تاريخ أدوات الكتابة التي استعملها البشر لتسجيل وتوصيل الأفكار والأحاسيس وقوائم البقالة، يمثل -من بعض النواحي- تاريخ الحضارة نفسها. فمن طريق الرسومات والرموز والكلمات المُسجلة، توصلنا إلى فهم قصة جنسنا.

كانت عصا الصيد والحجر المشحوذ يدويًا من الأدوات التي استعملها البشر الأوائل، وقد استُعمل هذا الحجر في البداية أداةً لأغراض السلخ والقتل، وعُدل لاحقًا بوصفه أول أداة للكتابة.

نقش رجال الكهف الرسوم بالحجر على جدران الكهوف، وقد مثلت هذه الرسوم أحداث الحياة اليومية، مثل زراعة المحاصيل أو انتصارات الصيد.

من الصور إلى الأبجدية:

طور أمناء السجلات مع الوقت رموزًا منظمة من رسومهم. عبرت هذه الرموز عن الكلمات والجمل، ولكن رسمها كان أسهل وأسرع. وبمرور الوقت، انتشرت هذه الرموز داخل المجموعات الصغيرة، ولاحقًا عبر المجموعات والقبائل المختلفة.

اكتشاف الطين هو الذي جعل السجلات المحمولة ممكنة. استخدم التجار الأوائل الشارات المنقوش عليها صور لتسجيل كميات المواد المتداولة أو المشحونة، ويعود تاريخ هذه الشارات إلى 8500 سنة قبل الميلاد.

مع الحجم الكبير وتكرار حفظ السجلات، تطورت صور الشارات، وفقدت ببطء تفاصيلها. أصبحت أشكالًا مجردة تمثل الأصوات في التواصل الشفهي.

نحو سنة 400 قبل الميلاد، طور اليونانيون الأبجدية، وأصبحت الشكل الأكثر شيوعًا للتواصل المرئي، بدلًا من الصور.

كانت اليونانية أول نص يُكتب من اليسار إلى اليمين. وبعد اليونانية، ظهرت الكتابات البيزنطية ثم الرومانية.

في البداية، كانت أحرف أنظمة الكتابة كبيرة فقط، وحين صُقلت أدوات الكتابة بما يكفي للكتابة بدقة، استخدمت الحروف الصغيرة (نحو سنة 600 ميلادية).

صنع اليونانيون قلمًا من المعدن أو العظم أو العاج لوضع علامات على ألواح مغطاة بالشمع، وصُنعت الألواح على شكل أزواج بمفاصل وأغلقت لحماية ملاحظات الكاتب.

نشأت أُولى أمثلة خط اليد في اليونان، وكان الباحث اليوناني كادموس مخترع الأبجدية المكتوبة.

تطور الحبر والورق وأدوات الكتابة:

حول العالم، تطورت الكتابة إلى ما هو أبعد من نقش الصور في الصخر أو الطين الرطب.

اخترع الصينيون وأتقنوا الحبر الهندي، الذي صُمم في الأصل لتلوين الكتابة الهيروغليفية المنقوشة في الحجر، كان الحبر مزيجًا من سُخام دخان الصنوبر وزيت المصباح، ممزوجًا مع جيلاتين من جلد الحمار والمسك.

وبحلول عام 1200 قبل الميلاد، أصبح الحبر الذي اخترعه الفيلسوف الصيني تيان-ليشو (عام 2697 قبل الميلاد) شائعًا.

طورت ثقافات أخرى أحبارًا باستخدام الملونات الطبيعية والألوان المشتقة من التوت والنباتات والمعادن.

في الكتابات الأولى، كان للأحبار الملونة المختلفة دلالات شعائرية مرتبطة بكل لون.

توازى اختراع الحبر مع اختراع الورق. استعمل المصريون القدماء والرومانيون واليونانيون والعبريون ورق البردي وورق البرشمان نحو سنة 2000 قبل الميلاد، عندما أنشأ المصريون أقدم قطعة مكتوبة على ورق البردي المعروفة اليوم باسم (بردية بريسي).

ابتكر الرومانيون قلم قصب مثالي لورق البرشمان والحبر من السيقان الأنبوبية المجوفة لأعشاب المستنقعات، تحديدًا من نبات الخيزران، إذ حولوا سيقان الخيزران إلى شكل بدائي لقلم الحبر، وقطعوا أحد طرفيه على شكل طرف أو نقطة قلم. وملأ بسائل كتابة أو حبر الساق بحيث يندفع السائل نحو رأس القلم عند الضغط على القصب.

بحلول سنة 400 طُور نوع مستقر من الحبر، مُركب من أملاح الحديد والجوز والصمغ، وأصبحت هذه الصيغة الأساسية لقرون.

عند استخدامه على الورق كان لونه أسود مائلًا للزرقة، يتحول بسرعة إلى أسود قاتم قبل تلاشيه إلى اللون البني الباهت المألوف في المستندات القديمة.

اختُرع الورق من ألياف الخشب في الصين عام 105، ولكن لم يُستعمل على نطاق واسع في أوروبا، حتى بُنيت مطاحن الورق في أواخر القرن 14.

أقلام الريشة:

أداة الكتابة التي هيمنت لأطول فترة في التاريخ (أكثر من ألف سنة)، هي قلم الريشة، وقد ظهر نحو سنة 700، وصُنع من ريشة طائر.

الريشة الأقوى كانت تؤخذ من الطيور الحية في الربيع، من الريشات الخمسة الخارجية للجناح الأيسر، لأن ريشته تنحني بعيدًا حين يستعمل من قبل كاتب يميني اليد.

تدوم أقلام الريشة لأسبوع، ثم من الضروري استبدالها، وكانت هنالك سلبيات أخرى لاستعمالها، منها وقت التحضير الطويل.

تطلبت مخطوطات الكتابة الأوروبية الأولى المصنوعة من جلد الحيوانات تنظيفًا حذرًا. لشحذ الريشة، احتاج الكُتَّاب إلى سكين خاصة، ويوضع تحت مكتب الكاتب موقد فحم، لتجفيف الحبر بأسرع ما يمكن.

المطبعة:

أصبح الورق المصنوع من ألياف نباتية أساسيًا للكتابة بعد اختراع مهم آخر، فقد اخترع يوهانس جوتنبرج -عام 1436- الآلة الطابعة ذات الحروف الخشبية أو المعدنية القابلة للاستبدال.

في وقت لاحق، طُورت تقنيات طباعة جديدة مرتكزة على مطبعة جوتنبرج، مثل طباعة الإزاحة.

أحدثت القدرة على إنتاج الكتب بهذه الطريقة ثورة في طريقة تواصل البشر، ومثل أي اختراع آخر منذ الحجر المشحوذ، أطلقت مطبعة جوتنبرج حقبة جديدة من تاريخ البشرية.

اقرأ أيضًا:

لمحة تاريخية عن البريد

حجر الرشيد والكشف عن أسرار الكتابة المصرية القديمة

ترجمة: زكرياء بيشلفن

تدقيق: سماح عبد اللطيف

مراجعة: حسين جرود

المصدر