عندما وطأت أولى أقدام الإنسان سطح القمر عام 1969، تصور الناس أنه بحلول القرن الحادي والعشرين سيكون السفر عبر الفضاء من الأشياء الروتينية، وسيكون من الممكن زيارة الكواكب الأخرى في نظامنا الشمسي، أو حتى المغامرة بالسفر عبر النجوم والمجرات.

لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فلم يتمكن الإنسان من إحراز أي تقدم في الغوص أعمق داخل الفضاء، سوى ما أُنجز من الهبوط على القمر في أواخر الستينيات وأوائل السبعينات من القرن الماضي. أُنشئت قاعدة مدارية مأهولة حول الأرض: محطة الفضاء الدولية، التي ظلت مأهولة باستمرار عقدين من الزمن. تعمل ناسا لاستكمال الرحلات المأهولة إلى القمر، مقدمةً لرحلة مستقبلية للمريخ.

ودخل رواد أعمال القطاع الخاص مجال الفضاء مثل «إيلون ماسك»، الذي أبدى رغبته في إنشاء سفينة فضاء قادرة على الوصول إلى المريخ، ودعم مستعمرة دائمة للبشر هناك. تسعى دول أخرى للوصول إلى المريخ مثل الصين، التي تهدف لإرسال رواد الفضاء للكوكب الأحمر بحلول عام 2033.

يرى من يحلمون بسفر الإنسان عبر الفضاء بعمق، أن استكشاف الفضاء قد يُدر على الإنسان منافع كثيرة في مجالات مثل الصحة والتعدين والأمن وفوائد مُلهمة أخرى. لنتعرف على بعض الأسباب الساحرة للاستمرار في استكشاف الفضاء:

1- الحماية من حوادث الكويكبات الكارثية:

إذا كنا نريد تجنب مصير الديناصورات في وقت ما لاحقًا، فيجب الأخذ في الحسبان التهديدات المحتملة من اصطدام كوكبنا بكويكب ضخم. يُحتمل اصطدام كويكب صخري أو معدني بحجم ملعب كرة قدم بكوكبنا كل 10 آلاف سنة وفقًا لناسا، قد يؤدي إلى موجات مدية كافية لإغراق الكثير من المناطق الساحلية.

ويوجد ذلك الوحش المرعب بحق: كويكب طوله 100 متر أو أكثر، هذا ما يجب أن نخشاه. اصطدام كهذا قد يُخلف إعصارًا ناريًا من أنقاض ساخنة، ويغمر الغلاف الجوي بغبار يحجب أشعة الشمس، ما سيؤدي إلى محو الغابات والمزارع، وتجويع البشر إضافةً إلى الحيوانات التي لم تلقَ حتفها لحظة الانفجار.

لذا من الضروري جدًا أن نبتكر طرق لتحييد مثل هذه التهديدات المحتملة. اختبار ناسا لإعادة توجيه الكويكب المزدوج، الذي سينطلق في أواخر سبتمبر 2022. ستكون مهمته الأولى عرض تقنية الانحراف الكويكبي بواسطة التصادم الحركي. ستتحطم سفينة فضاء آلية داخل النظام الثنائي للكويكب «ديديموس». إنها مجهودات مبذولة لتوضح قابلية تغيير مسار الكويكبات، ما سيُمكن ناسا من تحييد أي تهديدات محتملة لكوكب الأرض.

2- سيؤدي إلى مزيد من الاختراعات العظيمة:

يوجد العديد من المعدات والمواد والعمليات التي صُممت خصوصًا من أجل برنامج الفضاء الأمريكي، لكنها وجدت طريقها إلى بعض التطبيقات على الأرض.

تمتلك ناسا مكتبًا خاصًا لإعادة توجيه تكنولوجيا الفضاء في صناعة بعض المنتجات. مثلًا، الأطعمة المجففة المجمدة بهدف حفظها، إضافةً إلى العديد من المنتجات الأخرى. ابتكر علماء ناسا الغطاء البلاستيكي ذا البنية المعدنية العاكسة، التي تعمل على عكس درجة حرارة الجسم بنسبة 80%، ما يعمل على التدفئة، مثل تدفئة ضحايا الحوادث، أو العدائين بعد الماراثون.

ويوجد تطبيق غامض بعض الشيء لكنه قيّم، إنه النيتينول، وهو سبيكة مرنة تمتلك خاصية الرجوعية، ما يجعل الأقمار الصناعية تفتح مرة أخرى بعد طيّها داخل الصواريخ. ويعمل مختصو الأسنان على صناعة تقويم الأسنان من هذه المادة.

توجد اختراعات أخرى انبثقت من برامج الفضاء مثل الأشعة المقطعية، ولمبات الليد، والرغوة الذاكراتية، والطعام المجفف المجمد، المواد الماصّة للصدمات المستخدمة في الأطراف الصناعية، وفأرة الحاسوب، والحواسيب النقالة، والإضافات الغذائية الأساسية المستخدمة في حليب الأطفال.

