تتفاعل جزيئات الضوء المعروفة بالفوتونات مع الغلوونات عبر مجموعة من التقلبات الكمية، وهي الجزيئات التي تحافظ على ترابط البروتونات والنيوترونات معًا داخل النواة.

تولد تلك التفاعلات جزيئًا وسيطًا يضمحل بسرعة إلى جسيمي بايون مختلفين في الشحنة وعبر قياس زاوية ضرب البايونيين لجهاز (RHIC) يمكن للعلماء الحصول على معلومات مهمة حول الفوتونات واستخدام ذلك لرسم خريطة لترتيب الغلوونات داخل النواة بدقة أعلى من أي وقت مضى.

يشير جيمس دانيال براندنبورغ، الفيزيائي الذي عَمِل في مختبر بروكهافن والعضو في STAR والأستاذ المساعد في جامعة ولاية أوهايو إلى أن: «الطريقة المستخدمة في هذه التجربة تشبه الطريقة التي استخدمها الأطباء لفحص الدماغ وأجزاء أخرى من الجسم عبر التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني».

وبدلًا من النظر إلى داخل الجسم، تُستخدم هذه الطريقة لفحص الميزات بمقياس الفمتومتر، ما يعادل أربعة أجزاء من المليون من المتر، وهو حجم البروتون الفردي.

اكتشف علماء “STAR” غير الطبيعي، فقد لاحظوا نوعًا جديدًا تمامًا من التداخلات الكمية التي تجعل قياساتهم ممكنة، إذ لاحظوا أنه رغم أن الجسيمين الخارجيان لهما شحنة مختلفة وتركيب جزئيات مختلف، فإنهما يُظهران أنماط تداخل تشير إلى أن هذه الجسيمات متشابكة أو متزامنة مع بعضها.

قد يكون لهذا الاكتشاف الذي قام به الفيزيائي “بروكهافن” والمتعاون مع “زانج بو”، آثارًا أوسع وتتجاوز الهدف الطموح لرسم خرائط بناء المادة.

هذا الاكتشاف للتشابك بين الجسيمات غير المتشابهة من قبل علماء فيزياء “STAR”، قد يكون له العديد من التطبيقات العملية، إذ يعمل العديد من العلماء على تسخير خصائص التشابك؛ لإنشاء أدوات اتصال وأجهزة حاسوب أكثر قوة مما هو موجود اليوم.

وتلك الملاحظة التجريبية الأولى على الإطلاق للتشابك بين الجسيمات غير المتشابهة التي تختلف عن الملاحظات التي أجريت في الماضي، بما في ذلك تداخل أشعة الليزر ذات الأطوال الموجية المختلفة التي لوحظت بين الفوتونات أو الإلكترونات المتطابقة.

تسليط الضوء على الغلوونات

المصادم الأيوني الثقيل النسبي (RHIC) هو منشأة يديرها مكتب العلوم التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، إذ يمكن للفيزيائيين دراسة أصغر وحدات التكوين الأساسية للمادة، وهي الكواركات والغلونات التي تشكل البروتونات والنيوترونات.

يتحقق ذلك عن طريق تحطم نوى الذرات الثقيلة مثل الذهب الذي يسافر بسرعة قريبة من سرعة الضوء في اتجاهين متعاكسين حول المصادم.

يمكن لشدة هذه الاصطدامات أن تُذيب الحدود بين البروتونات الفردية والنيوترونات؛ ما يسمح للعلماء بدراسة الكواركات والغلوونات كما كانت موجودة في الكون المبكر قبل تشكل البروتونات والنيوترونات.

يهتم الفيزيائيون النوويون أيضًا بفهم سلوك الكواركات والغلوونات داخل الأنوية الذرية كما هي موجودة اليوم، لفهم القوة التي تربط هذه الجسيمات معًا بصورة أفضل.

يشير اكتشاف حديث باستخدام سحب الفوتونات التي تحيط بأيونات RHIC السريعة إلى طريقة لاستخدام جسيمات الضوء هذه؛ لاكتساب نظرة ثاقبة إلى البنية الداخلية للنواة.

الفكرة هي أنه في حالة مرور أيونين من الذهب عن قرب دون الاصطدام، يمكن للفوتونات المحيطة بأيون واحد أن تتحقق من البنية الداخلية للآخر.

أضاف زو: «أوضحنا أن تلك الفوتونات مستقطبة، مجالها الكهربائي يشع إلى الخارج من مركز الأيون، الآن نستخدم هذه الأداة، الضوء المستقطب؛ لتصوير النوى بفعالية بطاقة عالية».

تسمح طريقة التصوير الجديدة هذه للعلماء بدراسة سلوك الكواركات والغلوونات في النوى الذرية بطريقة أكثر تفصيلًا ودقة من أي وقت مضى.

توفر القدرة على قياس اتجاه استقطاب الفوتونات بدقة عالية مستوى جديدًا من الفهم حول توزيع الغلوونات داخل النوى، وكيف أنها تجمع اللبنات الأساسية للمادة معًا.

هذه الطريقة الجديدة للتصوير ثنائي الأبعاد لديها القدرة على تطوير فهمنا للفيزياء النووية بصورة كبيرة.

قال براندنبورغ: «جميع القياسات السابقة، التي لم نعرف فيها اتجاه الاستقطاب، قاست كثافة الغلوونات بمثابته متوسطًا -دالةً في المسافة من مركز النواة، هذه صورة ذات بعد واحد-».

كان هذا التناقض بين الحجم المقاس للنواة والحجم المتوقع بناءً على النماذج النظرية وقياسات توزيع الشحنة نتيجة مهمة.

