«فقط نحن البشر، ننتج نفايات لا تستطيع الطبيعة هضمها»، كانت هذه كلمات عالم المحيطات الكابتن تشارلز مور، مكتشف بقعة النفايات الكبرى في المحيط الهادئ عام 1997، وبالطبع فهو يتحدث عن البلاستيك.

يُنتج الآن 300 مليون طن من البلاستيك سنويًا، نصفها مخصص للاستهلاك مرة واحدة، ما يعني أنها تُرمى فور تأديتها الغرض الذي صنعت من أجله؛ أدى ذلك إلى ظهور مشاكل متزايدة في النفايات البلاستيكية التي يُؤخذ بعضها إلى مدافن القمامة، ويجد بعضها الآخر طريقه إلى الأنهار والبحار.

تُلوث مياه المحيطات كل عام بقرابة ثمانية ملايين طن من النفايات البلاستيكية، التي تتشابك مع الحياة البحرية، وتلوث الشعب المرجانية، وفي النهاية تتحلل بفعل الرياح والمياه والشمس إلى تريليونات الجزيئات البلاستيكية الدقيقة.

تبدو هذه الجزيئات شبيهة جدًا بالطعام بالنسبة للعديد من المخلوقات البحرية، التي تتغذى على هذا التلوث، وينتهي بها الأمر إلى الموت جوعًا نتيجة لنقص التغذية الفعلية.

وقد تلحق هذه الجزيئات الضرر بالبشر أيضًا، لأننا نستهلكها عبر المأكولات البحرية، وفي مياه الشرب.، ففي عام 2019، دعت منظمة الصحة العالمية إلى مزيد من الأبحاث حول الآثار المحتملة للتلوث البلاستيكي على صحتنا.

نظرًا للمكونات المستخدمة في صنعه، يمكن أن يكون البلاستيك مرنًا بشكل لا يصدق، وقد لا يتحلل بيولوجيًا إلى مركبات أساسية قابلة لإعادة الاستخدام في الطبيعة، ما يعني أن المواد البلاستيكية التي تدخل المحيط ستبقى هناك لعدة قرون.

لكن كيف خلقنا هذه الأزمة؟

تكمن الإجابة في عملية صنع البلاستيك ذاتها، لذا علينا أولًا أن نفهم أن مصطلح «البلاستيك» لا يعني فقط أكياس التسوق التي نتخيلها تطفو في المحيط.

ما هو البلاستيك؟

قال الكيميائي في جامعة هال في المملكة المتحدة كارل ريدشو: «يغطي مصطلح البلاستيك مجالًا واسعًا من المواد المتنوعة، يستخدم كل منها في تطبيقات مختلفة تتطلب خصائص فيزيائية مختلفة جدًا. في الواقع، هناك أكثر من 300 نوع معروف من البلاستيك، تشترك كلها في نقطة واحدة، أنها مصنوعة من البوليمرات».

البوليمرات هي جزيئات تشمل العديد من الوحدات المكررة في تكوينات تمنح البلاستيك العديد من الصفات المرغوبة، مثل: المرونة والقوة وقابلية السحب والطرق.

تُقسم المواد البلاستيكية عمومًا إلى فئتين رئيستين: البلاستيك ذو الأساس الحيوي، المُصنع من مصادر مثل نشاء الذرة والدهون النباتية والبكتيريا. والبلاستيك الاصطناعي، المُصنع من النفط الخام والغاز الطبيعي.

على الرغم من اسمها الصديق للبيئة، لا تملك البوليمرات ذات الأساس الحيوي سجلًا بيئيًا جيدًا، لأنها قد تبقى في البيئة أيضًا ولا تتحلل بيولوجيًا. مع ذلك، فإن المواد البلاستيكية المشتقة من النفط والغاز الطبيعي تسبب ضررًا بيئيًا أكبر، لأنها تبقى في البيئة لفترة أطول، وتسبب تأثيرات بيئية أخرى أيضًا.

