ربما تقلل السحب من فرص حدوث السناريو الأفضل والسناريو الأسوأ للتغيّر المناخي على حدّ سواء. كم سترتفع درجة حرارة الأرض استجابةً لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المستقبل؟

يُعَدّ هذا السؤال من أكثر الأسئلة الأساسية والشائكة حول تغيّر المناخ، ويقول العلماء أنّ الجواب يكمن في السماء فوقنا، إذ إن السحب في الواقع هي الحرس الرقيق وغير المتوقع لتغيّر المناخ، وتؤثر في ارتفاع درجة حرارة العالم.

سلطت سلسلة من الدراسات الأخيرة الضوء على هذا الثأثير، فبينما ترتفع درجة حرارة الكوكب يتغير الغطاء الذي تشكله السحب في جميع أنحاء العالم، ومن المحتمل أن يسرع هذا التغير من الاحتباس الحراري.

وهذا يعني أن الأرض يمكن أن تكون أكثر حساسية بقليل لغازات الاحتباس الحراري مما تقترحه التخمينات المعروفة سابقًا.

يقول باولو سيبي عالم المناخ في الكلية الملكية في لندن، ومؤلف مشارك في إحدى الدراسات الجديدة: «السحب هي حالة كبيرة من عدم اليقين، وهذا هو الحافز الرئيسي لنفهم كيف ستتغير السحب وكيف سوف يؤثر رد فعلها في الاحتباس الحراري».

دراسة السحب مهمة شاقة، فقد تساهم السحب أحيانًا في زيادة حرارة المناخ، وأحيانًا أخرى في تبريده. ويعتمد ذلك على نوع السحابة، والمناخ المحلي، ومجموعة متنوعة من الظروف الأخرى.

لا يزيد تغير المناخ هذه المسألة إلا تعقيدًا، فمن المتوقع أن يزيد الاحتباس الحراري أنواعًا معينة من السحب في مناطق ويقللها في مناطق أخرى. وعمومًا ستترتب على ذلك مجموعة كبيرة من الآثار المعقدة في جميع أنحاء العالم.

كافح العلماء لسنوات من أجل تحديد الكيفية التي ستتغير بها السحب مع ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل بالضبط، وفيما إذا كانت ستزيد تغيّر المناخ سوءًا، أو ستخفف بعضًا من آثاره، وكان سؤالًا تصعب الإجابة عنه.

يستخدم العلماء عادةً نماذج حاسوبية للتنبؤ بالتغيرات المناخية في المستقبل، ولكن من الصعب محاكاة السحب، وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية بدأت عدة دراسات بالوصول إلى حقيقة الأمر، وتوصلت جميعها لنفس الاستنتاجات: ربما تكون بعض أسوأ سيناريوهات الاحتباس الحراري العالمي، أقل احتمالية للحدوث مما ظنّ العلماء سابقًا. ولكن بعض أفضل السيناريوهات قد لا تحدث مطلقًا.

تركز كل هذه الدراسات على نفس السؤال: إلى أي مدى بالضبط سترتفع درجات الحرارة العالمية إذا وصلت تراكيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى ضعف مستوياتها قبل الصناعة؟ ومع أن هذا السؤال يبدو مجرد افتراض حاليًا، فإن ذلك قد يتغير قريبًا.

قبل الثورة الصناعية، أي قبل 150 عامًا، كانت مستويات الكربون في العالم نحو 280 جزءًا في المليون، وسيكون ضعف ذلك 560 جزءًا من المليون. أما حاليًا تزيد تراكيزه بالفعل عن 410 جزء بالمليون وما تزال في تزايد كل عام.

وكانت مسألة مضاعفة غاز ثاني أكسيد الكربون محورية لكل الباحثين في مجال المناخ، وتعد مقياسًا يُعرّفه العلماء بحساسية توازن المناخ، وكان من الصعب إحراز أي تقدم في هذه المسألة. وأشار تقرير أساسي عام 1979، من الأكاديمية الوطنية للعلوم أنه ربما تزداد درجة حرارة الكوكب في كل مكان من 1.5 إلى 4.5 درجة مئوية، وتوصلت العديد من الدراسات إلى نفس الاستنتاج تقريبًا.

لم يبدأ الباحثون بتضييق نطاق الإجابة إلا مؤخرًا، وكان للتحسينات التي طرأت على دراسات السحب تأثير كبير في ذلك.

في العام الماضي، رجّحت دراسة جديدة رائدة أن مضاعفة نسب غاز ثاني أكسيد الكربون من المحتمل أن ترفع درجات الحرارة في أي مكان في العالم، من 2.6 إلى 3.9 درجة مئوية، وذلك تنبؤ ضيق النطاق جدًا، يستبعد بعضًا من التنبؤات ذات النطاق الأعلى، ويقصي بعضها الآخر من النطاق الأدنى، وجمعت الدراسة كل الأبحاث الأخيرة المتعلقة بحساسية المناخ، مع أخذ بعين الاعتبار مختلف الأدلة، بما في ذلك التطورات الأخيرة في بحوث السحب.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، دعم عدد من الدراسات المنصبة على دراسة السحب نطاقًا أضيق للحساسية المناخية. واقترحت دراسة جديدة في فبراير أن الحساسية المتوقعة تبلغ 3.5 درجة مئوية، واقترحت دراسة أخرى في مايو أن الحساسية المتوقعة تبلغ نحو 3 درجات مئوية، وتقترح كلا الدراستين أنه وعلى نطاق عالمي ربما تملك السحب تأثير تضخيم معتدل في معدل الاحتباس الحراري.