يقترح أنه قد يكون هناك فهم أعمق يمكن اكتسابه حول سلوك وخصائص الكواركات والغلوونات داخل النوى الذرية.

قد تساعد الأبحاث الإضافية باستخدام هذه الطريقة الجديدة لتصوير النوى باستخدام الضوء المستقطب على إلقاء الضوء علي هذه الألغاز وحلها.

قال براندنبورغ: «باستخدام تقنية التصوير ثنائي الأبعاد، تمكنا من حل اللغز الذي دام 20 عامًا حول سبب حدوث ذلك».

تكشف القياسات الجديدة أن زخم وطاقة الفوتونات تؤثر في قياس توزيع الغلوون في النواة.

قد يؤدي هذا إلى صورة مشوهة للنواة إذا استُخدم اتجاه واحد فقط للقياس.

يمكن تجنب تأثيرات الفوتون عبر القياس في الاتجاه العرضي المتعامد مع حركة الفوتون، ما يوفر صورة أوضح وأكثر دقة لتوزيع الغلوون في النواة.

قال براندنبورغ: «الآن يمكن التقاط صورة والتمييز بين كثافة الغلوونات في زاوية معينة ونصف قطر».

أضاف: «الصور دقيقة جدًا، إذ يمكن البدء في رؤية الفرق بين مكان وجود البروتونات وأين تُوضَع النيوترونات داخل هذه النوى الكبيرة».

يقول العلماء إن الصور الجديدة تتطابق نوعيًا مع التوقعات النظرية باستخدام توزيع الغلوون، فضلًا عن قياسات توزيع الشحنة الكهربائية داخل النوى.

تفاصيل القياسات

يشير «اتجاه واحد» في الفقرة السابقة إلى اتجاه حركة الفوتونات.

في التجربة، يقيس الفيزيائيون توزيع الغلوون داخل النواة عبر النظر إلي تحلل جسيم يسمى rho، الذي ينتج عن تفاعل الفوتون والغلوون.

يعطي مجموع عزم الباونيين الناتج عن اضمحلال rho معلومات حول توزيع الغلوون وتأثير ضبابية الفوتون؛ لاستخراج توزيع الغلوون فقط.
يقيس العلماء الزاوية بين مسار إما +π أو π- ومسار rho، وكلما اقتربت تلك الزاوية من 90 درجة قلت ضبابية مسبار الفوتون.

عبر تتبع البيونات التي تأتي من جسيمات rho تتحرك في مجموعة من الزوايا والطاقات، يمكن للعلماء رسم خريطة لتوزيع الغلوون عبر النواة بأكملها.

لاحظ الفيزيائيون أن الدوال الموجية للجسيمات π+ وπ- كانت متشابكة، ما يعني أنها كانت متزامنة مع بعضها رغم كونها جسيمات مختلفة.

سمح هذا التشابك بملاحظة أنماط التداخل بين الجسيمين، ما أتاح بدوره للفيزيائيين قياس اتجاه استقطاب الفوتونات بدقة شديدة.

سمح لهم ذلك بإلقاء نظرة على توزيع الغلوون على طول اتجاه حركة الفوتون والعمودي عليه، ما أدى إلى تصوير ثنائي الأبعاد لتوزيع الغلوون في النواة وهو أكثر دقة بكثير من القياسات السابقة.

باختصار، يستخدم الفيزيائيون في RHIC الضوء المستقطب (الفوتونات)؛ لاستكشاف البنية الداخلية للنواة الذرية في أثناء مرورها ببعضها بسرعات عالية.

تتفاعل الفوتونات مع الغلوونات داخل النواة، منتجة جسيمين من rho يتحللان بسرعة إلى جسيمات π+ وπ-.

تتداخل الوظائف الموجية لهذه الجسيمات مع بعضها بطريقة تسمح للعلماء بقياس توزيع الغلوون في النواة.

أصبح التداخل ممكنًا عبر تشابك جسيمات π+ وπ- المشحونة، وهي ظاهرة تنفرد بها ميكانيكا الكم.

يوضح العلماء أن هذه الظاهرة ليست مثل التشابك، ما يعني وجود تفاعل مباشر بين جسيمي rho.

بدلًا من ذلك، ترتبط الدوال الموجية لـ π+ و π- من كل انحلال rho، ما يعني أن خصائصها مرتبطة ولكن ليس عبر التفاعل المباشر.

الارتباط هو نتيجة للمعلومات الكمومية لجزيئات rho الأصلية التي يُحتفظ بها في الدوال الموجية للجسيمات π+ و π-، ما يسمح للعلماء بملاحظة نمط التداخل ولاستخراج معلومات دقيقة حول توزيع الغلوون داخل النواة.

قال تشي يانغ، أحد المتعاونين مع STAR من جامعة شاندونغ في الصين: «لن نرى أي اتجاه متعلق باستقطاب الفوتون أو لن نكون قادرين على إجراء هذه القياسات الدقيقة».

القياسات المستقبلية في RHIC بجزيئات أثقل وأعمار مختلفة -وفي مصادم إلكترون أيون (EIC) الذي يُبنى في “بروكهيفن”- ستظهر توزيعات أكثر تفصيلًا للغلوونات داخل النوى وتختبر سيناريوهات أخرى محتملة للتداخل الكمي.

اقرأ أيضًا:

العثور على جسيمات غامضة يُعتقد أنها تشكلت بعد فترة وجيزة من الانفجار العظيم

ما الذي قد تكشفه التجربة الملحمية لمصادم الجسيمات في الولايات المتحدة؟

ترجمة: عبدالله محمد

تدقيق: تسبيح علي

المصدر