لفهم السبب، سنلقي نظرة على البلاستيك المشتق من النفط، عبوة الحليب على سبيل المثال.
تبدأ هذه العبوة حياتها في مكان أكثر دراماتيكية، في أعماق الأرض، نفطًا خامًا. هذه المادة التي تتجمع في حجرات عالية الضغط في قشرة الكرة الأرضية، وتُضخ إلى السطح عبر أنابيب إلى مصافي تكرير النفط. يتكون هذا الطين اللزج من الهيدروكربونات، وهي مركبات مصنوعة من ذرات الهيدروجين والكربون في شكل سلاسل ذات أطوال متفاوتة، ما يمنحها خصائص مختلفة، وهي أقدم المواد الأولية المستخدمة في صناعة البلاستيك.

يبدأ إنتاج البلاستيك فعليًا في مصفاة النفط، حيث يُسخن النفط الخام في فرن يفصل الهيدروكربونات إلى مجموعات مختلفة بناءً على عدد ذراتها ووزنها الجزيئي، ثم تُضخ إلى أنبوب تقطير. تغرق الهيدروكربونات الأثقل والأطول في هذا الأنبوب إلى القاع، بينما تطفو الهيدروكربونات الأخف والأقصر إلى الأعلى.

كيف يحول النفط إلى بلاستيك ؟ - كيف يتم تحويل النفط المستخرج من الأرض إلى مواد بلاستيكية ؟ - صناعة المواد البلاستيكية و البوليمرات

يمكن القول باختصار أن النفط الخام يُفصل إلى عدة مجموعات مستقلة من المواد الكيميائية، مثل: البترول والبنزين والبارافين، يحوي كل منها هيدروكربونات بنفس الوزن والطول. إحدى هذه المجموعات تسمى «النفتا»، المادة الكيميائية الأولية لصنع البلاستيك.

تعتبر «النفتا» مادة قيّمة جدًا، لأنها تحوي «الإيثان والبروبين»، وهما مركبان ضروريان لصنع أكثر المركبات البلاستيكية انتشارًا على وجه الأرض. لكن يجب أولًا تفكيكهما من حالة الهيدروكربون الخام إلى وحدات أصغر.

توجد عدة طرق لتكسيرها، إحداها تطبيق حرارة وضغط مرتفعين في بيئة خالية من الأكسجين، في عملية تسمى «التكسير البخاري»، تقسم الهيدروكربونات إلى جزيئات أصغر تسمى «المونومرات».

قال بايال باهيتي الباحث في جامعة أستون: «يمكن اشتقاق مونومرات مثل الإيثيلين من الإيثان، أو البروبيلين من البروبين، مباشرة من النفتا بعد التكسير الحراري»، يعتبر الإيثيلين والبروبيلين المبسطان المادتين اللتين تشكلان عصب صناعة البلاستيك.

الخطوة التالية تسمى «البلمرة»، تُدمج فيها مكونات المونومر في ترتيبات جديدة لإنتاج سلاسل طويلة تسمى «البوليمرات». يتكون في هذه المرحلة «البولي إيثيلين والبولي بروبيلين»، وهما أكثر البوليمرات إنتاجًا على الأرض.

يمكن للبولي إيثيلين أن يكون هشًا ومرنًا، أو قويًا وصلبًا؛ ما يجعل استخداماته متنوعة للغاية، كما أن تكوين البولي بروبيلين يجعله مرنًا. لذا نرى هذه الأنواع من البلاستيك غالبًا في كل القطع البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة، مثل: علب الحليب، والأغلفة البلاستيكية، وأكياس التسوق، وعبوات الشامبو، والقائمة تطول.

هذان نوعان فقط من البلاستيك الصناعي من بين عشرات الأنواع الأخرى من الهيدروكربونات التي تُعزل وتُفكك من مصادر أخرى، وتستخدم أيضًا في صناعة البلاستيك.

تصنع البوليمرات في بعض الحالات من مونومر واحد مكرر، كما في البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، وقد تتضمن مجموعات من أنواع أخرى من المونومرات.

تُعالج كل سلسلة من سلاسل البوليمر بعدة طرق وتُخلط بمواد مضافة مختلفة، مثل: مضادات الأكسدة والملدنات ومثبطات اللهب، ما يُكسب البلاستيك عدة خواص مميزة تجعله متعدد الاستخدامات.

قال باهتي لموقع Live Science: «تحتاج المواد البلاستيكية إلى خواص مختلفة، فتغليف المواد الغذائية على سبيل المثال يجب أن يمنع مرور الأكسجين الزائد أو ضوء الشمس، لذا فهو يحتوي على مواد مضافة تحقق ذلك»، وأضاف: «يمكن القول إن المواد المضافة هي التي تعطي البوليمر خواصه وتؤدي إلى بنية البلاستيك المعروفة».

تحقق هذه اللمسات النهائية تنوعًا هائلًا في المنتجات البلاستيكية التي نعرفها اليوم، وتقدم مساهمة كبيرة في إنتاج الأغذية ومستحضرات التجميل وتخزينها، والتكنولوجيا والطب والرعاية الصحية.

مادة غريبة!

بعودة سريعة لعملية الإنتاج، يُصنع البلاستيك من النفط والغاز الطبيعي بعزل الهيدروكربونات وتقسيمها إلى مكوناتها، ثم إعادة تشكيلها إلى أشكال جديدة لم يسبق وجودها في الطبيعة. وقال باهيتي: «يخلق هذا مواد غريبة وغير مألوفة للميكروبات في الأرض والتربة؛ ما يعني أنها لا تستطيع هضمها وتحويلها إلى ماء وثاني أكسيد الكربون».

وقال ريدشو: «يمكن أن تستغرق مركبات مثل البولي إيثيلين قرونًا حتى تتحلل في مدافن النفايات».

هذا يعني أن معظم البلاستيك الذي أُنتج في حياتنا ما يزال في حالته الأصلية تقريبًا، وهذه ليست المشكلة الوحيدة، لأن تفكك البلاستيك تحت تأثير أشعة الشمس والمياه والرياح يُطلق انبعاثًا من الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري، إضافة إلى ترشيح المواد الكيميائية المضافة في أثناء الإنتاج مرة أخرى إلى البيئة. يمكن القول إن التلوث البلاستيكي وتأثيره البيئي الذي يستمر لعدة قرون خلق الكارثة البيئية التي نراها اليوم.

مع هذا قد يكون هناك حل للخروج من هذا المأزق. يعتقد ريدشو أن المواد البلاستيكية القابلة للتحلل قد تكون أحد الحلول المحتملة، وإنتاج هذا النوع من البلاستيك لا يعني بالضرورة صنعه من مصادر حيوية مثل نشاء الذرة، بل من البوليمرات التي يمكن تكسيرها بكفاءة بواسطة الميكروبات في المياه والتربة.

لضمان نجاح هذا بالنسبة لكوكبنا يجب أن تحل البوليمرات القابلة للتحلل الحيوي محل المركبات ذات الأساس الزيتي، مثل: البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، مع الحفاظ على الخصائص المرغوبة، مثل: القوة والمرونة، وهذا صعب في الواقع، ويصبح أصعب مع إدراك حقيقة أن البوليمرات التقليدية أرخص كلفة.

لكن بعض المواد القابلة للتحلل البيولوجي بدأت تحقق تقدمًا، أحدها هو نوع يسمى «بولي أكتيد»، يُستخدم لصنع أدوات مثل الأكواب البلاستيكية التي تستعمل مرة واحدة، ويمكن أن يتحلل بشكل فعال في البيئة. كما اكتشف باحثون في عام 2016 البكتيريا الآكلة للبلاستيك وديدان مضغ البولي إيثيلين. لذا من يدري؟ ربما سنتعلم من الديدان والبكتيريا في السنوات القادمة.

على أي حال، تمكن البشر من تحويل المواد الخام الموجودة في الطبيعة إلى أشكال لم تعد الطبيعة تتعرف عليها. يمكن القول إن براعتنا هي ما أوصلنا إلى هذه الفوضى، لنأمل أن نكون بارعين بما يكفي للخروج منها.

اقرأ أيضًا:

الحرب ضد البلاستيك تشتت انتباهنا عن تلوث غير مرئي

تهجين إنزيم متحول ليصبح أفضل ست مرات في التهام البلاستيك

ترجمة: رضوان يوسف

تدقيق: حنين سلَّام

المصدر