حصلت المنطقة المسماة «جولديلوكس» على اسمها من القصة الخيالية «جولديلوكس والدببة الثلاثة»، التي تروي حكاية فتاة صغيرة صعبة الإرضاء تطلب حساء من الشعير مناسبًا لها، ليس ساخنًا جدًا ولا باردًا جدًا، وهو مبدأ نشأة الحياة ذاته، أو على الأقل نوع الحياة القائمة اعتمادًا على الماء كما نعرفها هنا على الأرض.

إذا كان مدار كوكب ما قريبًا جدًا من نجمه الأم، فسيتبخر الماء الموجود فيه بسبب الجو الحار، وإذا كان بعيدًا جدًا فإن المياه ستتجمد تمامًا، لكن المسافات الصحيحة لمنطقة جولديلوكس، النطاق الصالح للحياة، أو المسافات التي تحدد المنطقة الصالحة للسكن، مختلفة بين النجوم.

شمسنا هي قزم أصفر من النوع (G)، لا شك في وجود منطقة صالحة للسكن حولها، فالأرض تحتل هذه المنطقة في مدارها الذي يبعد 150 مليون كيلومتر عن الشمس.

وفقًا لوكالة ناسا، تقع المنطقة الصالحة للسكن حول الأقزام الحمراء من النوع (M) -وهي أصغر وأبرد من الشمس- قرب النجم نفسه، لكنها أبعد في حالة نجم أكبر وأسخن، من النوع (A)، مثل سيريوس.

يرى علماء البيولوجيا الفلكية الذين يبحثون عن الحياة في الكواكب الأخرى أن وجود الكوكب في المنطقة الصالحة للسكن هو أحد العوامل التي يجب التفكير فيها، إذ من الواضح مثلًا أن قمرنا يقع في منطقة جولديلوكس، لأنه تابع لكوكبنا، مع ذلك لا توجد مياه سائلة على سطحه.

تجب أيضًا مراعاة الضغط الجوي والبنية التكوينية، فالقمر لا يملك غلافًا جويًا، إذن فهو غير قادر على دعم الحياة وحده.

من المهم أيضًا عدم المبالغة عند قراءة عبارة «صالح للحياة»، فحتى إن كانت الظروف على كوكب ما مناسبة تمامًا لوجود الماء السائل، فهذا لا يعني بالضرورة أنه مأهول. لم يفهم العلماء تمامًا بعد أصول الحياة على الأرض، لذلك لا نعرف المكونات الدقيقة الأخرى الضرورية للحياة، إضافةً إلى الماء والغلاف الجوي.

دُرس نظامنا الشمسي أكثر من سائر الأنظمة النجمية، توصل الباحثون إلى الموقع الذي يجب أن تكون فيه منطقة جولديلوكس، النطاق الصالح للحياة، بتقدير درجة حرارة سطح الكواكب بناءً على مقدار الحرارة التي تتلقاها من نجومها.

تتفق النتائج حتى الآن مع ما نعرفه من ملاحظات، فالأرض وفقًا لوكالة ناسا كوكب مائي يعج بالحياة، ويقع مثاليًا في المنطقة الصالحة للسكن، أما كوكب المريخ الذي كان يحتوي على الكثير من الماء في الماضي فهو صحراء قاحلة اليوم، وكوكب الزهرة بالغ السخونة، بسبب قربه من الشمس وغلافه الجوي شديد السُمك.

أصبح اكتشاف الكواكب الخارجية الجديدة التي تدور حول نجوم بعيدة أمرًا شائعًا اليوم، لكن من المثير دائمًا العثور على كواكب داخل منطقة جولديلوكس، النطاق الصالح للحياة، لنجمها الأم.

حدث ذلك عام 2016 عندما اكتُشف كوكب «بروكسيما سنتوري بي» أو «قنطور الأقرب بي» الذي يدور حول أقرب جار للشمس في الفضاء، القزم الأحمر «بروكسيما سنتوري» الذي يبعد عنا نحو 4 سنوات ضوئية، إنه نجم صغير جدًا وخافت لدرجة أن منطقته الصالحة للسكن تقع على مسافة قريبة جدًا منه، ويدور كوكب بروكسيما سنتوري بي حول هذا القزم الأحمر مرة كل 11 يومًا، وهو آمن هناك وفقًا للمرصد الأوروبي الجنوبي.

قزم أحمر آخر دُرس كثيرًا: «ترابيست-1» الذي يبعد عنا نحو 40 سنة ضوئية، إنه أبعد من بروكسيما سنتوري بكثير، لكنه جار قريب للشمس، وفقًا لوكالة ناسا فإن ترابيست-1 يتميز بسبعة كواكب صخرية تدور حوله، تقع ثلاثة منها داخل منطقة جولديلوكس، النطاق الصالح للحياة.

توجد مياه على الكواكب السبعة، لكنها في صورة سائلة فقط في الكواكب الثلاثة الموجودة داخل المنطقة الصالحة للسكن، وبخار من المياه أو سحُب في الغلاف الجوي على الكواكب الأقرب إلى النجم، وجليد على أبعدها.

يحرص علماء الفلك على معرفة المزيد عن نظام ترابيست-1، وهو من أهداف تلسكوب جيمس ويب الفضائي.

عندما يتشكل نظام شمسي ما، لا توجد أفضلية لوجود الكواكب في المنطقة الصالحة للسكن، نظام ترابيست-1 غير معتاد، لوجود ثلاثة كواكب هناك.

نظريًا، هل يوجد حد لعدد الكواكب التي قد تقع في منطقة جولديلوكس؟ طرح هذا السؤال عالم الفيزياء الفلكية «شون ريموند».

بالفعل يوجد -نظريًا- حد يصبح بعده النظام غير مستقر بسبب تقارب الكواكب. توصل ريموند إلى ما سماه «الهندسة النهائية لتصميم الأنظمة الشمسية»، بإجمالي 412 كوكبًا في منطقة جولديلوكس، النطاق الصالح للحياة، مُرتبة في ثمانية مدارات متحدة المركز، تدور في اتجاهين متقدمين وعكسيين بالتناوب.

يقول ريموند: «عملت على فهم كيفية تشكل أنظمة الكواكب، وما الذي يجعل النظام الشمسي مختلفًا عن أنظمة الكواكب الخارجية التي اكتشفناها، وأنواع التكوينات المدارية المستقرة وغير المستقرة، أردت معرفة أنواع المدارات الهندسية التي تُمكن زيادة عدد الكواكب في المنطقة الصالحة للسكن إلى أقصى حد مع المحافظة على استقرارها، وذلك يقلل من الحاجة إلى التفكير أو إجراء دراسات عن كيفية تشكل ذلك النظام، لحسن الحظ، يمكنني استخدام العديد من الأوراق البحثية الحديثة للعلماء مصدر إلهام لي، وقد اختبرت أكثر الأنظمة تطرفًا باستخدام المحاكاة الحاسوبية، وتحققت من صحة النتائج».

«بنيت أساسًا نظامين شمسيين، يحتوي كل منهما 30 كوكبًا في المنطقة الصالحة للسكن، تتشكل هذه الأنظمة طبيعيًا، بافتراض وقوع السلسلة الصحيحة من الأحداث. لكن لا أستطيع تخيل تشكيل الهندسة النهائية لتصميم الأنظمة الشمسية طبيعيًا. إن وجود نظام كواكبه متساوية البعد، موزعة على طول حلقات تدور في اتجاهات متعاكسة، مستحيل حسب ما أعرف! لذلك إن كان مثل هذا النظام موجودًا، سأقول بأنه قد بُني عن قصد! ويفترض أن مهندسي حضارة فائقة التقدم قد بنوه».

إذا كان مثل هذا النظام موجودًا فعلًا، فكيف يمكننا اكتشافه من الأرض؟

يقول ريموند: «إن اكتشافه صعب جدًا، فالإشارات التي نقيسها لاستنتاج وجود كواكب خارجية، السرعة الشعاعية أو إشارات العبور، قد ينتهي بها الأمر مرتبكة للغاية لدرجة أنها قد تخطئ بسبب التشويش من ذلك النظام».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف نظام نجمي به كوكب شبيه بالأرض قد يكون صالحًا للحياة

كواكب خارجية أكثر ملاءمة للحياة من الأرض

ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر