استطاع الباحثون مؤخرًا بناء جينوم لطائر انقرض منذ 700 عام.

يطرح هذا الاكتشاف سؤالًا مهمًا عن أهميّة إعادة إحياء الأنواع المنقرضة.

أعلن علماء من جامعة هارفارد هذا الأسبوع أنهم استطاعوا تجميع جينوم شبه كامل لطائر البوش موا (bush moa) الصغير. ربما لن تتمكن من استرجاع شكل الطائر في مخيلتك لأنّ هذا النوع من الطيور انقرض منذ ما يقرب من 700 عام.

إذا واصل العلماء طريقهم ربما يستطيعون تغيير ذلك.

تجميع الجينوم الكامل للموا -وكذلك للأنواع المنقرضة منذ عصور بعيدة مثل الماموث الصوفي والحمام المهاجر أو حتى أبناء عمومة البشر إنسان النياندرتال- قد يساعد على إعادتها إلى الحياة، أو على الأقل هذا ما يراه العلماء تقريبًا.

ولقد حصل الباحثون أولًا على الحمض النووي لطائر الموا عن طريق استخراجه من الإصبع الكبير من عيّنة في المتحف.

يطلق على استخدام التكنولوجيا الحديثة في إحياء الأنواع المنقرضة (إزالة الانقراض – de-extinction) على الرغم من العملية ليست بالشكل الذي يمكن أن نُطلق عليه «البسيط».

إنّ الأمر أشبه بتجميع صورة أحجية تتكوّن من 900 مليون قطعة مع وجود بعض الأجزاء المفقودة، وما يزيد من صعوبة الأمر أنه ليس لديك مرجع لنفس الصورة، لكن لديك أحجية مرتبة ومشابهة كمرجع.

تتكوّن جميع أنواع الحمض النووي من مكوّنات رئيسيّة هي نيوكليوتيدات (Nucleotides) وهي: الأدينين (adenine) والسيتوزين (cytosine) والغوانين (guanine) والثيمين (thymine)، ويرمز لها بالحروف (A) و(C) و(G) و(T) على التوالي.

بدأ فريق هارفارد بـ900 مليون من نيوكليوتيدات طائر الموا لبدء تجميع الجينوم بأكمله، ولم يعلن الباحثون عن الوقت الذي استغرقه تجميع الجينوم الكامل.

لقد استخدام الجينوم لأقارب الطائر الأحدث، طائر الإيمو لملء الفراغات، في النهاية استطاع الباحثون قطع حوالي 85% من جينوم الطائر، الذي يشبه تمامًا جينومات الأنواع المنقرضة الأخرى.

بمجرد أن ينظّم العلماء الجينوم، تصبح الخطوة التالية تحديد أفضل طريقة لإحياء الأنواع. يمكن للباحثين اختيار (تربية الحيوانات الانتقائية – Breeding back)، وهي عمليّة يأخذون فيها أنواعًا مرتبطة بشكل وثيق ويتم توالدها بشكل انتقائي حتى تنتج شيئًا يشبه الأنواع المنقرضة. إذا لم ينقرض هذا النوع من فترة طويلة، والباحثين لديهم -مثلًا- عيّنة من آخر عضو حي، عندها يصبح الاستنساخ خيارًا قابلًا للتطبيق.

الخيار الثالث، باستخدام الهندسة الوراثية، وهو جديد نسبيًا.

مع تجميع دقيق للبيانات الجينيّة للأنواع المنقرضة، يمكن للباحثين حقنها في بيضة من الأنواع الحيّة القريبة من تلك التي يحاولون إعادتها إلى الحياة.

إذًا إعادة الأنواع للحياة بعد الممات أمر ممكن، لكنّه قد يكون ذو احتمال ضعيف ومستنزِف للموارد. لكن يبقى السؤال: لماذا نفكّر في إحياء الأنواع المنقرضة من الأساس؟

لو أننا تعلمنا شيئًا من فيلم حديقة جوراسيّة (Jurassic Park)، وهي سلسلة أفلام أمريكية من إخراج ستيفن سبيلبرج أحد أشهر مخرجي هوليوود وتدور أحداثها حول إنشاء حديقة للكائنات المنقرضة في أحد جزر كوستاريكا النائية ويتم استنساخ عدة فصائل من الديناصورات عن طريق أخذ المادة الوراثية الخاصة بها أو (DNA) من الحشرات المحفوظة داخل الكهرمان القديم، لن يكون الدافع هو «مجرد أننا نستطيع أن نفعل شيئًا، فإنّ علينا فعله»، لذا فإننا نسرد بعض الأسباب التي استخدمها العلماء لتبرير عملهم.

تطوير علومنا

في كل مّرة يبحث فيها العلماء في موضوع إعادة إحياء الأنواع المنقرضة تزيد معرفتهم بالمعلومات الجينيّة.

ليس فقط الجانب البشري هو الذي يتحسن وتزيد معرفته لكن أيضًا خوارزميّات الحواسيب التي تساعدهم على تحليل البيانات. مع كل محاولة تزيد معرفة الباحثين بتسلسل العملية، وكذلك يمكن تدريب التكنولوجيا لتؤدي مهامها بشكل أكثر دقة وكفاءة. إنّ الجينوم الذي يقوم بتجميعه العلماء الآن قد يكون مفيدًا لتجميع الحمض النووي للأنواع الأخرى في المستقبل، وربما يصبح باستطاعة العلماء أرشفة كل المواد الجينية لكل المخلوقات تقريبًا الموجودة على الأرض.

بالتأكيد العلم من أجل العلم هو جهد نبيل، ولكن هناك أيضًا العديد من حجج «بيولوجيا إعادة الإحياء»، والتي تعمل جاهدةً على إعادة الأنواع المنقرضة، وكذلك للحول دون انقراض الأنواع المهددة.

حفظ الأنواع المهددة من الانقراض

لقد أخذ البشر المزيد من المساحة والموارد، مما أدّى إلى تدمير البيوت الطبيعيّة لكثير من الأنواع التي أصبحت مهددة بالانقراض. كثير من هذه الأنواع انقرضت في نهاية المطاف، مما دفع مستويات التنوّع البيولوجي إلى ما دون العتبة «الآمنة» -وهو المستوى الذي يسمح بأن تتجدد النُظُم البيئية في العالم من تلقاء نفسها وبالتالي تحافظ عليه- وكلما قلّ التنوع البيولوجي في النظام البيئي، كلما زادت فرص انقراض الأنواع بالتتابع.

سنشعر بآثار فقدان التنوع البيولوجي عندما يتعلق الأمر بالنباتات، فالأدوية التي نأخذها تنتج من المستخلصات النباتية، كذلك المنسوجات والأقمشة التي نستخدمها في ملابسنا والكثير مما نأكله، كلها تأتي من أنواع النباتات. تعتمد النباتات على الحيوانات والحشرات في بيئاتها من أجل التلقيح والانتشار، وفي المقابل، تعتمد تلك المخلوقات على المحاصيل من أجل التغذية والسكنى تمامًا كما يفعل البشر. إذا انقرضت هذه الملقحات، النباتات ومن ثم الأنواع التي تعتمد عليها ستنقرض بالتالي.

بعض الأنواع تسمى «حجر الزاوية» لأنها الأكثر أهميّة من غيرها في الحفاظ على التنوع البيولوجي.

فالحمام المهاجر، على سبيل المثال، انقرض في وقت حديث نسبيًا، وهو بالتالي مرشح جيد لإعادة الإحياء.

فقد شكّل هذا الحمام العديد من غابات أمريكا الشمالية، وعندما فُقِد هذا النوع فَقدت الغابات المحرّك الرئيسي لدورة تنظيمها ولم تعد كما كانت أبدًا.

لذا فإنّ إعادة إحياء الأنواع الرئيسية المنقرضة يمكن أن يساعدنا في الحفاظ على التنوع البيولوجي، وربما على النظام البيئي ككل.

للحفاظ على كوكبنا

إنّ إعادة إحياء الأنواع المنقرضة قد يساعد على بقاء الأرض لوقت طويل، هذا ما تعتقده بيث شابيرو (Beth Shapiro) عالمة الأحياء في جامعة كالفورنيا سانتا كروز.

عملت شابيرو على العديد من مشاريع الانقراض بما في ذلك مشروع موا.

إنّها تعتقد أن جهود حفظ الأرض ليست كافية لحماية الكوكب، فلقد فقدنا جزءًا كبيرًا من التنوّع البيولوجي في العالم نتيجة التدخل البشري، إما مباشرةً عن طريق ممارسات مثل إزالة الغابات أو بصورة غير مباشرة مثل رفض قبول حقيقة تغيّر المناخ.

إذا أردنا الحصول على فكرة عما يحدث للنُظُم البيئية في العالم بعد تحوّل مناخي كبير، فإننا لا نحتاج إلى النظر أبعد من أحداث الانقراض السابقة.

الماموث الصوفي، مثلًا كان يُستخدم لتسميد مراعي سيبيريا، بعد أن انقرضت، أصبحت المنطقة بأكملها جليدية وقاحلة.

تقول شابيرو: «قد لا يكون الانقراض هو الجواب الأمثل على أزمة التنوع البيولوجي التي نواجهها اليوم، ولكن التقنيات التي يجري تطويرها باسم إزالة الانقراض قد تصبح أدوات جديدة قوية في نظام حفظ فعّال.

لماذا لا نوفّر لمخلوقات الأرض القليل من المساعدة الجينيّة حتى يتمكّنوا من البقاء على قيد الحياة في عالم يتغيّر بسرعة كبيرة من أجل بقاء عمليات التطور الطبيعي؟».

لقد ساهم البشر -على نحو ما- في انقراض أنواع عديدة، لذا وجب علينا أن نرد الدَين.


  • ترجمة: مصطفى العدوي
  • تدقيق: صهيب الأغبري
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر