في عام 2016 اكتُشف شيء غير متوقِّع بالمرة في أثناء عمل المركبة كيريوسيتي-Curiosity داخل فوهة جيل-Gale على الكوكب الأحمر، إذ عثرت المركبة على كميات كبيرة من معدن تريديميت-Tridymite النادر-على الأقل هنا على كوكبنا- على سفح جبل شارب، حيث كانت تُجري بحثها.

يُعد هذا المعدن شكلاً من أشكال الكوارتز، لكنه يتشكل تحت ظروف استثنائية وضغط كبير، مثلما يحدث داخل الصهارة.

وعلى الرغم مما يملكه المريخ من ماض عظيم للنشاطات البركانية البازلتية في مناطق متعددة، فإن فوهة جيل بالتحديد ليست من ضمن تلك المناطق، ما جعل العلماء في حيرةٍ من أمرهم، وجاهلين بطريقة تكوّن المعدن في تلك الفوهة؛ التي كانت مملؤةً بالماء فيما مضى.

يبدو أن فريقًا من العلماء من جامعة أريزونا، بقيادة عالم الكواكب فاليري بايره، قد توصلوا إلى حل اللغز؛ فقد يكون مصدر التريديميت انفجارًا بركانيًا وحيدًا حدث قبل قرابة 3 إلى 3.7 بليون عام.

تقول عالمة جيولوجيا المريخ كرستين سايباخ من جامعة رايس-Rice: «يعدّ اكتشاف مركبة كيريوسيتي لمعدن التريديميت في الحجارة الطينية داخل فوهة جيل، من أكثر الاكتشافات التي حققتها المركبة إثارةً للدهشة، خلال عشر سنوات من عملها في استكشاف المريخ. يرتبط ظهور التريديميت على الأرض بالبراكين الكبيرة المتفجرة المكوّنةِ للكوارتز، لكننا عثرنا عليه في قاع بحيرة قديمة على المريخ حيث تكون معظم البراكين بدائيةً جدًا».

استخدم العلماء وسيلتين لحل ذلك اللغز، في ظلّ غياب قدرتهم على زيارة المريخ؛ الأولى: هي دراسة ترسبات التريديميت على الأرض. والثانية: هي المعلومات التي وصلتهم من عينات المعدن؛ التي جمعتها المركبة من فوهة جيل وجبل شارب، وهو تلك القمة المرتفعة وسط الفوهة.

ماذا فعل الفريق البحثي بقيادة فاليري؟

في البداية، بحث الفريق بعناية في البيانات المتاحة عن جميع ترسبات التريديميت الموجودة على الأرض، وعن كيفية وظروف تشكّلها.

بعد ذلك، فحصوا المعلومات التي جمعتها كيريوسيتي حول تكوّن الطبقات الرسوبية لقاع البحيرة القديمة في فوهة جيل الجافة بالطبع في الوقت الحالي.

يتشكل التريديميت عند درجات حرارة أعلى من 870 درجة مئويةَ، ويتحول إلى حالة تسمى كريستوبالايت cristobalite عند درجة 1470 درجة مئوية. عُثر على كل من الحالتين داخل طبقة رسوبية واحدة من سفح جبل شارب.

عثرت أيضا كيريوسيتي على معدنَي فيلدسبار feldspar، وسيليكا الأوبالين -opaline silica، اللذين يوجدان في الأرض حول المناطق البركانية.

يقودنا وضع قطع الأحجية معًا إلى كشفٍ مذهل لوجود حوض من الصهارة تحت فوهة جيل، تكوّن قبل بلايين السنين.
يُقدّر العلماء أن هذا الحوض لبث تحت البحيرة فترة طويلة، أكثر من المعتاد، وطوال تلك المدة، تسبّب التبريد في حدوث عملية تسمى التبلور الجزئي؛ وهي عملية تفصل المعادن وتنتج المزيد من السيليكا.

في نهاية الأمر انفجر حوض الصهارة انفجارًا هائلاً، ونفث الرماد الذي يحتوي على السيليكا -في شكل التريديميت- لأعلى الغلاف الجوي، الذي سرعانَ ما نزل مع الأمطار في بحيرة فوهة جيل وما حولها.

يستطرد الفريق: «من المحتمل أن المياه فكّكت الرماد؛ الذي أنتج فيما بعد المركّبات الكيمائية، التي عثرت عليها كيريوسيتي».

تقول سايباخ: «إنه تحوّل مباشر للصخور البركانية الأخرى الموجودة في الفوهة».

إننا نطرح تلك الفرضية لأننا شاهدنا ذلك المعدن مرةً واحدةً، وكان موجودًا بتركيزٍ شديد في طبقة وحيدة، ومن المرجح أن البحيرة كانت موجودةً وقت ثوران البركان. على الرغم من أن العينة التي حللناها لم تكن رمادًا بركانيًا خالصًا، لكن الرماد تحلّل وترسّب بسبب المياه.

تقترح الدراسة أن الكوكب الأحمر ربما امتلك تاريخًا بركانيًا أكثر تعقيدًا مما نظن، ويرجع ذلك إلى انفجار السيليكا؛ الذي هو نوع معقّد من الثورات البركانية، تختلف عن الثورات البازلتية المنتشرة بكثرة على المريخ.

يقول الفريق أنّه يتعين على المهمّات القادمة للمريخ البحث عن أي آثار لبراكين من ذات النوع، للمساعدة في تحديد وقت الانفجار، والظروف المحيطة به، ومثلما كتب الفريق في ورقته البحثية: «المريخ ليس كوكبًا من الصخور البازلتية فحسب».

اقرأ أيضًا:

التلوث البشري وصل إلى سطح المريخ، وجوال برسفيرنس روفر يرصده

مسبار ناسا على سطح المريخ يعثر على جزيئات عضوية غير معروفة سابقًا

ترجمة: أحمد أسامة أبوحليمة

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر