عند حدوث توسع اقتصادي يفوق الطلب العرض، خاصة في حالة السلع والخدمات التي تتطلب وقتًا ورأس مال كبير لزيادة العرض، حينها ترتفع الأسعار عمومًا أو على الأقل ينشأ ضغط سعري، خاصة بالنسبة للمنتجات والخدمات التي لا تستطيع مواكبة الطلب المتزايد مثل الإسكان في الأحياء الحضرية ومراكز المدن، إذ يكون العرض ثابتًا نسبيًا، كذلك الأمر بالنسبة للتعليم المتقدم لأنه يستغرق وقتًا للتوسع وبناء مراكز جديدة. ولا يسري ذلك على السيارات إذ أن مصانعها يمكن أن تعمل بسرعة كبيرة.

وعلى النقيض من ذلك في حالة الركود الاقتصادي، يتجاوز العرض الطلب، ويدفعنا ذلك للظن بأن هذا سيسبب هبوطًا في الأسعار، لكن معظم السلع والخدمات لا تنخفض وكذلك الأجور. فلماذا تبدو الأسعار والأجور ثابتة فيما يفترض أنه اتجاه تنازلي؟

لماذا لا تنخفض الأسعار في فترة الركود - توسع اقتصادي يفوق الطلب العرض - انخفاض أسعار معظم السلع والخدمات مع انخفاض قيمة النقود

بالنسبة للأجور فإن علاقة الشركات بالأفراد تقدم تفسيرًا بسيطًا، فلا يفضل الأفراد خفض الأجور بينما يميل المدراء إلى تعليق عمل الموظفين قبل اللجوء إلى تخفيض الأجور، مع وجود بعض الإستثناءات، ومع ذلك لا شيء يفسر عدم انخفاض أسعار معظم السلع والخدمات مع انخفاض قيمة النقود والتضخم الذي يرجع إلى أيٍّ من العوامل الأربعة الآتية:

  1.  ارتفاع المعروض من النقود.
  2.  انخفاض المعروض من السلع.
  3.  انخفاض الطلب على النقود.
  4.  ارتفاع الطلب على البضائع.

في فترة التوسع الاقتصادي نتوقع ارتفاع الطلب على البضائع بوتيرة أسرع من عرضها، وعندما يتساوى كل شيءٍ آخر، نتوقع من العامل الرابع أن يفوق العامل الثاني وأن ترتفع الأسعار، ولأن الانكماش معاكس للتضخم، يحدث الانكماش بسبب أحد الأسباب التالية:

  1.  انخفاض المعروض النقدي.
  2.  ارتفاع المعروض من السلع.
  3.  ارتفاع الطلب على النقود.
  4.  انخفاض الطلب على البضائع.

بالمثل، نتوقع انخفاض الطلب على البضائع بوتيرة أسرع من عرضها، أي يتفوق العامل الرابع على العامل الثاني، ولدى تساوي كل شيء آخر، سنتوقع انخفاض الأسعار.

في أساسيات المؤشرات الاقتصادية نرى أن مؤشرات التضخم مثل معامل ركود السعر الضمني للناتج المحلي الإجمالي هي مؤشرات اقتصادية متزامنة مع التغيرات الدورية، ما يعني أن معدل التضخم يرتفع في فترات الازدهار وينخفض في فترات الركود، وعليه، يجب أن يكون معدل التضخم أعلى في فترات الازدهار منه في فترات الانكماش، لكن لماذا يبقى معدل التضخم إيجابيًا في فترة الركود؟

حالات مختلفة.. نتائج مختلفة

السبب هو افتراض تساوي كل شيءٍ آخر، وهذا غير صحيح فكل شيءٍ آخر غير متساوٍ. المعروض النقدي في ازدياد دائم ما يُخضع الاقتصاد لضغط تضخمي ثابت بواسطة العامل الأول (ارتفاع المعروض النقدي)، وللعلم يمتلك الاحتياطي الفيدرالي تصنيفًا للمعروض من النقود، وفي جدوله يعرف M1 بأنه السيولة النقدية مع أموال المصارف القابلة للسحب مباشرةً، أما M2 فيضم زيادةً على ذلك ودائع الادّخار وصندوق السوق النقدي، بينما يزيد M3 على كليهما بتضمينه الودائع المصرفية طويلة الأمد، فماذا يحدث في الركود والكساد؟

نجد أنه خلال أسوأ ركود شهدته أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية بين نوفمبر 1973 ومارس 1975 انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.9%، وكان لهذا أن يسبب انكماشًا حاد، لكن المعروض النقدي ارتفع بسرعة في تلك الفترة إذ تزامن مع الارتفاع الموسمي لكل من M2 بنسبة 16.5% و M3 بنسبة 24.4%، وأظهرت البيانات أيضًا ارتفاعًا بنسبة 14.68% في هذا الركود الحاد.

تُعرف فترة الركود ذات معدل التضخم المرتفع باسم التضخم المصاحب للركود، وهو المفهوم الذي نشره ميلتون فريدمان، ومع أن معدلات التضخم تنخفض خلال في الركود، فمن الممكن أن نواجة مستويات عالية من التضخم بسبب نمو المعروض النقدي.

وبالمختصر يمكننا القول أنه مع ارتفاع معدل التضخم خلال فترة الازدهار وانخفاضه خلال فترة الركود، فإنه لا ينخفض إلى ما دون الصفر بسبب المعروض النقدي المتزايد باستمرار.

إضافةً إلى ذلك قد تكون توجد عوامل متعلقة بنفسية المستهلك تمنع الأسعار من الانخفاض في أثناء فترة الركود، فقد تحجم الشركات عن خفض الأسعار إذا شعرت أن زبائنها سينزعجون عندما ترفع الأسعار إلى مستوياتها الأصلية في وقت لاحق.

اقرأ أيضًا:

مؤشر الضريبة والسعر

ما هي القيمة الاقتصادية المضافة؟

ترجمة: محمد أحمد العفيف

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر