كيف يغير الحمل دماغ المرأة؟


أظهرت دراسة أولى من نوعها أن للحمل تأثيرًا على المدى الطويل لدماغ الحامل، فقد أظهر تصوير الرنين المغناطيسي تغيرات في حجم المادة الرمادية في دماغ الأمهات والتي قد تساعدهن على تربية أطفالهن الجدد.

لاحظ العلماء تقلصًا في حجم المادة الرمادية لدى الأمهات الجدد والتي تعني أن أدمغتهن تحاول إعادة برمجة نفسها للمساعدة في تلبية احتياجات أطفالهن، وأن هذه التغييرات تستمر لأسبوعين على الأقل.

صرحت عالمة النفس إيسلين هوكزيما(Elseline Hoekzema) : «قد تعكس هذه التغيرات (آلية تقليم التشابك العصبي) إذ يتم التخلص من نقاط الاشتباك العصبي الضعيفة لتفسح مجالًا لشبكات عصبية أكثر كفاءة و تخصصًا».

أجرى الفريق لأكثر من 5 سنوات أشعة للدماغ ل 25 امرأة لأول مرة قبل وبعد الحمل، بالإضافة إلى تحليل أدمغة 19 رجلًا وامرأة.

صورالعلماء دماغ 20 امرأة لم يكنَّ حوامل من قبل، بالإضافة لأدمغة شركائهن، أوضحت النتائج تمييزًا واضحًا ما بين الأمهات الجدد وبين البقية (حتى مع الآباء)، وذلك في تقلص المنطقة الرمادية في القشرة المتوسطة الأمامية والخلفية والمتوسطة، بالإضافة إلى الفص الجبهي والقشرة الزمنية.

أوضح الباحثون أن هذه المناطق مرتبطة بالعمليات الاجتماعية مثل الشعور بالتعاطف والقدرة على فهم الآخرين. يشار إلى هذا الترابط (بنظرية العقل).

ربما تبدو خسارة المادة الرمادية أمرًا غير صحيّ، لكن يعتقد العلماء أن هذا التقليص قد يساعد الدماغ على ضبط نفسه.

دعم هذا الاعتقاد عند عدم تغير الذاكرة لدى الأمهات أو عدم تغير وظائف الإدراك.

وأضافت هوكزيما ل بام بيلوك من دورية (The New York Times): «لا نريد القول إن الحمل يجعلك (تفقدين عقلك) لأننا لا نؤمن بهذا الأمر، فخسارة المادة الرمادية لا يعني أنه شيء سيء بالضرورة، إذ يمكن أن تُعَد عملية جيدة للنضج أو التخصص».

يعتقد العلماء أن هذا التغيير قد يكون آلية تطورية تجاوبًا مع الاحتياجات العاطفية للأطفال حديثي الولادة.

وبالطبع يحتاج الآباء الجدد إلى الاعتياد على أوضاعهم الأبوية الجديدة، لكن لم تُظهر صور الرنين المغناطيسي أي خسارة للمادة الرمادية لدى الآباء، لذلك اعتقد الباحثون أن العمليات البيولوجية (مثل تقلب الهرمونات)، هي سبب التغير في الأمهات خلال الحمل على الرغم من احتمالية لعب البيئة دورًا أيضًا.

كان الفرق واضحًا في قلة حجم المادة الرمادية لدى الأمهات الجدد، لدرجة معرفة ما إذا كن قد أنجبن مؤخرًا بالنظر إلى صور الرنين المغناطيسي قبل وبعد الحمل.

«كانت التغييرات ثابتة بشكل ملحوظ لدرجة أن خوارزمية الحاسوب استطاعت معرفة أي من نساء التجربة كنّ حوامل وأي منهن لم يكنَّ كذلك».

على الرغم من عدم معرفة الباحثين للعمليات المتعلقة بتقلص المادة الرمادية بشكل كامل، إلا أن النشاط العصبي المتزايد للمناطق المتأثرة، يؤكد عند عرض صور أطفال الأمهات الجدد عليهن، خلال تصوير الرنين المغناطيسي ما وراء عملية الولادة، أن إعادة تجديد النواقل العصبية له علاقة مع شعورهن بالتعاطف.

بالإضافة إلى ذلك فإن حجم المادة الرمادية المتغيرة يعتمد نتائج الأمهات في اختبار التعلق العاطفي بعد الولادة، فقد أظهرت النساء اللواتي تعرضن لتقلص أكبر للمادة الرمادية عاطفة أكثر تجاه أطفالهن.

ولمحدودية هذه الدراسة فهنالك حاجة ماسة لإجراء اختبارات أكثر، مع أكبر عدد ممكن من الأمهات لتأكيد النتائج.

سيكون مفيدًا معرفة ما إذا كانت هذه التغيرات مستمرة لأكثر من سنتين، وإذا ما حصلت مع حالات الحمل المستقبلية، لكن نتائج هذه التجربة قد تكون الأولى في شرح الانتقال العصبي الذي تتعرض إليه النساء عند حملهن، ويمكن مساعدتنا في فهم هذا التغيير الكبير في ظروف الحياة أكثر قليلًا.

صرحت خبيرة تصوير الأعصاب كرستي وتايكر (Kirstie Whitaker) من جامعة كامبردج في المملكة المتحدة، والتي لم تكن جزءًا من التجربة لدورية (TheGuardian): «من المنطقي أن على الأمهات الجدد العمل جادًا لمعرفة حاجات أطفالهن، وهو عمل شاق وعليهن التأقلم معه كثيرًا، فسيستجيب دماغهن مع هذه التغييرات وسيساعدهن على الرعاية بأطفالهن».


إعداد:زينب الأنصاري
تدقيق: محمد علمي
المصدر