حكم سرجون العظيم -أحد أوائل من بنوا الإمبراطوريات- حضارةً كانت تُسمى الإمبراطورية الأكادية التي تألفت إلى حد كبير من بلاد الرافدين القديمة بعد غزوه لسومر جنوب بلاد الرافدين وأجزاء من سورية أيضًا والأناضول (تركيا) وعيلام (جنوبي إيران) من عام 2334 إلى 2279 قبل الميلاد تقريبًا.

تميَّزت إمبراطوريته بإنشائها أول كيان سياسي يمتلك حكومةً بيروقراطية -هي حكومة تتركز فيها السلطة بأيدي مجموعة من الموظفين الإداريين وتُسمى دواوينية أيضًا- لإدارة أراضيها القصيَّة وسكانها المتنوعين ثقافيًا.

حيات سرجون الباكرة:

لا نعرف شيئًا تقريبًا عن حياة سرجون الباكرة؛ فلا يوجد تاريخ لولادته، وتاريخ حكمه تقريبي، وافترض الباحثون سنة وفاته بنهاية حكمه عام 2279 قبل الميلاد. واسمه عند ولادته غير معروف؛ إذ تبنى اسم سرجون لاحقًا.

مع أن اسمه كان من بين أكثر الأسماء شهرةً في العصور القديمة، فلم يعلم العالم الحديث شيئًا عنه حتى عام 1870، عندما نشر السير هنري رولينسون -ضابط في الجيش البريطاني وباحث في شئون المشرق- «أسطورة سرجون» التي وجدها في مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال بينما كان ينقب عن مدينة نينوى القديمة في بلاد الرافدين عام 1867.

عرضت «أسطورة سرجون» المنقوشة على لوح طيني بالخط المسماري سيرة حياته، مع أنها غالبًا ما وُصفت بأنها جزءًا من الفولكلور الشعبي. نقرأ في جزء منها:

«كانت أمي طفلةً مُستبدَلة، ولم أعرف والدي. حملت أمي بي سرًا، وولدتني بالخفاء، ووضعتني في سلة من القصب، وأغلقت الغطاء بالقطران. ألقتني في النهر وحملتني المياه إلى عكي وهو جالب المياه. حملني خارج المياه بينما كان يملأ جرته من النهر، ورباني مثل ابنه، وجعلني البستاني عنده».

قيل عن والدة سرجون إنها كانت كاهنةً في بلدة على نهر الفرات، وربما كانت في طائفة أو جماعة من البغايا المقدسات لم تستطع الاحتفاظ بطفلها. رست والدته على اختيار مشابه بصورةٍ ملفتة للنظر مع اختيار والدة النبي موسى، لكن من المفترض أن أبحرت سلة ابنها في نهر الفرات بدلًا من نهر النيل. التقط بستاني يعمل لدى الملك أور-زابابا، ملك كيش -وهي مدينة مدفونة على جزيرة كيش مقابل ساحل إيران- المؤسس المستقبلي للإمبراطورية الأكادية.

الإمبراطور سرجون الأكادي: معلومات وحقائق - الإمبراطورية الأكادية التي تألفت إلى حد كبير من بلاد الرافدين القديمة بعد غزوه لسومر

صعوده للسلطة:

أصبح سرجون أخيرًا ساقيًا عند أور-زابابا، وهو خادمٌ يجلب النبيذ للملك، وخدمه أيضًا بوصفه مستشارًا موثوقًا. لأسباب مجهولة شعر الملك بالتهديد من جانب سرجون وحاول التخلص منه، وجاءت الفرصة عندما أتى لوغال زاجي سي حاكم أوما -مدينة قديمة في جنوب العراق حاليًا، الذي هزم عدة دول في سومر وأحكم سيطرته عليها- ليحتل كيش بعدها؛ فأرسل أور-زابابا سَرجون ليسلم الملك لوحًا طينيًا من المفترض أن عرض سلامٍ نُقِش عليه، إلا أن اللوح احتوى رسالةً يطلب فيها أور-زابابا من لوغال زاجي سي أن يقتل سرجون. وبطريقة ما فشلت المؤامرة وطلب الملك السومري من سرجون أن ينضم لحملته على المدينة.

هزم سرجون ولوغال زاجي سي كيش وخلعوا أور-زابابا عن الحكم، لكن وبعد فترة وجيزة انهارت العلاقة بين لوغال زاجي سي وسرجون؛ إذ تشير بعض الروايات إلى أن سرجون أقام علاقةً جنسيةً مع زوجة لوغال زاجي سي. كيفما كان الأمر، فإن سَرجون استولى على أوروك -وهي أرض قديمة في جنوب بلاد الرافدين- من لوغال زاجي سي، ثم هزمه في معركة عند كيش.

توسيع أرضه:

سيطرت أوروك على جزء كبير من سومر، لذلك ومع تراجع كلٍ من أور-زابابا ولوغال زاجي سي، كان سرجون الحاكم الجديد لمنطقة سيطلق منها حملاته العسكرية ويوسِّع حدود إمبراطوريته. لكنه أراد أيضًا الحفاظ على أراضيه تحت سلطته، لهذا السبب أسس حكومةً بيروقراطية ذات كفاءة وفعالية تقوم على وضع رجال موثوقين في كل مدينة سومرية ليحكموها باسم سرجون.

في تلك الأثناء وسّع سرجون حدود إمبراطوريته، فهزم العيلاميين في الشرق الذين سكنوا ما يُعرَف اليوم بغربي إيران. أما غربًا فاحتل سرجون أجزاء من سورية والأناضول، وأسس عاصمته أكاد قرب كيش، ليصبح أول ملك من الأسرة الأكادية. لم يُعثر قط على المدينة التي أخذت الإمبراطورية اسمها منها.

هزم سرجون دول أور وأوما ولجاش القريبة، وطوَّر إمبراطوريةً تقوم على التجارة بتوحيده الطرق والنظام البريدي.

جعل سَرجون ابنته إينهدونا كاهنةً عليا للإله نانا وهو إله القمر لدى مدينة أور. كانت أيضًا شاعرةً وتُعَد أول مؤلفة معروفة بالاسم ويعود الفضل لها في تأليف نماذج للشعر والترانيم والصلوات المستخدمة في جميع أنحاء العالم القديم التي قادت إلى أنواع أدبية معروفة ومألوفة في الوقت الحاضر.

موت سرجون:

قيل إن سرجون العظيم توفي بأسباب طبيعية نحو عام 2279 قبل الميلاد، وخلفه ابنه ريموش في الحكم.

الإرث:

دامت إمبراطورية سرجون الأكادي قرابة القرن ونصف القرن، وانتهت عندما حلَّت مكانها سلالة غوتيان من سومر خلال القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد. تجلّت إحدى نتائج فتوحات سرجون في تسهيل التجارة؛ فقد سيطر على غابات الأرز في لبنان ومناجم الفضة في الأناضول التي وفرت له مواد خام قيِّمة للتجارة مع وادي السند ومع حضارات في عمان وأخرى ممتدة على طول الخليج أيضًا.

كانت الإمبراطورية الأكادية أول كيان سياسي يستفيد استفادةً كاملةً من الحكم البيروقراطي والإدارة على نطاق واسع، فقد حددت المعايير الواجب توافرها في الحكام والممالك المستقبلية. طوَّر الأكاديون أول نظام بريدي وبنوا الطرق وحسَّنوا أنظمة الري ودعموا الفنون والعلوم.

يُذكَر عن سرجون أيضًا إنشاؤه مجتمعًا يحمي أفراده الضعفاء. تشير القصص إلى أنه في أثناء عهده لم يكن هناك أحد في سومر يستجدي من أجل الطعام وكان اليتامى والأرامل محميين.

في أثناء حكمه كانت التمردات شائعة، ومع ذلك ومثلما ذكرت التقارير قوله إن أعدائه «واجهوا أسدًا ذا أنياب ومخالب». لم يُبجّل سرجون العظيم كبطلٍ بدأ من بدايات متواضعة وحاز السلطة لينقذ شعبه، بل لأن إمبراطوريته عُدَّت عصرًا ذهبيًا إذا ما قُورنَت بالإمبراطوريات التي تبعتها.

اقرأ أيضًا:

بابل.. قصة مملكة من النهوض حتى الاندثار

الحضارة السومرية

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: حسام التهامي

المصدر