3- إنها مفيدة من أجل صحتك:

عملت محطة الفضاء الدولية على استحداث مصادر لاختراعات طبية من أجل استعمالها على الأرض، منها طرق مكافحة مرض السرطان، إذ تعمل على توصيل العلاج للأورام مباشرةً. إضافة إلى معدات تساعد الممرضين على عمل موجات صوتية وإرسالها إلى الأطباء على بعد آلاف الأميال، وذراع آلية تستطيع إجراء عمليات عالية الدقة داخل آلة تصوير الرنين المغناطيسي.

بذل علماء ناسا مجهودات كبيرة لتجنب إصابة رواد الفضاء بفقد العضلات والعظام نتيجةً لانعدام الجاذبية في الفضاء، وقد ساعدوا شركات الدواء لتطوير عقار «بروليا» واختباره، الذي يعمل على حماية كبار السن من هشاشة العظام. مع أن الفئران والبشر غير متطابقين في ما يخص وظائف الأعضاء، فإنه من المنطقي جدًا اختبار العقاقير على الفئران. يفقد رائد الفضاء نحو 1.5% شهريًا من كثافة العظام، في حين يفقد كبار السن من النساء نتيجة لهشاشة العظام 1.5% سنويًا.

4- يعد استكشاف الفضاء مصدر إلهام:

إذا أردت عالمًا يصبح فيه العلماء والمهندسون مصدرًا لإلهام الأطفال بدلًا من برامج تليفزيون الواقع أو مغنيّي الراب أو مضاربي البورصة، ففرصة وجود مؤسسة عالمية تجذب وتُلهم النشء أصبحت أمرًا ملحًا جدًا.

يقول «نيل تايسون» عالم الفيزياء الكونية: «إذا طرحت على مجموعة من أطفال الروضة هذا السؤال: (من منكم يحب أن يصبح مهندس طائرات يمكنه تصميم طائرة توفر 20% من الوقود مقارنةً بالطائرة التي نركبها الآن؟) حسن، لن تجد الكثير من التفاعل مع هذا الطرح، لكن إذا قلت: (من منكم يحب أن يصبح مهندس طائرات يمكنه تصميم طائرة تستطيع التنقل عبر الغلاف الجوي للمريخ؟) بالتأكيد ستحصل على مزيد من انتباه الطلاب في الصف». إن الهام الأطفال سيكون دائمًا المفتاح لمستقبل مليء باكتشافات الفضاء.

5- له أهمية في الأمن القومي:

تحتاج الولايات المتحدة إلى استكشاف ومنع الدول المعتدية أو الإرهابيين من نشر أسلحتهم في الفضاء، أو حتى مهاجمة الأقمار الصناعية الخاصة بالملاحة أو الاتصالات أو المراقبة. رغم إبرام المعاهدات مع دول كُبرى مثل روسيا والصين عام 1967 بخصوص منع تعيين مناطق خاصة بالدول في الفضاء، ليس من الصعب التفكير في أمثلة كثيرة لخرق المعاهدات والاتفاقيات وتنحيتها جانبًا عندما تتراءى لهم الفوائد.

حتى إذا سمحت الولايات المتحدة بخصخصة الكثير من اكتشافات الفضاء، يجب التحقق من أن الشركات تستطيع التنقيب على القمر أو الكويكبات دون قلق من المتطفلين الذين سيحاولون السطو على ممتلكاتها، أو سرقة إنتاجها. لذا من المهم جدًا أن تعمل الدبلوماسية على تزويد ناسا بالإمكانيات اللازمة لتحويل قدراتها الفضائية إلى الاستخدامات العسكرية إذا لزم الأمر. عام 2019، مُرر قانون من الكونجرس بدعم حزبي لإنشاء قوة الفضاء الأمريكية، وهي قوة ملتزمة بحماية المصالح الأمريكية في الفضاء.

6- نحتاج إلى مواد أولية من الفضاء:

الذهب موجود في الكون، إضافة إلى الفضة والبلاتينيوم والكثير من المواد القيمة الأخرى. يُوجه القطاع الخاص انتباهه نحو إجراء عمليات تنقيب على الكويكبات، لكن مُنقبي الفضاء ليس عليهم الذهاب بعيدًا ليعثروا على الثروات.

القمر، مثلًا، من المحتمل أن يكون مصدرًا ثريًا بعنصر الهيليوم-3، الذي يُستخدم في بعض عمليات التصوير المغناطيسي، ويمكن استخدامه وقودًا في محطات الطاقة النووية. يُعتقد أيضًا أن القمر قد يكون مصدرًا لبعض عناصر الأرض النادرة مثل «اليوروبيوم» و«التنتالوم»، وهما عنصران مهمان في صناعة الإلكترونيات واللوحات الشمسية وبعض المعدات المتقدمة.

7- تستطيع الأمم التعاون فيما بينها بسلام:

ذكرنا سابقًا الفكرة المشؤومة للصراع الدولي في الفضاء. لكن ليس من الضروري أن يكون الأمر كذلك. تمثل محطة الفضاء الدولية دليلًا على التعاون الدولي في مجال الفضاء. يسمح برنامج الفضاء الأمريكي بمشاركة الدول الأخرى في الجهود الاستكشافية.

أشارت وثيقة من ناسا نُشرت عام 2018 إلى فوائد التعاون الدولي. مثلًا، يعمل اقتسام التكاليف الضخمة على تدعيم الروابط الدبلوماسية بين الدول مثل الولايات المتحدة والهند، إضافةً إلى خلق فرص عمل جديدة في الدولتين.

عام 2020، منحت ناسا أول عقود مبرمة بين أربع شركات لجمع عينات من الحطام الصخري للقمر، تلك الصخور المبعثرة والغبار الموجود على السطح، عندما تُستأنف الرحلات الفضائية إلى القمر مجددًا. قد تكون أولى الخطوات نحو التنقيب عن المواد الأولية على القمر. يقول «مايك جولد» الممثل السابق لإدارة العلاقات الدولية في تصريح لجريدة تايم: «موارد الفضاء هي الوقود الذي سيوجه أمريكا وكل البشرية نحو النجوم».

8- قد تساعد على إجابة الأسئلة الكبرى:

يعتقد ثلثا الأمريكيين -نحو 65%- بوجود حياة ذكية على كواكب أخرى. أظهر استطلاع للرأي أجراه «مركز أبحاث بيو» أن العامة يرون أن الأجسام الطائرة الغامضة (UFOs)، لا تشكل تهديدًا كبيرًا على الدولة، عندما سُئلوا عن رأيهم فيما يتعلق بالأمن القومي الأمريكي. يعتقد 51% من الأمريكيين أن الأجسام الطائرة الغامضة لا تُمثل تهديدًا على الإطلاق، في حين يرى 36% أنها قد تشكل تهديدًا بسيطًا.

ما زال مسح الفضاء للعثور على إشارات قد تكون علامة على وجود عوالم أخرى بعيدة بواسطة التلسكوبات الأرضية غير مثمر. ربما غلافنا الجوي هو السبب إذ يتداخل مع الرسائل ويمنع وصولها إلينا. يسعى الباحثون لإطلاق مراصد مدارية للبحث عن حضارات غير أرضية، مثل مرصد جيمس ويب الفضائي، الذي يمتلك قدرة البحث عن العلامات الكيميائية للحياة في الأغلفة الجوية للكواكب البعيدة خارج نظامنا الشمسي. إنها البداية فقط، لكن توجد مجهودات فضائية قوية أخرى للحصول على براهين عن وجود حضارات غير أرضية، ما يجيب عن سؤالنا حول وجود حياة في الكون.

9- يحتاج الجنس البشري إلى إشباع رغبته في الاستكشاف:

انتشر أسلافنا البدائيون من شرق إفريقيا إلى كل بقاع البسيطة. ومنذ ذلك الحين لم نكف عن التحرك. لقد استنفدنا تقريبًا كل المناطق الجديدة في هذا الكوكب. الطريقة الوحيدة لتلبية تلك الرغبة القديمة هي استكشاف مناطق جديدة، ابتداءً من رحلة خاطفة إلى القمر للسياحة، أو التقدم لرحلة عبر المجرات، التي قد تستغرق عدة أجيال لإكمال التجربة.

في خطاب ألقاه «مايكل جريفين» مدير ناسا السابق موضحًا الفرق بين الأسباب المقبولة، والأسباب الحقيقية الخاصة باكتشافات الفضاء: الأسباب المقبولة متعلقة بالمنافع الاقتصادية والأمن القومي، أما الأسباب الحقيقية فتتضمن مفاهيم مثل الفضول والتنافسية وبناء الإرث.

يقول جريفين: «من منا لم تأخذه الدهشة عند مشاهدة شيء جديد لم يره من قبل، وإن كان عبر التلفاز. إنها تجربة تحييها مهام الروبوتات الفضائية، عندما نفعل الأشياء من منطلق الأسباب الحقيقية، وإن كانت تتعارض مع الأسباب المقبولة، فإننا نحصل على أرقى الإنجازات».

10- قد نحتاج إلى استعمار الفضاء لضمان البقاء:

إن قدرتنا على إطلاق الأقمار الصناعية في الفضاء مكنتنا من مراقبة الأرض ومحاربة مشكلاتها المتعاقبة، من حرائق الغابات وتسربات النفط، إلى جفاف المياه الجوفية، التي يعتمد عليها الإنسان للحصول على المياه العذبة.

نتيجة للنمو السكاني المُطرد، ازداد الطمع والتجاهل تجاه العواقب المتلاحقة بحق البيئة، التي خلفت أضرارًا فادحةً لكوكبنا. في إحصائية بحثية أُجريت عام 2012 قدر العلماء أن قدرة الأرض على الاستيعاب تتراوح بين 8 و16 مليار نسمة، ونحن بالفعل قُرابه الثمانية مليارات في 2021، ما قاد المهتمين بالمستقبل لغزو كواكب أخرى. حياتك، أو حياة ذُريتك، ستعتمد على ذلك قريبًا.

اقرأ أيضًا:

استصلاح القمر مفتاح غزو النظام الشمسي

مناطيد لغزو واستيطان كوكب الزهرة – العيش على كوكب الزهرة!

ترجمة: محمود سامي

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر