إنَّ الفيلةَ لا تملك أعظمَ قدرةٍ بصريّة في مملكة الحيوان، لكنَّها لا تنسى وجهًا على الإطلاق.

فعلى سبيل المثال، أبلغتْ «Carol Buckley» في محميّة الفيلة في مدينة «Hohenwald» في ولاية «Tennessee» الأمريكية أنَّ الفيل «Jenny» المقيم في المحمية أُصيب بالذّعر وأصبح من الصعب السيطرة عليه عندما قُدّمَ الى الفيل الجديد «Shirley» آسيويّ الأصل عام 1999.

حين تفحّص الاثنان بعضَهما بواسطة خرطوميهما، أصبح «Shirley» مُفعمًا بالحيويّة، وكما تبيّن لنا فقد قام الصديقان -القديمان على ما يبدو- بلقاءٍ عاطفيٍّ جديد.

اتَّضح فيما بعد أنَّ الفيلان كانا يعبران الطريق ذاتَه منذُ سنوات.

عرفتْ «Buckley» أنَّ «Jenny» كان قد أدّى عروضًا في السيرك المتنقل «Carson & Barnes» قبل أن يأتيَ الى المحمية عام 1991، لكنها لم تكنْ تعرف الكثير عن خلفية حياة «Shirley»، وعندما بحثتْ قليلًا اكتشفت أنه كان متواجدًا في نفس السيرك مع «Jenny» لبضعة أشهر، وذلك منذ 23 عامًا !!

اعتقد العلماء أنَّ إمكانيّات الفيلة المميّزة في التذكر تلعب دورًا مهمًّا في مساعدتها على البقاء.

وطبقًا لبحثٍ أُجريَ على الفيلة في حديقة «Amboseli» الوطنية في دولة كينيا الإفريقيّة، فالفيلة القائدة للقطيع على وجه الخصوص لديها مخزنٌ من المعارف الاجتماعيّة، والتي بالكاد تستطيع عائلاتها الاستغناء عنها.

هذا وقد اكتشف باحثون من جامعة «Sussex» في إنكلترا، أن مجموعات الفيلة التي كان قادَتُها بعمر 55 وسطيًّا استطاعت الاحتشاد للدفاع بشكل أفضل من تلك التي تقودها فيلةٌ بعمر 35 عندما تعرَّضتْ لهجومٍ من قبل فيل غريب عنها.

جاءت عالمة النفس والسلوكيّات الحيوانيّة «Karen McComb» لتكشف السبب وراء ذلك؛ فقالت أنَّ الفيلة على معرفةٍ بأنَّ الغرباء يبدؤون بشجارات مع القطيع والتي من الممكن أن تؤدي إلى أضرارٍ كبيرةٍ.

ودرس باحثون آخرون ثلاثةَ قطعانٍ من الفيلة خلال فترةٍ من الجفاف الشديد عام 1993 في حديقة «Tarangire» الوطنية في تنزانيا، فوجدوا أنَّ الفيلة لا تميّز وتتذكّر بعضها فحسب، إنّما تتذكّر أيضًا سبلًا لمصادرِ طعامٍ وشرابٍ بديلةٍ عند تعرُّض مناطقها للجفاف.

استنتج الباحثون فيما بعد أنّ الفيلة المتقدّمين في السنّ تذكّروا جفافًا كان قد حصل في الحديقة واستمر بين عامي 1959 و 1961، وأنَّ قطعان الفيلة قد حافظت على فتات الطعام المتبقّي بالهجرة إلى مناطقَ بعيدةٍ وافرةِ العشب.

كما اختبر العلماء هذه الذاكرة بوضع عيناتِ بولٍ أمام إناث الفيلة اللواتي تفحّصنَها بعنايةٍ بواسطة خراطيمهنَّ، وتصرَّفْنَ بغرابةٍ عندما وصلْنَ إلى عينةٍ لا تنتمي لأيٍ من أبنائهنَّ الصغار، والتي من المفترض ألّا تكون موجودةً هناك.

وقال عالم النفس «Richard Byrne» من جامعة «Saint Andrews» في اسكتلندا: «إنَّ معظمَ الحيوانات التي تتجوّل في قطعان – كالغزلان مثلًا – ليس لديها أدنى فكرة عن هويّة الحيوانات الأخرى في القطيع، بينما تعرف الفيلة بشكلٍ شبه مؤكَّدٍ كلَّ عضوٍ في قطيعها».

درس الكاتب وعالم الحيوان «Iain Douglas Hamilton» الفيلةَ منذُ ستينات القرن الماضي، وهو مؤسّس جمعية «احموا الفيلة-«Save the Elephants في مدينة نيروبي في كينيا.

ويروي أنه في بدايات مهنته كان لديه علاقةٌ قويةٌ بأنثى فيل في حديقة «Lake Manyara» الوطنية في تنزانيا لدرجة أنّه كان بإمكانه المشي بالقرب منها في البرية.

لكنه ترك المنطقة عام 1969 ولم يعد إليها إلا بعد أربع سنوات؛ حيث أتت إليه أنثى الفيل وتصرفت معه بنفس الطريقة، واستأنفا نزهتهما وكأنّ شيئًا لم يكن.

يقول «Douglas-Hamilton» : «إنّ الفيلةَ كائناتٌ ذاتُ عمرٍ طويلٍ، والذاكرة مفيدةٌ لها، وتُمكِّنها من التأقلم مع الظروف بشكلٍ أفضلَ، وإذا كان بإمكانها تحمُّل المناخ القاسي وتذكُّرُ أمكنةِ الطعام خلال السنة، فإنًّها – وبشكل بديهي – قادرةٌ على البقاء.

لذا؛ في المرة القادمة التي يقول لك أحدهم لديك ذاكرةٌ كالفيل، اعتبرها كإطراءٍ لك.


ترجمة: طارق برهوم
تدقيق: اسماعيل اليازجي
المصدر