نقترب من موسم الإجازات الشتوية، حيث تزداد فرص لقائك بأحد أصدقائك أو أقاربك ممن يُنكرون العديد من الحقائق العلمية في مختلف مناحي الحياة.

قد تُصادف أحد هؤلاء المؤمنين بأن الهبوط على القمر كان أكبر خدعة، أو أحد أولئك الذين يعتقدون أن اللقاحات تُسبب مرض التوحُّد، أو قد يُوقع بك حظُّك العثِر بأولئك الذين يعتقدون أن الإنسان لم يكن متسببًا بأي شكل من الأشكال في التغيرات المناخية العالمية. كيف يُمكنك التعامل مع هؤلاء بطريقة فعَّالة؟

دعتني صديقتي المُقربة إلى منزلها في عيد الشكر، حيث كُنت أجلس على مائدة الطعام بجوار ابن عمها (سام). كان سام على علمٍ بأبحاثي حول كيفية تعزيز المصداقية في مُجتمعاتنا، فبدأ حديثه يتطرق إلى التنديد بما دعاه (خُدعة التغير المُناخي) ووصفها أيضًا بالهجمة الشرسة من الليبراليين على رجال الأعمال.

أخبرني (سام) أيضًا عن أباه الذي فقد وظيفته في ذلك المصنع الذي انتقل مؤخرًا إلى المكسيك، وألقى باللوم على الحكومة في إجراءاتها التنظيمية المتضمنة بنودًا مختلفة للحفاظ على البيئة والتي أدت إلى زيادة كُلفة بقاء المصنع في كولومبوس أو أوهايو حيث يعيش سام.

في نهاية وجبة العشاء تلك، كان سام على قناعة تامة بأن للعلم كل الحق فيما يراه حول التغيرات المُناخية!

سام هو واحد من الكثيرين الذين بدَّلوا من أفكارهم القديمة أثناء مُحادثتي لهم، منهم أيضًا مُحاورين بارزين أفكارهم موجهة وأصحاب أيدولوجيات واضحة. قُمت مؤخرًا بنشر كتاب حول ذلك الموضوع (كُتيب الساعون وراء الحقيقة: أدلة قائمة على العلم).

إحدى تلك الاستراتيجيات التي وضحتها في الكتاب يُمكن تلخيصها في كلمة مُختصرة (EGRIP) يشير كل حرف إلى (العواطف، الأهداف، العلاقة، المعلومات، الدعم الإيجابي).

توضح لنا تلك الكلمات الإرشادية كيفية التعامل مع سام والآخرون الذين ينكرون الحقائق سواء في العلم أو في باقي مناحي الحياة.

ما لا يجب علينا فعله:

إجابتنا الروتينية على هؤلاء الأشخاص غالبًا ما تتضمن تقديم الحقائق والجدال بشأن مدى صحة الأدلة. وبالرغم من ذلك فإن العديد من الدراسات تُشير إلى أن مثل هذه الطريقة لا تفلح في تغيير آراء بعض الأشخاص تجاه بعض القضايا العامة.

تُشير بعض الدراسات حول التعنُّت في الرأي إلى أننا نميل إلى البحث عن المعلومات وتفسيرها بالطريقة التي تتطابق مع المُسلمات التي نؤمن بها.

عواطفنا لديها تأثير أقوى من المنطق، فنحن نميل في قراراتنا وأحكامنا على عواطفنا أولًا خاصة حينما يصل إلى مداركنا بعض المعلومات أو القضايا الجديدة.

وعلاوة على ذلك فإن بعض الأبحاث عن ظاهرة التأثير العكسي أكدت أنه حينما يتم تقديم لنا بعض الحقائق التي قد تؤدي إلى الشعور السيئ تجاه هويتنا ونظرتنا للعالم من حولنا فإننا نتمسك بآرائنا بشدة ونتعنت في قبول غيرها من الآراء الأخرى.

في بعض الأحيان يكون عرض الحقائق بمثابة المؤثر العكسي المثالي، الذي يجعل الأشخاص يرتبطون أكثر بأفكارهم ومسلماتهم غير الصحيحة كُليًا.

لا تُجادل، عليك بطريقة (EGRIP):

إذا كان أحدهم يُنكر الحقائق الواضحة، فيُمكنك أن تفترض أن عواطفه هي التي تقوده بعيدًا عن الحقائق الواضحة الجليَّة. في حين أن بعض ردود أفعالهم قد تكون مفيدة لنا، إلا أن الكثير منها قد يجعلنا نضِل في متاهات ممنهجة ومتوقعة.

نحتاج إلى نشر ثقافة العطف والرفق، ما يعني فهم عواطف الآخرين لنستطيع تحديد أي العواطف التي يُمكننا إيصالهم من خلالها إلى أرض الحقيقة الغائبين عنها.

أما في حالة سام فكان الأمر سهلًا نسبيًا لرؤية أن العواطف هي من تلعب دورًا هامًا هنا في تشكيل رؤية سام، وضاعَفها بالطبع قلقه حيال تأمين وظيفة جديدة لأبيه.

وقد تأكدت من شكوكي باستخدام فضولي في توجيه سؤال لسام -الذي كان في السنة الأولى الجامعية له- حول إذا كان قلقًا بشأن قوانين حماية البيئة التي أصدرتها الحكومة لأنها ستُعيق أو تُقلل من فرصة إيجاده لعمل.

وكانت إجابته “بالفعل أنت مُحق، هذا ما أنا قلق بشأنه”. عليك أن تبحث في سياق كل موقف عن العاطفة التي تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل رؤية الشخص وآراءه.

الخطوة التالية هي وضع أهداف مشتركة بينكما، فهي ضرورية لضمان التبادل المعرفي الإيجابي بينكما.

في حالة سام، تحدثت معه عن مدى أهمية تأمين وظائف دائمة لجميع الأشخاص في ظل تلك الظروف الاقتصادية الحالية، وقد وافقني بشدة في ذلك الأمر.

وقد تحدثت أيضًا عن رغبتنا المشتركة في أن نرى أقرباءنا وأصدقاءنا -والذين كانوا يجلسون حولنا في ذلك العشاء- بصحة جيدة لا يُعانون من أي أمراض جسدية، وقد وافقني أيضًا في ذلك بالطبع.

ثالثًا، لا بدّ وأن تبني معه علاقة، ويُمكنك استخدام استماعك بعطف ورفق له قبل ذلك (مهارة ضرورية في تقوية العلاقات التي تقوم على الثقة المتبادلة)، كُن مرآة لعواطفهم ومشاعرهم، يُمكنك أن تُريهم كيف أنك تُدرك ما يشعرون به أو يمرون به.

في حالة سام، أخبرته أني أستطيع إدراك ما يشعر به من غضب وقلق. وأخبرته أيضًا أني قلق على صحته وصحة زملائه في الجامعة نتيجة مئات الآلاف من حالات الوفاة الناتجة عن التلوث.

وفي النهاية أضفت أنه لا بدّ لنا من السعي وراء الحقائق بغض النظر إلى أي طريق تقودنا، وأضفت أيضًا أنني بالاشتراك مع الآلاف من المواطنين الآخرين اتخذنا عهدًا على أنفسنا بالالتزام بمشاركة المعلومات الدقيقة الصحيحة، ورحبت بأي أسئلة يُريد أن يوجهها لي.

بالفعل كانت مبادرتي تلك محل تقدير عند سام، فقد كانت مصداقيتي تُشع من عينيه.

رابعًا، ننتقل إلى مُشاركة المعلومات. هنا يُمكنك أن تذكر تلك المعلومات والحقائق التي امتنعت عن ذكرها في البداية.

نتيجة لاهتمام سام الحالي بالقضايا الاقتصادية، فقد سلطت الضوء أكثر على المال دون العلم. أخبرته أنني وبالرغم من جهلي بتخصص والده الوظيفي، إلا أنه يُمكنني وبكل الصدق التصريح بأن الحكومة تنتهج بعض السياسات غير الصائبة في كثير من الأحيان قد تؤدي في النهاية إلى نتائج ضارة لجميع الأطراف.

ثم غيرت مجرى الحديث إلى ازدياد فُرص العمل في مجالات الطاقة النظيفة في أوهايو بشكل ملحوظ أكثر من معدلات نمو فرص العمل في أي مجالات أخرى.

ثم سلطت الضوء على إمكانية تأمين مُستقبله المالي عن طريق التقديم لإحدى الوظائف المُتاحة في مجالات الطاقة النظيفة بعد تخرجه من الجامعة، حيث أنَّ الوظائف الأخرى لن تعود مُجددًا كما حدث مع أبيه.

بنفس تلك الطريقة يُمكنه أن يحافظ على صحته وصحة أقرانه وأقربائه حول المائدة. وعلى سبيل المكافأة، فلن يتمكن من إنكار الدراسات العلمية.

فبعد ذلك كله، أخبرته بأن العلماء بكل بساطة يكتشفون معلومات أو بيانات مُعينة، ثم تأتي سياسات الحكومة لتُحدد ماذا يُمكننا فعله بها.

لفكرة هنا هي أنه كيف يُمكنك أن توضح لشريكك في تلك المُحادثة -بدون إثارة أي ردود أفعال دفاعية أو عدائية حتى- كيف يُمكن لإنكارهم للحقيقة أن يقودهم إلى تقويض الأهداف المُشتركة التي وضعتموها مُسبقًا.

تفاجأ سام وتغيرت كل ما لديه من المعلومات والحقائق. فقد آمن بأن الطاقة النظيفة قد تكون مُستقبله المُشرق. وقد اعترف أيضًا أنه كان يشعر بأن شيئًا ما مفقود حينما كان يُنكر الحقائق العلمية.

وقد شعر بالارتياح حينما تأكد أنَّ إيمانه وتصديقه لتلك الحقائق العلمية لن يُعيقه في إيجاد وظيفته المستقبلية. عرضت عليه تعزيز إيمانه بالحقائق العلمية، وأشدت بقدرته على تحديث المُسلمات التي يؤمن بها.

التعزيز الإيجابي من أهم الطُرق المثبتة بالأبحاث لتشجيع الناس على تغيير هويتهم وحسهم الذاتي ليؤدي بالنهاية إلى تقبلهم للحقائق العلمية الواضحة وذلك من خلال دمج العواطف الإيجابية أثناء التحدث إليهم.

يُمكنك أن تتخيل كيف لعُطلتك أن تكون أهدأ وأجمل إذا استبدلت أسلوب الجدال بأسلوب (EGRIP).


  • ترجمة: محمد خالد عبد الرحمن
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: رؤى درخباني

المصدر