الذين يعانون من الأرق والمسافرون حول العالم يستخدمون الميلاتونين، وهو هرمون يضبط ساعة الجسم الداخلية، ليساعدهم في النوم والحصول على استراحة. والآن، أظهرت دراسة حديثة بأن «هرمون النوم» قد يساعد في حالات التصلب اللويحي، وهو مرض عصبي موهن يتحول سريعًا من حالة سكون إلى حالة انتكاس تبقى لعدة أيام، أشهر، أو حتى سنوات.

التصلب اللويحي مرض نادر تقوم فيه خلايا الجسم المناعية بمهاجمة الأعصاب عبر التهام الطبقة الدهنية الواقية. هذه الطبقة «الغمد المايليني» (myelin sheath) تعزل القسم من الخلية العصبية الذي ينقل الإشارات مثلما يحمي البلاستيك أسلاك التلفون. عند مرضى التصلب اللويحي، يعيق الغمد المايليني المتضرر التواصل بين كل خلية وأخرى، مما يقضي على البصر والتوازن والتنسيق العضلي ويضعف التفكير والذاكرة. السبب الجذري للتصلب اللويحي غير معروف بعد، ويعتقد الباحثون بأن العوامل البيئية كانخفاض الفيتامين د، والسمنة، والإصابات الفيروسية قد يكون لها دور.

التغير في الفصول قد يكون أحد العوامل البيئية الأخرى. موريكيو فارز (Maurico Farez)، عالم أعصاب في Raul Carrea Institute for Neurological Research في بيونس آيرس، وزملاؤه اعتقدوا بذلك عندما لاحظوا أن تهيجات التصلب اللويحي كانت أقل خلال فصلي الخريف والشتاء -وهو وقت في السنة يصل فيه إنتاج الميلاتونين إلى القمة.

إن مستويات الميلاتونين تعتمد على التعرض لضوء الشمس، لذلك فالتغيرات الموسمية تسبب تغييرًا في مستويات الهرمون؛ القليل من ضوء الشمس في الخريف والشتاء يزيد من مستوى الميلاتونين، بينما المزيد منه خلال الربيع والصيف يخفض نسبته.

لاختبار التأثير «الموسمي» للميلاتونين على مرضى التصلب اللويحي، قام الباحثون بمراقبة ١٣٩ مصابًا بالتصلب اللويحي لمدة سنة، وقاموا بتتبع الانتكاسات ومستويات جزيء صغير في الميلاتونين يدعى 6-SM. لقد وجدوا بأن خلال الخريف والشتاء كانت انتكاسات المرضى أقل بنسبة ٢٣٪ من باقي السنة حيث تنخفض طبيعيًا نسبة الميلاتونين.

بسبب الاعتقاد بأن الجهاز المناعي يلعب دورًت كبيرًا، افترض العلماء أن الزيادة في الميلاتونين أدت إلى زيادة في الأجسام الدفاعية المعروفة بخلايا T التنظيمية، والتي تعمل عبر إفراز بروتينات وقائية تبقي الخلايا المناعية تحت السيطرة. في نفس الوقت، يقوم الميلاتونين بتفعيل بروتين يوقف إنتاج خلايا T المضرة. استطاع العلماء تأكيد نظريتهم عبر الفئران: عندما أعطوا جرعات ميلاتونين للفئران، زاد انتاج خلايا T الوقائية وانخفضت تركيز الخلايا المضرة. وقد رأى العلماء نتائج مشابهة في الخلايا البشرية في المختبر. يقول فرانسيسكو كوينتانا (Francisco Quintana)، عالم أعصاب في Ann Romney Center for Neurological Diseases: «إن بحثنا يفسر شيئًا لم يكن معروفًا من قبل، حيث يتأثر التصلب اللويحي بالمحيط».

ومع أن نتائج البحث كانت خطوة في الاتجاه الصحيح، فالرابط بين الميلاتونين والجهاز المناعي ما زال ينقص بعض التفاصيل المهمة. مثلًا، ما زال الباحثون بحاجة للإشارة كيف تقوم خلايا T المساعدة بحماية الغمد المايليني من الهجمات المناعية المضللة. يقول فارز بأنه وزملاؤه يخططون لاكتشاف هذه العملية أكثر في المستقبل.

ولكن بعض الباحثين يحذرون من الاستغراق في آلية واحدة لمرض معقد جدًا. يقول لورنس ستاينم (Lawrence Steinman)، عالم أعصاب مختص في التصلب اللويحي في جامعة ستانفورد في Palo Alto: «إن هذه المجموعة متحمسة جدًا لدور الخلايا المضرة، خلايا T المساعدة 17 (Th17)، وأنا أيضًا كذلك، ولكن هذا جانب واحد من القصة».

إن الأبحاث السريرية المتابعة يجب أن تستهدف شريحةً أوسع وأكثر شمولًا، بحسب الخبراء. إن الدراسة الحالية تضمنت مرضى من بيونس آيرس فقط. يقول فارز بأن شريحة جغرافية أوسع مهمة للتأكد من أن الميلاتونين لديه نفس الأثر على المرضى في أماكن تختلف فيها نسبة ضوء الشمس في الفصول.

إن القلق الرئيسي للفريق الباحث ليس تجارب البحث، بل بأثر نشر بحث كهذا. فالميلاتونين متاح بدون وصفة لعلاج اضطراب النوم، وهم قلقون من استخدام مرضى التصلب اللويحي الهرمون كمكمل علاجي. يقول فارز: «لا نريد من المرضى رؤية البحث وإساءة فهم النتائج»، ويضيف: «إنها دراسة متقنة، والمعطيات رائعة، ولكن ما زلنا بحاجة للكثير من العمل».


 

المصدر