للمرة الأولى علماء يوثقون طيورًا بريّة تتحدث مع البشر!


لقد وثق علماء الحيوان علاقة لا تصدق بين الطيور البرية في موزمبيق وشعوب الـ(ياو) المحلية، والذين اتحدوا سويّةً من أجل صيد العسل.

إن البشر والطيور المرشدة للعسل (Honeyguide Birds) قادرون على التواصل فيما بينهم، باستخدام سلسلة من النداءات والتغريدات، حيث تقود الطيور المرشدة للعسل الطريق إلى خلايا النحل المخفية وتتقاسم الغنائم مع أصدقائها البشر. إنها علاقة منفعة متبادلة جميلة للغاية! وهي معروفة هناك منذ أكثر من خمسمئة عام.

ولكن الآن -للمرة الأولى- أظهر فريق من الباحثين من كل من المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا أن البشر والطيور المرشدة للعسل يتواصل كلُّ منهما مع الآخر لتحقيق أكبر قدر من الفائدة من هذا التعاون.

ليس نادرًا بالنسبة لنا أن نكون قادرين على التواصل مع الطيور والحيوانات الأليفة المنزلية، إلا أنه من النادر والغريب أن يكون البشر قادرين على “الكلام والتحدث” مع الحيوانات البرية، والأكثر غرابة في هذا الأمر هو أن تستطيع تلك الحيوانات الرد على البشر من تلقاء نفسها! ومايثير الإعجاب أكثر هو أن تلك الطيور لم تتلقَّ أيَّ تدريب! لقد اختارت الطيور التعاون مع البشر من تلقاء نفسها.

تقول كلير سبوتيزوود (Claire Spottiswoode) قائدة البحث وأخصائية في سلوك الطيور في كل من جامعة كامبردج وجامعة كيب تاون: «الأمر الرائع في هذه العلاقة بين البشر والطيور المرشدة للعسل هو أنها علاقة مباشرة بين كائنات حية برية وطليقة مع الإنسان، والتي من المحتمل أن تكون قد تطورت من خلال الانتخاب الطبيعي عبر مئات الآلاف من السنين».

تنتشر هذه الطيور المرشدة للعسل بشكل واسع في جنوب الصحراء الإفريقية، وقد تم توثيق عدة جماعات بشرية مختلفة تتعاون مع تلك الطيور من أجل الوصول إلى أعشاش النحل المخفية في أعالي الشجار.

تحب هذه الطيور التهام أقراص الشمع الموجود داخل أعشاش النحل، ولكنها لا تستطيع فتحه من تلقاء نفسها والمخاطرة بأن تتعرض للسعات النحل في إطار هذه العملية.

ولهذا تطلب مساعدة البشر الذين يبثون دخانًا من أجل طرد النحل ثم يقومون بفتح العش، وأخذ العسل، ويتركون الشمع وليمةً شهيةً للطيور.
وفقًا لدراسات سابقة، فإن هذه العلاقة متبادلة في كلا الاتجاهين، ففي بعض الأحيان تتجسس الطيور وتجد خلية نحل من تلقاء نفسها، وسرعان ما تجد شخصًا قريبًا عن طريق إطلاق تغريدات خاصة للفت انتباه البشر.

وفي أحيان أخرى، يقوم أحد صائدي العسل من مجتمع قبائل الياو بتلمس المساعدة من الطيور المرشدة للعسل القريبة منه عن طريق لفت انتباهها ومناداتها بنداء خاص وفريد لتأتي إليه.

نداء الطيور هذا تعلمه أبناء شعوب الياو من جيل إلى آخر، وهو يبدو هكذا تقريبًا “brr-hm”.

على الرغم من أن هذه العلاقة الجميلة قد تم توثيقها جيدًا، فإن كلير سبوتيزوود أرادت أن تكتشف بدقة فيما إذا كان البشر والطيور يعملون سويةً من أجل هدفهم، وما إذا كان نداء ال “برر-هم” الذي يقوم به البشر يحدث بالفعل فرقًا لدى الطيور.