استخدمت هذه الدراسات ملاحظات واقعية لاستخلاص النتائج، وجمعت كميات كبيرة من البيانات عن سلوك السحب، وكيفية تفاعلها مع التغيرات في درجات الحرارة والرطوبة وغيرها من المتغيرات الجوية. ثم أجريت تحليلات إحصائية لتلك الملاحظات، لمعرفة الاستجابة المحتملة للسحب مع تغيرات المناخ في المستقبل.

مارك زيلينكا، عالم مناخ وخبير السحب في مختبر لورانس ليفرمور الوطني، ومؤلف مساعد في إعداد كلا من الدراستين اللتين أجريتا في مايو والعام الماضي، قال: «هذه الطريقة طريقة تقليدية إلى حد ما في معالجة المشكلة».

نُشرت دراسة جديدة في شهر يوليو من هذا العام في مجلة PNAS Proceedings of the National Academy of Sciences واتخذت هذه الدراسة نهجًا أقل تقليدية إذ استخدمت التعلم الآلي لمعرفة كيفية استجابة السحب للتغير في بيئاتها.

التعلم الآلي هو من فروع الذكاء الاصطناعي تدقق فيه الحواسيب كميات كبيرة من البيانات، وتحديد الأنماط الموجودة فيها، ثم تستخدم تلك الأنماط لبناء خوارزميات تتنبأ بالسلوك المحتمل للبيانات المستقبلية تحت مختلف الظروف، وفي هذه الحالة يستخدم الباحثون الملاحظات الواقعية لدراسة الطريقة التي تستجيب بها السحب للتغير البيئي.

وتوصّل نهج التعلم الآلي إلى نتيجة مماثلة وهي: نطاق حساسية مناخية أضيق، ويستبعد معظم سيناريوهات المناخ الأكثر اعتدالًا، ووجدت الدراسة أنه لا يوجد تقريبًا أي فرصة لحساسية مناخية أقل من درجتين مئويتين.

قال سيبي الذي أجرى الدراسة مع زميله عالم المناخ وخبير التعلم الآلي بيير نواك: «خطر لي لوهلة أن تكون معضلة السحب ملائمة خاصةً لنهج التعلم».

وأضاف: «إذا أردت فهم العلاقة بين السحب والحرارة أو الرطوبة أو الرياح، فمن الصعب جدًا استخلاص آثار كل من تلك المتغيرات البيئية على حدى. ربما يكون التعلم الآلي طريقة أبسط لمعالجة هذه المجموعة المعقدة من البيانات، ويبدو التعلم الآلي واعدًا في أنواع أخرى من الأبحاث المتعلقة بالسحب».

تجرب بعض الفرق البحثية تضمين مكونات التعلم الآلي في نماذج المناخ العالمية وسيلةً للتغلب على صعوبة محاكاة السحب، وتشكل السحب تحديًا للنماذج لأنها تتطلب فيزياء دقيقة للغاية، ففي النهاية تتشكل السحب من قطرات ماء صغيرة في السماء، وتتطلب محاكاة هذه العمليات المجهرية على نطاق عالمي مستوىً لا يمكن تخيله من قوة المحاسبات، وهذا غير ممكن ببساطة.

وللتغلب على ذلك، لا يجبر عارضو النماذج عادةً نماذجهم على محاكاة البنية الفيزيائية للسحب، وبدلًا من ذلك يقومون بإدخال المعلومات المتعلقة بمظهر السحب والاستجابة للتغيرات في بيئاتها، وهو تكتيك يعرف باسم التمثيل الوسيطي.

ويمكن أن يكون التعليم الآلي بديلًا عن التمثيل الوسيطي، وبدلًا من عملية إدخال القواعد الخاصة بكيفية سلوك السحب داخل النماذج، يمكن لمكونات التعليم الآلي أن تشكل خوارزميات تتنبأ باستجابة السحب، وهذه ليست استراتيجية شائعة بعد، ولكن بدأت مجموعات بحث متعددة في السنوات القليلة الماضية بالتحقيق في مدى فائدتها. وتَعِدُ بتطورات في هذا المجال المعقد لدراسة السحب. ومع ذلك، فالتعلم الآلي أداة مفيدة للغاية، ولكنه ليس العلاج الشافي.

وذلك كان تحذير بيرس فوستر، مدير مركز بريستلي الدولي للمناخ في جامعة ليدز في بريد إلكتروني إلى أخبار E&E.

التعلم الآلي هو طريقة فعالة في تحليل مجموعات معقدة من البيانات، ولكن يمكن أن يترك بعض الأسئلة دون إجابات كالعمليات الفيزيائية الكامنة وراء تلك البيانات،مثلًا. وما يزال هناك متسع كبير لمزيد من البحوث التقليدية حول كيفية وأسباب سلوك السحب. وأضاف فوستر: «التطورات المنسقة على كلا الجبهتين هي الإجابة في رأيي».

ويضيف زيلينكا: «من المطمئن أن استراتيجيات مختلفة توصلت إلى نتائج مماثلة، ولو كانت مجرد دراسة واحدة، لشككنا في صحة النتيجة، لكن إذا كنت حصلت على المزيد والمزيد من الأدلة من مؤلفين مستقلين يستخدمون تقنيات مستقلة، وجميعهم يتوصلون لنتيجة مماثلة فهذا أمر قوي للغاية».

اقرأ أيضًا:

ما هي أنواع الغيوم أو السحب ؟

الغيوم – ما هي أنواعها وكيف تتشكل؟

ترجمة: حلا بوبو

تدقيق: أسعد الأسعد

المصدر