بعد يومين من غزو ألمانيا لبولندا في سبتمبر 1939، أعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب على ألمانيا، واندلعت الحرب العالمية الثانية. عشرات البلدان التي كانت ما تزال تتعافى من مآسي الحرب العالمية الأولى حاولت البقاء على الحياد كي تتجنب الغزو وسفك الدماء.

لكن إعلان الحياد لم يساعد كثيرًا على عزل البلدان من الصراع إن كان مرغوبًا فيها جغرافيًا. يقول الدكتور ديفيد وولنر، الأستاذ بجامعة ماريست، مؤلف كتاب «آخر مئة يوم: فرانكلين د.روزفلت في الحرب والسلم»: «امتداد ساحل النرويج على بحر الشمال جعل منه منطقة ذات أهمية بالغة لبريطانيا العظمى وألمانيا، أدى ذلك إلى غزو ألمانيا للدنمارك والنرويج في أبريل 1940، وإلى قرار بريطانيا التدخل في المناطق الدنماركية من أيسلندا بعد فترة قصيرة».

ينطبق الأمر على بلدان أخرى، منها بلجيكا وهولندا، اللتان أعلنتا الحياد قبل الحرب العالمية الثانية. لكن هتلر لم يحفل بذلك إذ أمر قواته بغزو الدولتين جزءًا من هجومه على فرنسا في مايو 1940. اجتاح الاتحاد السوفيتي ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا في يونيو، ما مكن الزعيم السوفيتي ستالين من بسط سلطته، وفقًا لتفسير وولنر، وخلق حاجز بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا.

«باختصار، إن البقاء محايدًا في حرب تُواصل توسعها كان مستحيلًا عمليًا بالنسبة إلى هذه البلدان».

ظلت الولايات المتحدة، المحمية بمحيطين واسعين، على الحياد أكثر من عامين، وإن وجدت طرقًا أخرى لمساعدة الحلفاء. لكنها دخلت الحرب رسميًا بعد هجوم اليابان على ميناء بيرل هاربور في 7 ديسمبر 1941.

14 دولة فقط ظلت محايدة رسميًا طوال الحرب، هي السويد وسويسرا وإسبانيا والبرتغال وأيرلندا وتركيا واليمن والسعودية وأفغانستان، وأندورا وموناكو وليختنشتاين وسان مارينو والفاتيكان.

لكن حتى الدول التي استطاعت البقاء بمعزل عن الحرب مثل السويد وسويسرا، وجدت عراقيل في محاولتها البقاء على الحياد بسبب حدة الصراع. يضيف وولنر: «كان لهذه الدول دور في الحرب، ما زال غامضًا ومحل خلاف».

يساعد تقرير مهم صدر عام 1998 عن وزارة الخارجية الأمريكية على دحض فكرة وجود شكل من الحياد المبدئي، إذ يذكر التقرير أن البلدان المحايدة واصلت التجارة مع قوات المحور أو الحلفاء، وأرسلت جنودًا لتقديم المساعدة العسكرية، وسمحت لأحد الجانبين بالنفوذ على أراضيها.

كان الاكتشاف الأهم في التقرير أن النازيين اشتروا معدات حربية حساسة من دول محايدة بالفرنك السويسري، مستخدمين الذهب الذي استولوا عليه من البلدان المحتلة ومن ضحايا معسكرات الاعتقال. تضمنت هذه المعدات التنغستن من البرتغال وإسبانيا، وخام الحديد من السويد، والكرونيت من تركيا، وكلها بالغة الأهمية للمجهود الألماني الحربي.

ذكرت البلدان المحايدة خوفها من انتقام الألمان مسوغًا لاستمرار التجارة معهم، مع ذلك وجد التقرير أن العديد منها واصل التجارة مع ألمانيا حتى 1944، وواصلت سويسرا التجارة حتى نهاية الحرب في 1945.

يذكر التقرير أيضًا المساعدة العسكرية التي قدمتها البلدان «المحايدة». فإسبانيا، التي انتهت الحرب الأهلية فيها مباشرة قبل بدء الحرب العالمية الثانية، أرسلت جنودًا إلى الجبهة الروسية لمساعدة القوات الألمانية. وسمحت البرتغال للبريطانيين باستخدام قواعدها في جزر أزور.

وسمحت السويد للجنود الألمان بعبور أراضيها للوصول إلى فنلندا لمحاربة القوات السوفييتية، ولتسهيل احتلال النرويج، وقامت بحماية الناقلات الألمانية في البلطيق.

وقد تتضارب قرارات الدولة ذاتها وإجراءاتها. الأرجنتين مثلًا، كانت أكثر ميلًا للتبادل التجاري مع الحلفاء أكثر من المحور، مع أن قادتها زمن الحرب كانوا يميلون إلى الفاشية، وكانت مركزًا للأعمال المخابراتية والتهريب والبروباغندا التابعة للمحور، واشتبه فيها طويلًا كونها وجهة للممتلكات النازية المسروقة.

رغم هذه الإجراءات المتناقضة، قدمت الدول المحايدة اللجوء لـ 250 ألف يهودي فروا من المحرقة، وإن اختلفت كيفية تعامل كل بلد مع الأمر. كتب المؤلفون: «إن الأعمال الإنسانية وحتى البطولية غلبت على قساوة ولا مبالاة سياسات اللجوء زمن الحرب، وانعكست إيجابيًا على الحكومات التي قدمتها وشعوبها».

خلص التقرير إلى أن البلدان المحايدة استطاعت الحفاظ على وضعها نظرًا إلى تاريخها المميز وجغرافيتها وعلاقاتها السابقة مع أطراف الصراع، وتقاليدها التاريخية في الحياد كما في حالة السويد وسويسرا.

كل هذه الدول واجهت ضغوطًا من قوى الحلفاء والمحور، لكن تجاوبها اختلف اختلافًا ملحوظًا. جاء في التقرير: «باختصار لم يوجد حياد مطلق أو منضبط خلال الحرب العالمية الثانية».

اقرأ أيضًا:

يوم الهدنة: نهاية الحرب العالمية الأولى

ثمانية أحداث أدت إلى الحرب العالمية الأولى

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر