يعد التخدير العام اكتشافًا مذهلًا، فهو يمنع ويعيق إحساسنا بالألم في غضون ثوانٍ قبل الجراحة. يبدي البعض استجابةً لما يحيط بهم دون تذكر ما حدث عقب ذلك، هذا ما يسمى بالوعي المستمر.

تشير الدراسات الآن إلى أن هذه الظاهرة أكثر شيوعًا مما كنا نعتقد، إذ تؤثر على 1 من كل 10 بالغين وعلى النساء أكثر من الرجال.

حتى بعد 170 عامًا من استخدام عقاقير التخدير في العمليات الجراحية، ما زلنا لا نملك المعرفة الكافية لآلية عمل التخدير العام، إذ سلطت نتائج الدراسة الضوء على الحاجة إلى فهم أفضل لطريقة استجابة الأشخاص لعقاقير التخدير، إذ يُضاف عامل آخر يجب وضعه بالحسبان هو الجنس والعمر.

يقول مؤلف الدراسة وطبيب التخدير روبرت ساندرز: «توجد حاجة ملحّة لمزيد من الأبحاث حول الاختلافات البيولوجية وخاصةً الجنس، والتي قد تؤثر على حساسية الأشخاص لأدوية التخدير».

إذا كان من الممكن تكرار نتائج الدراسة الجديدة، فهذا يقربنا خطوةً من إمكانية فهم أكثر المرضى عرضةً لتجربة الوعي المستمر وكيف يمكن لأطباء التخدير تقليل احتمالات حدوثها.

اقترحت الاستنتاجات السابقة أن 5% من الأشخاص الذين خضعوا للتخدير العام اختبروا ظاهرة الوعي المستمر. لكن ظنّ الفريق البحثي بناءً على نتائج أبحاث أخرى أن هذه الظاهرة أكثر شيوعًا لدى البالغين الشباب.

كشفت نتائج الدراسات الجديدة أن عددًا يفوق المتوقع من البالغين يبدون استجابةً للتخدير العام قبل بدء الجراحة، إذ استجاب تقريبًا 1 من كل 10 من 338 بالغًا شاركوا في الدراسة، تتراوح أعمارهم بين 18 و40 للأوامر التي تطلب منهم الضغط على يد الباحث مرةً واحدة إذا فهموا الأمر، ومرتين إذا كانوا يعانون من ألم أثناء التخدير العام.

بعد ساعة من الاستيقاظ، طُلب من المشاركين تذكر 16 كلمةً سمعوها تحت التخدير العام، لمعرفة ما يتذكرونه من التجربة، ووجدت الدراسة أن النساء كنّ أكثر عرضةً بمرتين إلى ثلاث مرات من الرجال لتجربة الوعي المستمر.

كانت احتمالات الوعي المستمر أقل أيضًا إذا حافظ الأطباء على درجة متواصلة من التخدير في الدقائق التي تلت إحداث التخدير وقبل التنبيب، وهي المرحلة التي يُدخل فيها أنبوب بلاستيكي أسفل القصبة الهوائية للحفاظ على تدفق الهواء وتسريب أدوية التخدير أثناء الجراحة.

من الجدير بالذكر أن تجربة الوعي المستمر تختلف عن الوعي غير المقصود الذي يعاني منه جزء صغير من الناس، فقط 0.1%، أثناء التخدير، إذ يمكنهم تذكر تفاصيل محدودة بعد الاستيقاظ عن الإجراء الجراحي.

يشير مصطلح “مستمر – connected” في هذه الحالة إلى أن أجزاء من أدمغتنا ستبقى نصف منتبهة لكنها ليست في حالة إدراك تام، بالإضافة إلى أنها ما تزال قادرةً على معالجة الأحاسيس من المحيط.

يقول ساندرز: «يتوقع المرضى أن يكونوا فاقدي الوعي تحت تأثير التخدير العام وألا يشعروا بالألم، وهذا يوضح سبب أهمية البحث في موضوع التخدير العام».

استجابت نحو 13% من النساء في الدراسة للأوامر تحت التخدير بالمقارنةً مع 6% فقط من الرجال، على الرغم من أنهم تلقّوا نفس الكمية المُعَدلة وفقًا للوزن من عقار البروبوفول الذي يُستخدم لبدء التخدير العام واستمراره.

وجد الباحثون أن الاختلافات في كمية الجرعات -إن وجدت- صغيرة ولا تفسر سبب تعرض الإناث لتجربة الوعي المستمر أكثر من الذكور.

عبّر نحو نصف الأشخاص الـ 37 الذين استجابوا للأوامر بأنهم كانوا يعانون من الألم، ما كان بالإمكان تصحيحه بسلاسة عن طريق تعديل جرعة أدوية التخدير، بالإضافة إلى ذلك، تذكّر شخص واحد بوضوح التجربة الجراحية تحت التخدير العام بعد الانتهاء من الإجراء.

كتب ساندرز وزملاؤه في الورقة البحثية: «نظن أنّ هذا مستوى وعي أعلى مما يتوقعه المرضى أو أطباء التخدير أثناء التخدير العام».

في حين قد يبدو الأمر وكأن التخدير يلقينا مغمًى علينا بجرعة من العقاقير التي يصلنا مفعولها قبل أن نتمكن من العد إلى العشرة، فإن التخدير العام يتطلب فقط فصل الشخص عن المحيط وليس بالضرورة أن ينطوي ذلك على فقد كامل الوعي.

من الواضح أن هذا يمثل خطًّا فاصلًا بالنسبة لأطباء التخدير ليتبعوه، لكن حقيقةً يبدو أنه يختلف اختلافًا كبيرًا من شخص لآخر.

على الأقل الآن، قد يكون لدى أطباء التخدير فهم أفضل لكيفية الحفاظ على التخدير المستمر في الدقائق الأولى (وهو بالفعل ممارسة قياسية في العديد من البلدان) ما قد يساعد في تقليل حدوث الوعي المستمر.

يقول ساندرز: «من المهم جدًا الأخذ بعين الاعتبار أن المرضى لم يتذكروا الاستجابة للأوامر». مشيرًا إلى أن التخدير العام إجراء آمن للغاية.

وأضاف أنه من المطمئن أيضًا أن ندرك أن إعطاء أدوية التخدير بصورةٍ متواصلة في الفترة الزمنية بين تحريض التخدير وإجراء التنبيب، فقد ينخفض خطر الوعي المستمر إلى حدٍ كبير.

اقرأ أيضًا:

من قال أن دماغك غير واع عندما تكون تحت تأثير التخدير العام؟

كيف يعمل التخدير العام؟

ترجمة: سارا رياض الخضر

تدقيق: بدور مارديني

مراجعة: آية فحماوي

المصدر