يُشير اسم طروادة إلى أسطورةٍ وإلى موقعٍ أثريّ، طروادةُ الأسطورة كانت محاصرةً لمدة عشر سنوات من قبل جيشٍ يونانيّ، الذي غزاها في النهاية بقيادة الملك أغاممنون حسب قصيدة (الإلياذة – Iliad) للكاتب اليونانيّ هوميروس.

وإن ما أشعل هذه الحرب هو اختطاف الملكة هيلين من أسبرطة من قبل باريس ابن ملك طروادة برايام.

على طول الإلياذة تظهر الآلهة وهي تتدخل بشكلٍ مستمرٍ ومتواصلٍ لدعم شخصيات طرفي النزاع، وبالنسبة للموقع الأثريّ تقع المدينة القديمة طروادة على الساحل الشمالي الغربي لتركيا، ويُعرف منذ العصور القديمة على أنه الموقع الحقيقيُّ الذي تتحدث عنه الأسطورة؛ إلا أن ذلك ما يزال موضع شكٍّ ونقاشٍ؛ لأن الاسم التركيَّ لهذا الموقع اليوم هو (هيسارليك – Hisarlik).

تعود هذه الفكرة إلى حوالي 2700 سنة عندما احتل اليونانيون ساحل تركيا الغربي، وفي القرن التاسع عشر أُعيد إحياؤها عندما أجرى رجل الأعمال وعالم الآثار الألماني (هاينريش شليمان – Heinrich Schliemann) سلسلةً من عمليات التنقيب في الموقع، ووجد بعض الكنوز التي ادّعى أنها تعود للملك برايام.

طروادة في الأساطير اليونانية

يُعتقد أن حرب طروادة حدثت في وقتٍ قريبٍ من نهاية العصر البرونزي (حوالي أو قبل 1200 قبل الميلاد)، في زمن ازدهار الحضارة (الميسينية – Mycenaean) في اليونان، إذ بنوا القصور وطوروا نظام الكتابة، ولكن يأتي أقدم ذكرٍ لهذه الحرب من هوميروس الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد؛ أي بعد الحادثة بعدة قرون، ويبدو أنها لم تُكتب إلا بعد فترة القرن السادس قبل الميلاد عندما حكم أثينا طاغية اسمه (بيسيستراتوس – Peisistratus).

الإلياذة تتحدث عن سلسلةٍ من الأحداث التي وقعت خلال بضعة أسابيع بعد عشر سنواتٍ من حصار طروادة، وتوضح القصة أثر الحصار على الجيش اليونانيّ الذي أُرسل لاستعادة هيلين: »فسدت أخشاب سفننا، وانقطع التواصل مع زوجاتنا البعيدات، وأطفالنا الصغار « -الإلياذة-.

وشكّلت الحرب مأزقًا إذ لا يستطيع الإغريق السيطرة على المدينة، ولا يستطيع أبناء طروادة دفعهم للتراجع نحو البحر، »نحن أبناء أكايا نفوق أهل طروادة عددًا، ولكن هناك شركاء من مدنٍ أخرى، ورماحهم جاهزة دائمًا للمساعدة« -الإلياذة-.

في القصيدة عددٌ من الأحداث الرئيسية، من بينها مبارزةٌ بين (مينيلوس – Menelaos) ملك أسبرطة زوج هيلين وباريس الذي خطفها، والفائز يحصل على هيلين كجائزة وتنتهي الحرب بعد ذلك، لكنَّ الآلهة تتدخل لتضع حدًا للمبارزة قبل نهايتها وتستمر الحرب، ثم تظهر مبارزةٌ أخرى قبل نهاية القصيدة بين (أخيل – Achilleus) ومحاربٍ طرواديٍّ عظيمٍ يُدعى (هيكتور – Hektor) والذي يُعرف أنه ليس في مستوى المقاتل اليونانيّ، فيدور حول المدينة ثلاث دوراتٍ، بينما يطارده أخيل، وفي النهاية تجبره الآلهة على المواجهة التي تتسبب بقتله.

وعلى خلاف الاعتقاد الشائع لا تنتهي الإلياذة بتدمير طروادة بل بهدنةٍ مؤقتةٍ يُفترض أن تستمر الحرب بعدها.

ويتحدث عملٌ آخر لهوميروس -وهو قصيدة (الأوديسة – The Odyssey)- عن دمار المدينة متضمنةً قصة محاولة البطل اليوناني (أوديسيوس- Odysseus) العودة إلى وطنه.

في الأوديسة قصة حصان طروادة وكيف استعمله الإغريق كهديةٍ لغزو المدينة.

أصل مدينة طروادة

تم التعرف على موقع هيسارليك شمال غرب تركيا على أنه طروادة منذ العصور القديمة حيث تظهر البحوث الأثرية أن الموقع كان مأهولًا لمدة 4000 عام بداية من 3000 قبل الميلاد، وكانت تُبنى مدينةٌ فوق أطلال الأخرى بعد تدميرها، وبذلك تحولت إلى تلٍ من المدن فوق بعضها البعض.

يكتب الباحث في جامعة أمستردام (جيرت جان فان ويجنغاردن -Gert Jan van Wijngaarden) في فصلٍ من كتاب طروادة: (المدينة، هوميروس، وتركيا): »ليس هناك طروادة واحدة فقط بل هناك على الأقل 10 مدن مبنية فوق بعضها البعض«، ويشير إلى أن البحوث الأثرية يجب أن تحفر عميقًا لتجد آثار المستوطنة الأولى، والتي كشفت أنها كانت مدينةً صغيرةً محاطةً بجدارٍ دفاعيٍّ من الحجر الخام، خارج الباب الأكبر يوجد حجرٌ عليه صورة وجهٍ وغالبًا هو إلهٌ ما يرحب بالزوار الجدد.

يكتب أيضًا: »ازدهرت طروادة بعد عام 2550 قبل الميلاد، حيث توسعت بشكلٍ كبيرٍ، وأُقيم حولها جدارٌ دفاعيٌّ ضخمٌ مصنوعٌ من قطعٍ حجريةٍ وطينيةٍ مستطيلة«. ويُشير إلى أن القلعة كانت بيتًا لقاعات الاجتماع (الميغارون) التي تضمنت غرفةً ممدودةً مع موقدٍ وساحةٍ مفتوحة.

عندما قام (هاينريش شليمان- Heinrich Schliemann) بالتنقيب في هذا المستوى من آثار طروادة عام 1873 وجد كنزًا مخبأً فاعتقد أنه يعود للملك برايام، يكتب (تريفور برايس – Trevor Bryce) الباحث من جامعة كوينزلاند في كتابه »أهل طروادة وجيرانهم«: »يبدو أن مجموعة الأسلحة والذهب والفضة والإلكتروم (سبيكة طبيعية من الذهب والفضة وبعض المعادن الأخرى) والنحاس والبرونز، والحلي الذهبية، بما في ذلك آلاف الخواتم الذهبية، ومجموعة من الأشياء الأخرى المصنوعة من مواد ثمينة، كانت قريبةً من الجانب الخارجي لجدار المدينة بالقرب من بناء القصر الملكيّ«.

تكهن بعض الباحثين أنَّ هذه الكنوز لم تُكتشف كلها في مخزنٍ واحدٍ بل تم جمعها على مدى أسابيع من مواقع مختلفة، فبينما كان يُعتقد أن هذا الكنز يعود لبرايام اتضح أنه أقدم منه بألفية.

طروادة كما حكى عنها هوميروس

مدينة طروادة التي من الممكن أن تكون المذكورة في قصائد هوميروس ربما تنتمي إلى مرحلتين مختلفتين بين 1700 و 1190 قبل الميلاد، إذ يشير برايس إلى أن دفاعاتها كانت هائلة وكتب: »تمت تعلية الجدران المصنوعة من الطين والطوب حتى ارتفاع 9 أمتار (30 قدم)، وبنيت فيها عدة أبراج مراقبة، كان أكثرها علوًا هو الموجود في المنطقة المحصنة في الشمال الشرقي للمدينة الذي ساعد في تعزيز دفاع القلعة وقدم رؤيةً قياديةً لأرض طروادة«.

الحجم الدقيق للمدينة أمرٌ غير متفقٍ عليه، كتب عالم الآثار (مانفريد كورفمان – Manfred Korfmann) الذي قاد عمليات التنقيب في كتاب طروادة: »من إلياذة هوميروس إلى ملحمة هوليوود«: »إن العمل في الموقع أظهر وجود مدينةٍ تحت القلعة تبلغ مساحتها حوالي 30 هكتار«.

يقول مانفريد: »طروادة هذه فيها منطقةٌ سكنيةٌ كبيرةٌ تحت القلعة المحصنة، وما نعرفه اليوم أنَّه لم يكن هناك أي مثيلٍ لهذه القلعة في منطقة جنوب شرق أوروبا«.

مساحة هذه المنطقة السكنية ما تزال محل جدلٍ بين العلماء، ومنهم من يعتقد أن كورفمان يبالغ في تقدير مساحتها.

المشكلة الأساسية في تحديد ما إذا كانت طروادة هذه هي نفسها التي تحدث عنها هوميروس وهذه هي الطريقة التي آلت إليها أو لا، فجدرانها المتفسخة تقترح أن هزةً أرضيةً أو زلزالًا ضربها حوالي 1300 قبل الميلاد متبوعًا بثورةٍ أو هجوم.

يكتب فان ويجنغاردن: »توجد بعض آثارٍ للنار والحبال، ما يشير إلى إمكانية نشوب قتال، ومع ذلك يبدو أن الزلزال هو ما تسبب بمعظم الأضرار«.

أُعيد إعمار المدينة بعد الدمار بأيدي سكانها السابقين أنفسهم وليس على يد قوةٍ يونانية.

بالرغم من أنه تمت مهاجمة المدينة في 1190 قبل الميلاد، إلا أنه من المستبعد أن تكون قوةٌ يونانيةٌ خلف هذا الهجوم؛ لأنه وفي هذا الوقت كانت حضارة اليونان الميسينية قد انهارت، وفي طروادة وجد علماء الآثار السيراميك والفؤوس البرونزية القادمة من جنوب شرق أوروبا، ما يشير إلى أن بعض الناس من تلك المناطق انتقلوا إلى داخل المدينة.

طروادة في العصور التالية

هُجرت المدينة عام 1000 قبل الميلاد وأعيد احتلالها في القرن الثامن قبل الميلاد أي في زمن حياة هوميروس، أطلق اليونانيون اسم (إليون – Ilion) على المدينة المحتلة.

يكتب برايس: »لم يشك المستوطنون الجدد أنهم على وشك احتلالٍ يمثل الاستعداد الأسطوريّ لحرب طروادة، وفي أوقاتٍ لاحقةٍ استفاد سكانها من ذلك لاستقطاب الدعم السياسي والسياح«.

كانت إليون متواضعةً في القرون العدة الأولى، وبينما يعتقد العلماء أن الذين استوطنوا طروادة عام 1000 قبل الميلاد كانوا من المستعمرين اليونانيين، يوجد من يشكك في هذه الفكرة، ففي عام 2014 كشفت الأبحاث التي نشرها فريقٌ من العلماء في مجلة أكسفورد للآثار أن (أمفورا – amphora) وهي جرةٌ فخاريةٌ مع اثنين من المقابض العمودية، استخدمت في العصور القديمة لتخزين ونقل المواد الغذائية مثل النبيذ وزيت الزيتون في طروادة، والتي كان يُعتقد أنه تم استيرادها من اليونان كانت في الواقع محليّة الصنع، وإن الكثير من منتجات الفخار الأخرى وُجدت في المدينة بعد عام 1000 قبل الميلاد.

ويقترح الفريق أن العديد من الأشخاص الذين أعادوا احتلال طروادة ربما ليسوا مستعمرين يونانيين بل هم أشخاصٌ عاشوا بالفعل في المنطقة.

الموقع المتجدد

توقف الملك الفارسي (زركسيس – Xerxes) ليحيي طروادة في طريقه لغزو اليونان، والجدير بالذكر أن الاسكندر الأكبر سيفعل الشيء نفسه في القرن الرابع قبل الميلاد ليمنحها وضعًا خاصًا ضمن إمبراطوريته.

كتب سترابو، الذي عاش منذ حوالي 2000 سنة: »ويقال أن مدينة إيليون الحالية كانت مجرد قريةٍ فيها معبدٌ تابعٌ لأثينا، معبدٌ صغيرٌ ورخيص، ذهب الاسكندر هناك بعد انتصاره في معركة نهر (غرانيكوس – Granicus)، زيّنَ المعبد بالنذور والعطايا، وأعطى القرية لقب المدينة، وأمر المسؤولين بتحسين مبانيها، وأمر بإعفاء أهلها من الجزية، وفي وقتٍ لاحقٍ بعد الإطاحة بالفرس أرسل رسالةً يعد فيها أنه سيجعل المدينة أكبر مما كانت عليه«.

استمر الوضع الخاص لطروادة حتى مرحلة حكم الرومان، اعتقد الرومان أن أحد أبطال طروادة القديمة (اينيس – Aeneas) هو سلف (رومولوس – Romulus) (وريموس – Remus) مؤسسي روما الأسطوريين.

استفاد سكان المدينة من هذه الأساطير بجعل مدينتهم -كما كتب برايس- هدفًا مشهورًا وذا شعبيةٍ للحجاج والسيّاح، وأشار إلى أنه في هذه المرحلة من وجود طروادة وتحديدًا بعد أن أصبحت وجهةً سياحيةً معروفة، توسعت وصارت أكبر من أي وقتٍ مضى بما في ذلك وقت الحرب التي يتم الحديث عنها.

على كل حالٍ وخلال العصور الوسطى، انحدرت المدينة وتحديدًا في القرن الثالث عشر، انخفض مستوى الحياة في المدينة لتصبح مجتمعًا زراعيًا متواضعًا.

كشفت دراسة الحمض النووي مؤخرًا قصة امرأةٍ ماتت منذ 800 سنة بسبب عدوى ظهرت أثناء فترة الحمل، طروادة اليوم هي موقع يونسكو للتراث العالميّ ومكانٌ مشهورٌ بالنسبة للسياح في تركيا.

يتم الآن بناء متحفٍ جديدٍ على أرض طروادة، وقدمت الحكومة التركية طلبات إعادة إلى الوطن بالنسبة للآثار التي نقلت بشكلٍ غير قانوني من المدينة في القرن العشرين.

هل كان هناك حرب طروادة حقاً؟

إن أكبر سؤالٍ يواجه العلماء هو هل حدثت حربٌ في طروادة إطلاقًا؟ وإذا حدثت فعلًا.. فهل هذه هي طروادة؟

لسوء الحظ، البقايا المكتوبة التي وجدت في طروادة ذات تاريخٍ محددٍ قبل الاحتلال اليوناني في القرن الثامن قبل الميلاد هو ختمٌ مكتوبٌ باللغة (اللوفيانية – Luwian) وربما يكون الختم جُلب إلى طروادة من أماكن أخرى في تركيا.

يلاحظ العلماء أن تضاريس المدينة في الأسطورة متشابهةٌ بشكلٍ عامٍ مع تلك التي في المدينة الحقيقية، وما زالت البقايا الأثرية تشير إلى بعض المشاكل حيث تظهر أنَّ طروادة في وقت الحرب المفترضة دمرتها الزلازل، واستقبلت في مرحلةٍ لاحقةٍ سكانًا جددًا من جنوب شرق أوروبا وليس اليونان.

وتترك هذه القضايا المعلقة الباحثين عالقين في بعض الغموض، يقول برايس: »في نهايةٍ واحدةٍ من طيف الرأي هو الاقتناع بأنه كانت هناك حربٌ فعلًا، وأنها إلى حدٍ كبيرٍ كما وصفها الشاعر، بداية بالمرور عبر درجاتٍ متفاوتةٍ من التشكك واللاإرادية إلى الطرف الآخر من الطيف حيث يتم إرجاعه كلّيًا إلى عالم الخيال«.


  • ترجمة: أسامة ونوس.
  • تدقيق: تسنيم المنجّد.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر