كان لقاحا فايزر وموديرنا أنجحَ لقاحين لفايروس كورونا تم تطويرهما في الولايات المتحدة وكلاهما من نوع الرنا المرسال. لقد فتحت فكرة استخدام المادة الوراثية لإنتاج استجابة مناعية عالمًا من الأبحاث والاستخدامات الطبية المحتملة التي تعجز عنها اللّقاحات التقليدية.

بدأ العمل على اللّقاحات الجينيّة منذ حوالي 30 عامًا.

يعتمد مبدأ لقاح الحمض النووي على فكرة أن الدنا يصنع الرنا والذي بدوره يصنع البروتينات. فإذا عرفنا التسلسل الجيني أو الشيفرة المرتبطة بأي بروتين، سيكون بإمكاننا تصميم جزيء الرنا المرسال أو الدنا يحفّز خلايا الشخص على صنع هذا البروتين.

درس العلماء كلًا من الدنا والرنا قبل أن يفكّروا لأول مرة في وضع شيفرة جينية داخل خلايا الإنسان. في بداية الأمر لم تعمل لقاحات الرنا المرسال بصورة جيدة، فقد كانت غير مستقرة وسبّبت استجابات مناعية قوية غير مرغوبة.

سُلط الضوء لمدة طويلة على لقاح الدنا، وركزت التجارب السريرية الأولى عليها، لكن منذ حوالي سبع أو ثماني سنوات بدأت لقاحات الرنا المرسال تحرز تقدمًا ملحوظًا. حلّ الباحثون الكثير من المشاكل لاسيّما عدم الاستقرار واكتشفوا تقنيات جديدة لإيصال الرنا المرسال إلى داخل الخلايا، وطرقًا لتعديل تسلسل الترميز، لجعل اللقاحات أكثر أمانًا لاستخدامها على البشر.

تحفّز معظم اللقاحات التقليدية استجابات الأجسام المضادة التي تُعد آلية المناعة الأساسية في كبح العدوى.

عندما بدأ العلماء بدراسة لقاحات الحمض النووي، اكتشفوا أنه إضافةً إلى التعبير عن هذه اللقاحات داخل خلايانا، فقد كانت أيضًا فعالة جدًا في تحفيز استجابة الخلايا اللمفاوية التائية.

دفع هذا الاكتشاف الباحثين إلى مزيد من التفكير حول كيفية استخدام لقاح الحمض النووي في العلاج المناعي لعلاج السرطانات والأمراض المعدية المزمنة مثل فيروس نقص المناعة المكتسب والتهاب الكبد ب والهربس، إضافةً إلى أمراض المناعة الذاتية، وحتى للعلاج الجيني، فضلًا عن استعمالها في الأمراض المعدية. كانت هذه التكنولوجيا على وشك أن تصبح أداة ثورية في الطب بعد حل هذه المشاكل، ولكن جائحة كورونا لم تكن في الحسبان.

تعتبر استجابات الخلايا التائية مهمة جدًا في تحديد الخلايا المصابة بالأمراض المزمنة والخلايا السرطانية الشاذة، ولها دور كبير في التخلص من هذه الخلايا.

عندما تتحول الخلية إلى خلية سرطانية، فإنها تبدأ بإنتاج مستضدات جديدة. في الحالات الطبيعية، يكتشف الجهاز المناعي هذه المستضدات، ويدرك أنّ هناك خللًا ما في الخلية ويتخلص منها. سبب إصابة بعض الأشخاص بالأورام هو أن جهاز المناعة لديهم غير قادرٍ تمامًا على القضاء على الخلايا السرطانية ما يعني عدم تثبيطها.

هدف لقاحات الرنا المرسال أو الدنا هو جعل الجسم أكثر قدرةً على التعرف على مولدات الضد أو المستضدات الجديدة التي أنتجتها الخلية السرطانية. إذا استطاع الجهاز المناعي التعرف على هذه المستضدات ورؤيتها بطريقة أفضل، فسوف يهاجم الخلايا السرطانية ويتخلص منها.

يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية نفسها للقضاء على الالتهابات المزمنة كأمراض فيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد ب والهربس. تصيب هذه الفيروسات جسم الإنسان وتبقى في الجسم إلى الأبد ما لم يقض عليها جهاز المناعة. وبطريقةٍ مشابهةٍ لتدريب لقاحات الأحماض النووية للجهاز المناعي ليتمكّن من التخلص من الخلايا السرطانية، يمكن استخدام هذه اللقاحات أيضًا لتدريب الخلايا المناعية للتعرف على الخلايا المصابة المزمنة والتخلص منها.

أُجرِيَت بعض التجارب السريرية الأولى للقاحات الحمض النووي في التسعينيات على مرض السرطان وتحديدًا سرطان الجلد. تُجرى حاليًا العديد من التجارب السريرية على الرنا المرسال لعلاج سرطان الجلد وسرطان البروستات وسرطان المبيض وسرطان الثدي وسرطان الدم والوَرَم الأَرومِيٌّ الدِبْقِيّ وغيرها، وظهرت بعض النتائج الجيدة. أعلنت موديرنا مؤخرًا عن نتائج واعدة في المرحلة الأولى من تجاربها باستخدام الرنا المرسال لعلاج الأورام الصلبة وسرطان الغدد اللمفاوية.

كما تُجرى حاليًا الكثير من التجارب التي تبحث في استخدام لقاحات الدنا لعلاج السرطان، لأن لقاحات الدنا فعالة بصورة خاصة في تحفيز استجابات الخلايا التائية.

أظهرت شركةٌ تدعى Inovio مؤخرًا نتائج توضح تأثيرًا كبيرًا على سرطان عنق الرحم الناجم عن فيروس الورم الحليمي البشري لدى النساء اللاتي يستخدمن لقاح الدنا.

التطبيق الأخير لتقنية اللقاح الجديدة هو في الواقع أحد أول التطبيقات التي اهتم الباحثون بها عندما بدؤوا التفكير في لقاحات الدنا و الرنا المرسال وهو: العلاج الجيني. يولد بعض الناس ولديهم جينات معينة مفقودة. الهدف من العلاج الجيني هو تزويد الخلايا بالتعليمات المفقودة التي تحتاجها لإنتاج بروتين مهم.

وخير مثال على ذلك هو التلّيف الكيسي، وهو مرض وراثي تسببه طفرات في جين واحد. باستخدام لقاح الدنا أو الرنا المرسال، يدرس الباحثون إمكانية استبدال الجين المسؤول عن إنتاج البروتين المفقود. بمجرد وجود البروتين، يمكن أن تختفي الأعراض على الأقل بصورة مؤقتة. لن يستمر الرنا المرسال لفترة طويلة في جسم الإنسان، ولن يندمج في الجينوم البشري أو يغيّره بأي شكل من الأشكال. لذلك ستكون هناك حاجة لجرعات إضافية مع زوال التأثير.

أظهرت الأبحاث المتاحة أن هذه الحلول ستكون ممكنة يومًا ما، لكننا بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد.

اقرأ أيضًا:

كيف تعمل لقاحات الرنا المرسال؟ وما الذي يميزها عن غيرها من اللقاحات؟

تصميم لقاحات RNA قابلة للبرمجة

ترجمة: رنا بدر أبوعباس

تدقيق: أحمد فواز

المصدر