يعتقد (John Harris-جون هاريس) أستاذ في بيولوجيا الأخلاق في جامعة مانشستر في الولايات المتحدة، أن الحفاظ على الحياة وتأجيل نهايتها هما شيء واحد.

وباعتماد المنطق اكتشف هاريس أنه يوجد لدى العلماء التزام أخلاقي تجاه واجبهم بإطالة المدة التي قد يعيشها الإنسان أقصى ما استطاعوا حتى وإن اضطروا إلى خلق كائنات قد تحيا للأبد.

وقد قال هاريس لمجلة LiveScience: «الحفاظ على الحياة يعني تأجيل الموت إلى وقت آخر، كما قال: وبالتالي نحن ملتزمون تجاه إطالة الحياة إلى أجل غير مسمى لنفس الأسباب التي تدفعنا للحفاظ على الحياة».

ولكن قال (دانيال كالاهان) عالم بيولوجيا الأخلاق في مركز هايستسنغس في نيويورك، :«موت طفل وموت رجل مسن ليسا الشيء ذاته على الإطلاق، الأول سابق لأوانه في حين أن الآخر يأتي بعد أن يحيا الإنسان (آملًا) بحياةً طويلة جيدة».

يضيف: «موت الأشخاص المسنين أمرٌ محزن لأنهم يفقدوننا ونفقدهم إلا أنه ليس مأساويًا، لا يمكن للشخص أن يقول بأن هذا الكون مختل ويصعب العيش فيه لأن الأشخاص يموتون بسبب الشيخوخة».

هذه واحدة من العديد من الجدالات الأخلاقية التي ظهرت بسبب سعي المختبرات حول العالم لتحقيق الحلم بالخلود أو على الأقل إطالة الحياة لما يتعدى القرن.

ومن المناقشات الأخرى:

  •  هل سيحظى الجميع بفرصة الشرب من نافورة الشباب؟
  •  إن عاش الناس لفترة أطول ولكنهم كانوا بائسين لعقود، هل ستتغير وجهات النظر حيال الانتحار والموت الرحيم؟
  •  كيف سيتم فسح المجال للأجيال الجديدة في مجتمع خالد؟

عالَم يبلغ من العمر 112 عامًايبلغ متوسط العمر المتوقع للمواطن الأمريكي 77.6 عامًا.

وقد قال معظم الخبراء إن إطالة فترة الحياة ستكون عملية تدريجية ولكن واعدة.

وقد أشارت دراسة أجريت من قبل الباحث في علم السكان بجامعة شيكاغو (Jay Olshansky-جاي أولشانسكي) وزملاؤه عام 1990 إلى أنه حتى لو انخفض خطر الوفاة الناجمة عن السرطان في الولايات المتحدة إلى الصفر، فإن متوسط العمر المتوقع سيزيد بمقدار 2.7 سنة فقط.

وقال الباحثون إنه إذا تم القضاء على المخاطر الناجمة عن أمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري، فإن العمر المتوقع سيزداد بمقدار 14 سنة أخرى.

وفي المقابل، أظهرت تجارب متكررة أن القوارض التي كانت سعرات غذائها الحرارية أقل بمقدار 40 سعرة ستعيش أطول بمقدار 40 في المئة.

ولأسباب غير واضحة، فإن هذا النظام الذي يعتمد على (الحد من السعرات الحرارية) يؤجل حدوث العديد من الأمراض التنكسية المرتبطة بالشيخوخة.

إن كان بالإمكان تكرار هذه الآثار لدى البشر فإن متوسط العمر الذي يمكن أن يعيشه الإنسان سيصبح 112 عامًا أو يمكن أن يمتد إلى 140 عامًا، هذا ما قاله (Richard Miller-ريتشارد ميللر) عالم الأمراض الذي قام بأبحاث الشيخوخة في جامعة ميشيغان.

الحقيقة الأخلاقيةعلاوةً على ذلك، إن كانت تجارب القوارض حقيقة فإن كبار السن في المستقبل سيكونون أفضل حالًا حيث سيصبح ذو الـ 90 عامًا مماثل لمن هو في الخمسين حاليًا من الناحية البدنية والعقلية.

ولهذه الأسباب يعتقد ميللر أن أبحاث الشيخوخة ذات فائدة أكبر على الصحة العامة من مجرد محاولة علاج الامراض كل على حدى.

كما يقول ميللر لمجلة LiveScience: «إن كنت مهتمًا حقًا برفع المستوى الصحي العام فإن أبحاث الشيخوخة أسرع وأقل تكلفة من محاولة التغلب على المرض في وقت واحد».

يقول هاريس عالم البيولوجيا الأخلاقية في جامعة مانشستر:«إن كانت إطالة فترة الحياة تحسّن الصحة كما تقترح التجارب التي أجريت على الحيوانات فإن الحجة ضد الاعتراضات على أبحاث الشيخوخة لكونها غير أخلاقية قد أصبحت أقوى».

ويضيف:«هناك تساؤل وحيد، هل يجب أن نجعل البشر خالدين؟ والإجابة هي النفي.

ومن المهم أيضًا أن نتساءل بأنه هل ينبغي علينا جعل البشر ممنعين ضد أمراض القلب، السرطان والخرف والعديد من الأمراض الأخرى أم لا؟».

