (المقطع العرضي) التي صنعها برنامج الرسم 3د ثم تقوم برسمها فوق طبقة البودرة. بعد هذا تهبط المنصة التي تحمل البودرة درجة إلى الأسفل، بمقدار سمك الطبقة المطلوب، وتضاف طبقة جديدة من البودرة، ومن ثم تعاد نفس العملية مع طبقة جديدة، وهكذا حتى يكتمل الشكل.

طبقات البودرة التي لم يمسها الليزر تظل على حالتها، مما يجعلها تشكل بناءً داعمًا للجسم النهائي. وهي ميزة تقنيتي الSLS  والSLA ، حيث لا يحتاج المصمم إلى صنع هيكل إضافي للدعم (ملحوظة للمترجم: تخيل أنك تقوم برسم شجرة مثلا، فستقوم الطابعة بإضافة طبقة تلو الأخرى لتكوين الجذع لكنك حين تصل إلى رسم أول طبقى في الفروع فإن الطابعة سترسمها في الفراغ فستسقط الخامة إلى الأسفل، أما باستخدام التقنية المشروحة أعلاه فإن البودرة الغير مستخدمة تملأ كل الفراغات التي تحيط بالمجسم المصنوع فتسمح بالطباعة في الفراغ). كذلك، يمكن اعادة تدوير البودرة الغير مستخدمة لتدخل في طباعة جسم جديد. تم اختراع وتطوير تقنية SLS على يد د. كارل ديكارد Dr. Carl Deckard بجامعة تكساس في منتصف الثمانينيات وتحت رعاية DARPA (وكالة المشاريع البحثية المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية)

طريقة البناء بالترسيب المنصهر FDM

تعمل هذه الطريقة باستخدام خيط من البلاستيك أو سلك معدني، يتم سحبه من بكرة ليغذي فوهة البثق extrusion التي تستطيع التحكم في السريان بوقفه وتشغيله. يتم تسخين الفوهة حتى تصهر الخامة، ثم يمكن لها أن تتحرك في الاتجاهين الأفق والرأسي بواسطة آلية ميكانيكية تعمل بالتحكم الرقمي، ويتم التحكم بها مباشرة بواسطة حزمة برامج للتصنيع بواسطة الكومبيوتر Computer-aided manufacturing (CAM). يتم تخليق المجسم النهائي باستخدام الخامة المنصهرة لتشكيل طبقات، حيث تتحول الخامة إلى الحالة الصلبة فور خروجها من الفوهة.تم اختراع تقنية FDM على يد سكوت كرامب Scott Crump في أواخر الثمانينيات. وبعد حصوله على براءة الاختراع، أسس سكوت شركة ستراتاسيس Stratasys في عام 1988. البرنامج الذي يأتي مع تقنيته هذه يقوم تلقائيا بصنع بناء دعم للمجسمات إذا احتاج المستخدم لذلك. تقوم الماكينة باستخدام خامتين، واحدة للنموذج النهائي وواحدة لبناء الدعم والذي يتم التخلص منه بعد ذلك.مصطلح الترسيب المنصهر واختصاره FDM هما علامتين تجاريتين لشركة ستراتاسيس. المصطلح المكافئ، التصنيع بالخيط المنصهر fused filament fabrication (FFF), تم صكه على يد أعضاء مشوروع ريب-راب RepRAP لإمكان استخدامه بدون تبعات قانونية. (مشروع ريب-راب هو مشروع طابعة مجسمة صغيرة مفتوحة المصدر open source مصنوعة من أجزاء بلاستيكية، وبما أن بإمكان الطابعة طباعة الأجزاء البلاستيكية فإن المشروع يهدف إلى جعل الماكينة تقوم بإعادة استنساخ نفسها، مع توافر الوقت والخام المطلوب، مما يجعل الطباعة المجسمة متوافرة ومتاحة ومجانية لأكبر عدد من الأشخاص)

ستيريوليثوجرافي (SLA)

التقنية الأشهر والتي تستخدم التبلمر الضوئي لصنع مجسمات صلبة من السوائل هي ال SLA. هذه التقنية تستخدم خزانا مليئا براتينج سائل ضوئي التبلمر قابل للمعالجة بالأشعة فوق البنفسجية ultraviolet curable photopolymer resin، بالإضافة إلى ليزر في نطاق الأشعة فوق البنفسجية لبناء المجسم النهائي طبقة بعد أخرى. لصنع الطبقة الواحدة، يقوم شعاع الليزر برسم مقطع عرضي من شكل الجسم على سطح الراتينج السائل. التعرض لليزر الفوق بنفسجي يعالج ويصلب الشكل المرسوم على الراتينج، ويقوم بلحامه بالطبقة التي بأسفله.

بعد أن ينتهي رسم الشكل، تقوم منصة الجهاز بالهبوط لمسافة تساوي سمك طبقة واحدة، عادة ماتكون بين 0.05 إلى 0.15 مم. ومن ثم يبدأ نصل مليء بالراتينج بمسح سطح الجسم، معيدًا تغطيته بكمية جديدة من الخامة. على هذا السطح الجديد الذي لا يزال سائلا، يتم رسم الطبقة التالية، لتلحم بعد ذلك في سابقتها. المجسم النهائي المصنوع باستخدام الستيريوليثوجرافي يتطلب استخدام بناء داعم ليعمل على ربط المنتج بمنصة الجهاز.تم تطوير هذه التقنية في عام 1986 على يد تشارليز هال، والذي أسس بدوره شركة 3D Systems

الاستخدامات

استخدامات الطباعة المجسمة متعددة، وتشمل: معاينة التصميمات الجديدة، صنع النماذج المبدأية prototyping/CAD، سباكة المعادن، العمارة، التعليم، الأبحاث الجغرافية، الطب، والمجالات الترفيهية.كما أن لها استخدامات أخرى تشمل إعادة بناء الحفريات في علم الإحاثة paleontology، وكذلك صنع نسخ من القطع الأثرية القديمة التي لا تقدر بثمن، وترميم العظام وأجزاء الجسم في الطب الشرعي الباثولوجي (بحث أسباب الوفاة)، وترميم الأدلة الجنائية التي قد تكون مضارة بشدة بعد رفعها من موقع الجريمة.في عام 2007 بدأ التفكير في استخدام الطباعة المجسمة في التعبير الفني. واستخدمها الفنانون بأشكال متعددة.ومنذ 2010 بدأت الشركات والأوساط البحثية العاملة في البيوتكنولوجي (التكنولوجيا الحيوية) في دراسة إمكان استخدامها في هندسة الأنسجة، حيث تصنع الأجزاء البشرية من خلال تقنيات الإنكجيت  Inkjet أو نفاثات الحبر. وهنا يتم ترسيب طبقات من الخلايا الحية في وسيط هلامي Gel ومن ثم تراكم ببطء لبناء مجسم ثلاثي الأبعاد. تم صك مصطلحات عديدة للإشارة إلى هذه الحقل البحثي مثل: طباعة الأعضاء، الطباعة الحيوية، وهندسة الأنسجة بمساعدة الكومبيوتر.

الطباعة الصناعية

في السنون الأخيرة صار مصطلح الطباعة المجسمة متدوالا ومعروفا بكثرة، وأصبحت التقنية متاحة لجمهور أوسع. بالرغم من ذلك لايزال معظم الناس على غير دراية بالمصطلح، بينما التقنية نفسها تستخدم منذ عقود. فقد استخدمت هذه التقنية منذ وقت طويل على يد المصنعين على وجه الخصوص، الذين يقومون بصنع نماذج أولية للعمليات الصناعية التقليدية أو بغرض البحث، وتسمى هذه الطريقة النمذجة السريعة rapid prototypingربما تسأل نفسك، ما الهدف من استخدام هذه العملية. الطابعات المجسمة السريعة اليوم يمكن اقتناؤها مقابل بضعة آلاف من الدولارات، لتقوم بتوفير أضعاف هذا المبلغ للشركات التي تحتاج لصنع النماذج المبدأية. على سبيل المثال، تستخدم شركة نايكي Nike لصنع نماذج متعددة الألوان من الأحذية. في الماضي كانت الشركة تنفق آلاف الدولارات على النموذج ثم تنتظر أسابيع من أجل رؤيته. أما اليوم، فإن التكلفة لا تتجاوز بضع مئات من الدولارات، مع إمكانية عمل التعديلات المطلوبة لحظيًا على الكومبيوتر وتطبيقها على النموذج المطبوع في نفس اليوم.بجانب صنع النماذج الأولية السريعة، تستخدم الطباعة كذلك للصناعة السريعة. والصناعة السريعة، هي طريقة حديثة في الصناعة حيث تستخدم الشركات الطباعة المجسمة لصنع المنتجات التي تستهدف انتشارا محدودًا وتكون مصنعة حسب الطلب. بهذه الطريقة، فالمجسم المطبوع لا يكون مجرد نموذج وإنما منتج نهائي كامل جاهز للاستخدام. يساعد هذا على توفير منتجات مصممة خصيصة للشخص بعينه.

الطباعة الشخصية

الطباعة الشخصية أو الطباعة المنزلية تستخدم أساسا من قبل الهواة والمتحمسين، وقد بدأت في الانتشار فعليا في 2011. وبسبب التطور السريع في هذه السوق، بدأ سعر الطابعات في الانخفاض يومًا بعد يوم، بأسعار تتراوح بين 250 – 2500 دولارًا أمريكيا. مما يجعل الطابعات المجسمة في متناول يد الكثيرين.مشروع ريب-راب المفتوح المصدر open source كان المسئول عن انطلاق سوق الهوة. حيث مكن المستخدمين من شراء تجهيزة ريب-راب مقابل ألف دولار تقريبا، والتي تجعلهم قادرين على صنع طابعتهم الخاصة بالكامل مع أية تعديلات يقدرون عليها. كما أن الأمر الذي عجل بتطوير الطباعة كان تقنية المصدر المفتوح، فكل من يعملون في ريب-راب يشاركون معلوماتهم ليجعلوها متاحة لمستخدمين آخرين يقومون بتطويرها مرة أخرى.التطور السريع في الطابعات المعتمد على المصادر المفتوحة يجذب الانتباه في الدول المتقدمة والدول النامية على السواء، حيث تتيح هذه الطريقة التعديل والتخصيص في التصميمات المتاحة في المجال العام لتصنيع التقنيات المناسبة من خلال وسائط مثل ثينجفيرس Thingiverse وكيوبيفاي Cubify. هذه التقنية قادرة كذلك على المساعدة في التنمية المستدامة، بالنظر إلى سهولة واقتصادية توافرها لتلبية احتياجات المجتمعات المحلية.

الأنفوجرافيك:


إعداد: ابراهيم صيام