وللقيام بذلك طلبت من عدة أفراد من مجتمع الياو الذهاب لاصطياد العسل، ولكن هذه المرة كان يجب عليهم استخدام ثلاثة أصوات مختلفة لمناداة الطيور وهي:
نداء “برر-هم” التقليدي، وكلمة عشوائية من لغة الياو، ونداء ثالث لا معنى له عندهم.

واحد من تلك النداءات الثلاثة تم تكراره كل سبع ثواني عن طريق مكبر صوت محمول باليد، بينما كان الرجال صائدو العسل يمشون ويبحثون عن الطيور المرشدة، وقد كانت النتائج ملفتة للنظر بشكل كبير.

تقول سبوتيزوود: «إن نداء “برر-هم” التقليدي زاد من استجابة الطيور من 33% إلى 66% وأيضًا زاد احتمال العثور على خلية نحل بمساعدة الطيور من 16% إلى 54% مقارنةً بالأصوات التي تم إطلاقها بمكبر الصوت». وبعبارة أخرى، فإن نداء “برر-هم” البشري قد زاد الفرصة بمقدار ثلاثة أضعاف لنجاح التعاون بين البشر والطيور وحصول البشر على العسل، والطيور على الشمع.

أكدت سبوتيزوود وفريقها الذين نشروا نتائج أبحاثهم في مجلة (Science) على أن هذا التواصل بين البشر صائدي العسل والطيور المرشدة للعسل هو تواصل واعٍ تمامًا.
ويكتب الفريق: «تشير هذه النتائج إلى أن الحيوانات البرية تفهم نداءات البشر بشكل صحيح، وتستجيب لها بشكل مناسب من أجل التعاون سويةً لتأمين الطعام. هذا السلوك الذي اعتقد وجوده سابقًا مع الحيوانات المنزلية فقط، مثل الكلاب».

ووفقًا للباحثين، فإن العلاقة التعاونية الأخرى المعروفة بين الحيوانات البرية والبشر في العالم هي تلك التي توجد بين الصيادين والدلافين المحلية في البرازيل حيث يطلب من الدلافين أن توجه قطعان الأسماك باتجاه الصيادين.

سبوتيزوود الآن مفتونة بمعرفة الكيفية التي تطورت بها هذه العلاقة الساحرة بين الطيور والبشر، كيف مررها كلا النوعين إلى الأجيال اللاحقة.

وهذا الأمر معقد بعض الشيء، لأن الطيور المرشدة للعسل تتشابه مع طيور الوقواق (Cuckoo) والتي تضع بيضها في أعشاش الطيور الأخرى، ويتم تربيتها من قبل أنواع أخرى، فتكبر فراخها ولا تستطيع الطيور المرشدة للعسل تعليمها لغة التواصل مع البشر.

أمّا بالنسبة للبشر، فيكون التواصل مع الطيور سهلًا جدًا، فنداء “برر-هم” نداء بسيط يتعلمه حتى الأطفال الصغار في قبائل الياو. والأمر المدهش للغاية أن يستخدم البشر في أماكن أخرى من إفريقيا نداءاتٍ أخرى تفهمها طيور تلك المنطقة!

وتضيف سبوتيزوود قائلة: «الناس في أماكن أخرى يستعملون أصواتًا مختلفة لتحقيق الهدف نفسه، فعلى سبيل المثال، لقد أظهر عمل زميلنا برايان وود (Brian Wood) أن شعوب الهادزا الصائدة للعسل تستعمل أصوات أشبه بالصفير الرخيم من أجل استدعاء الطيور المرشدة للعسل».

وتضيف: «نود أن نعرف ما إذا كانت الطيور المرشدة للعسل تعلم بخصوص هذه الاختلافات في أشباه اللغات التي يتواصل بها السكان المحليون والطيور في إفريقيا من أجل تحقيق هذا التعاون اللطيف».


إعداد: ضياء عكيل
تدقيق: سيلڤا خزعل
المصدر