وحتى إن قررت الإنسانية فسح المجال لأبحاث الشيخوخة على أرضية أخلاقية، فلا يزال هناك قضايا أخلاقية شائكة أخرى، وفي مقدمتها الظلم الاجتماعي.

من سيكون لديه حق الوصول؟ويتفق جميع العلماء والأخلاقيين على أنه من المرجح أن تكون تكنولوجيا إطالة الحياة مكلفة جدًا عند بداية تطويرها لذا لن يتمكن سوى عدد قليل من الأفراد الأثرياء من تحملها ومن الممكن أن تصبح الفوارق بين الأغنياء والأثرياء أكثر وضوحًا.

وقال النقّاد إن عدد المحظوظين الذين يستطيعون تحمل تكاليف العلاج لن يحظوا بحياة أطول فحسب، بل بالمزيد من الفرص لتجميع الثروة أو السلطة السياسية والسيطرة على المؤسسات الاقتصادية و حتى الثقافية.

ويشير هاريس على أية حال إلى أن العالم مليء مسبقًا بهذا النوع من المظالم، فمتوسط العمر المتوقع للناس في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يبلغ نحو 78 عاما، أما متوسط العمر في بوتسوانا 34 سنة فقط، حيث تصنّف واحدة من أعلى معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية في أفريقيا.

وفي إثيوبيا، حيث تكون الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية أقل انتشارًا بكثير، يبلغ العمر المتوقع 49 عامًا.

كما أن البلدان المتقدمة قادرة على الحصول على أدوية وإجراءات الحفاظ على الحياة كزرع الأعضاء بعكس البلدان الفقيرة الغير قادرة على ذلك.

ولكن الأمريكيين لا يعتبرون أنفسهم أشرارًا فعليًا لكونهم قادرين على القيام بزرع الكلية في حين أن الناس في البلدان الأخرى غير قادرة على ذلك.

ويقول هاريس أنه بالمثل أيضًا فليس لمجرد أن الأثرياء يستطيعون الحصول على تكنولوجيا إطالة الحياة بعكس غيرهم ينبغي علينا منعها.

بسبب أن منع علاجات إطالة الحياة عن مجموعة من البشر لن ينقذ الأخرى.

ثانيًا، أغلب الوسائل التكنولوجية تكون مكلفة في البداية ثم تصبح أرخص وأكثر انتشارًا مع مرور الوقت.

وقال هاريس لمجلة LiveScience: « قد يكون للظلم ما يبرره على المدى القصير لأن ذلك هو السبيل الوحيد للانتقال إلى وضع يمكن فيه تحقيق قدر أكبر من العدالة، هذا يُطبّق على جميع التكنولوجيات».

قرون العذاب

يقول الأخلاقيون :«هناك شيء آخر ينبغي مراعاته وهو أن العمر الطويل له بعض التأثيرات على بعض من قيمنا العزيزة» فعلى سبيل المثال، تُعتبر الحياة في الولايات المتحدة حقًا يملكه كل شخص وكل من الانتحار والموت الرحيم يعتبران أمرًا غير مقبول اجتماعيًا وثقافيًا.

ولكن ينبغي إعادة النظر في هذا الشأن في عالم تقاس فيه الحيوات بالقرون والألفيات وليس بالعقود.

لسبب واحد وحسب، وهو أن الخلود لا يعني أنك ستصبح لا تقهر، فالحروب والأمراض ستظل قاتلة، والسكتات الدماغية ستبقى مشوهة، والاكتئاب سيظل قادرًا على تعكير صفو الرغبة في الحياة.

مسألة متى سيصبح مقبولًا للأشخاص (إن حصل على الإطلاق) أن يقوموا بإنهاء حياتهم أو أن يقوم شخص بإنهائها لازالت موضع نقاش شرس.

سوف تصبح الإجابة أكثر أهمية إذا كنا سنصبح مدينين للشخص ليس فقط بسنوات، ولكن بعقود أو قرون من العذاب عندما نخبره بأنه يجب أن يعيش.

تطهير الأجيالبالإضافة إلى ذلك، الأرض قادرة على تحمل أعدادًا كبيرة من الناس ولكن إن عاش الجميع لفترة أطول فينبغي أن يصبح هناك فروقات بين توالد الأجيال لتجنب الازدحام السكاني.

ويقول هاريس إن المجتمع قد يحتاج إلى اللجوء إلى نوع من (تطهير الأجيال)، وهو أمر سيكون من الصعب تبريره.

سيضطر البشر إلى اتخاذ قرار جماعي بتحديد معدل حياة وسطي منطقي لأن يعيشه الجيل ومن ثم ضمان وفاة الأشخاص عند استنفاذهم هذه المدة.

وقال هاريس أن مثل هذه الاجراءات ستتطلب تحولات جذرية في مواقفنا حول الانتحار والقتل الرحيم، سوف ينبغي على البشر إما أن يتوقفوا عن التفكير في أن إنقاذ الحياة أمر مهم أو أن يتوقفوا عن الاعتقاد بأنه هناك شيء خاطئ في التحدث عن الموت عند نقطة معينة.

كما يقول هاريس: «لقد نشأنا مع مجموعة من التوقعات حيال الحياة والموت وفي حال تغيرت هذه التوقعات فإن الكثير من الأمور سوف تتغير في المقابل».


  • ترجمة: رغد القطلبي
  • تدقيق: أسمى شعبان
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر