بُنيت الملاعب الإغريقية والرومانية القديمة بطريقة مبهرة تثير الإعجاب، ونرى تصاميمها في كثير من ملاعب كرة القدم الحديثة.

أولى الإغريق والرومان أهمية كبيرة للمهرجانات والمسابقات الرياضية، إذ حوّلوا الملعب وساحاته المتواضعة إلى شبكة متصلة من الملاعب المصممة لإظهار قوتهم وتكريم آلهتهم، وألهمت تصاميمهم الاستثنائية والرائعة للحلبات مصممي المباني الجديدة عبر آلاف السنوات.

منذ بداية القرن العشرين وحتى نهاية العشرينيات منه ازدادت شعبية كرة القدم الجامعية ازديادًا كبيرًا. استلهم المعماريون الطموحون من التصاميم الإغريقية والرومانية عند تشييد الملاعب الضخمة التي انتشرت في حرم الجامعات عبر البلاد.

سنذكر بعض هذه النصب القديمة وبعض تأثيراتها الخالدة:

1- مدرج بومبي:

جذبت مدينة بومبي التي كانت تعج بالفنون المثيرة ومباريات المصارعة آلاف المشجعين.

عندما ثار بركان جبل فيزوف عام 79، حافظ الرماد البركاني على أقدم مدرج حجري روماني. امتلأت الحلبة الداخلية البيضاوية الصغيرة باللوحات الجدارية التي تصور مواضيع مثل المعارك واصطياد الوحوش البرية (دب يقاتل ثورًا)، كما ذكرت الكاتبة جوان بيري في كتابها «بومبي القصة الكاملة».

تميز الفناء الخارجي للملعب بعدد من السلالم الغريبة شبه المنحرفة، يدعم كل منها 6 أقواس تقود إلى القمة.

قالت ديانا كلاينر مؤرخة الفن في جامعة ييل: «كان تصميم هذه الأدراج فريدًا ولا يوجد ما يشبهه في تاريخ العمارة الرومانية».

استُنسخ ملعب جامعة ييل ( ييل بول) المُفتتح في عام 1914 عن مدرج بومبي، إذ حُفرت فوهة بيضاوية هائلة وبُنيت المقاعد فوق التلال التي تشكلت حولها.

وفقًا لمجلة خريجي جامعة ييل، صمّم المهندسون الملعب بحيث يشير محوره الثانوي القصير إلى الشمس في تمام الساعة الثالثة من يوم 15 نوفمبر؛ لذلك لن يضطر أي لاعب كرة أن ينظر إلى الشمس بينما يلعب فريق ييل مبارياته الحاسمة ضد فريقي جامعتي برينستون وهارفارد.

2- الكولوسيوم الروماني:

يقع الكولوسيوم في وسط روما القديمة، وبُني على أنقاض قصر الإمبراطور نيرون، وافتُتح في عام 80 بسلسلة من الألعاب المرتقبة.

استُلهم الكولوسيوم من مدرج مدينة كابوا الأقدم والأصغر، الذي شهد انبثاق شرارة حرب العبيد الثالثة بقيادة سبارتاكوس.

استطاع تصميمه الذكي استيعاب تدفق الجموع إليه بكفاءة عالية عبر العشرات من ممرات الدخول والفتحات إلى أرجاء الحلبة، وساعدت الأقسام المخصصة لسادة القوم في الدخول والخروج والتجول في الردهات الخاصة بهم بعيدًا عن العامة.

امتدت المتاجر وأكشاك البيع على طول الطابق الأرضي، حتى أن مدرج الألعاب احتوى على أنابيب كانت تُخفى أحيانًا داخل التماثيل، وترشّ رذاذ العطر المصنوع غالبًا من الزعفران المنقوع مع النبيذ على المتفرجين.

قبل أن تفتتح ولاية أوهايو ملعبها الجديد (حدوة الحصان) في عام 1922، كتب المعماري هاورد دوايت سميث عن التأثيرات الرومانية على تصميمه، إذ استُلهم الدور العلوي الضخم الممتد على طول الجزء الخارجي للملعب من تصميم الطابق العلوي للكولوسيوم، مثل نوافذه الصغيرة المربعة وأعمدته الملتصقة.

إضافة إلى ذلك، قلّد سميث بدقة تصميم البانثيون بمدخله ذو الأسقف المغطاة في الطرف الشمالي، مع أن ملعب أوهايو لم يُتِح ميزة رش رذاذ العطر على الجمهور.

3-ملعب دلفي:

كان موقع دلفي الغامض وسط سلسلة جبلية فائقة الجمال، تحوي قطعًا أثرية نادرة تُعد أساس الثقافة الإغريقية القديمة، وتمحورت حوله عبادة أبولو والوحي الروحاني.

احتضن ملعب دلفي سباقات الجري كجزء من الألعاب البيثية، وقد سُمح للنساء بالتنافس في بعض المسابقات خلافًا للألعاب الأولمبية القديمة والمشهورة.

قال جيفري سيغريف أستاذ علم التمارين البدنية في كلية سكيدمور: «لقد تفوق ملعب دلفي الحجري على نظيره في أوليمبيا بمراحل، إذ كان الجلوس في دلفي رائعًا مع وجود 12 صفًا من المقاعد، بعضها مخصص لكبار الشخصيات، فُصلت عن بعضها بسلالم. بدا مدرج دلفي كموقع رياضي حقيقي مقارنةً مع مقاعد أوليمبيا الأرضية المتواضعة».

عندما خططت جامعة ستانفورد لملعبها الجديد في عام 1921، خفّض المعنيون التكاليف عبر حفر تجويف أرضي، لكنه احتوى على ميزة فريدة تمثلت بشق قسم من التجويف بأخدود كبير يضم طريقًا طويلًا مستقيمًا ممتدًا بعيدًا عن الحفرة، وقد أشارت المصادر إلى تشابه ملعب ستانفورد مع تصميم دلفي الخاص المنحدر عبر سفح التل.

4-سيرك ماكسيموس:

احتشد أكثر من 200 ألف متفرج في سباقات العربات الحربية داخل سيرك ماكسيموس، السيرك الأضخم على الإطلاق، في حالة من الإثارة والترقب كي يشاهدوا سائقي العربات المتزينين بألوان فرقهم وهم يتسابقون في دورات داخل الحلبة حول مضمارٍ رملي طوله 621 مترًا.

اشتملت حلبات السيرك كلها على مضمار مستطيل مقسم بواسطة حائط حجري طويل يسمى السنسنة، يمتد عبر منتصف المضمار، واصطفَّ بمحاذاته عديد من النصب والتماثيل التي تضمنت مسلة مصرية (نصب طويل رباعي الوجوه متوج بهرم)، وقد أظهرت هذه المسلة الشاهقة قوة روما وسطوتها.

غصّت حلبات السيرك الكثيرة في روما بالمنافسات الرياضية ومصارعات المجالدين واصطياد الحيوانات البرية.

افتُتح في عام 1903 ملعب جامعة هارفارد الإسمنتي الجديد كأكبر ملعب جامعي في عصره، كان ذلك في زمنٍ اكتفت فيه باقي الكليات بمدرجات خشبية متهالكة تصطف حول الملاعب.

أثّرت هارفاد تأثيرًا كبيرًا في كرة القدم الجامعية، وقد لفت ملعبها انتباه كثيرين بسبب تشابه تصميمه مع أحد المدرجات الرومانية القديمة.

في أثناء طفرة إنشاء الملاعب في عشرينيات القرن العشرين اتبعت عشرات الجامعات خطى هارفارد.

ذكر مايكلل أوريارد في كتابه «ملك كرة القدم» أن الكُتّاب والصحفيين الرياضيين قد أشبعوا عالم كرة القدم الجامعية بكثير من التلميحات والإشارات العائدة إلى العصر الكلاسيكي القديم، إذ شبهوا اللاعبين بالمصارعين والملعب بمدرج ماكسيموس الروماني، أما الأفرقة المتنافسة فهي كالفيالق الإغريقية والفارسية.

5-ملعب باناثينايكو:

افتتح رجل الدولة الأثيني ليكورجوس ملعب باناثينايكو عام 330 قبل الميلاد، ثم أعاد هيرودس أتيكوس بناءه مستخدمًا الرخام الأبيض من جبل بنتلي القريب عام 140.

أُنشئ الملعب في واد طبيعي بين تلتين، ويُعد البناء الوحيد المبني كاملًا من الرخام.

أُطلق عليه مثل بقية الملاعب الإغريقية القديمة لفظ ملعب أو ستاد، وقد احتضن سباقات الجري لأول حدث رياضي أولمبي مدوّن في التاريخ.

يبلغ طوله نحو 182 مترًا، إلا أن التباينات الإقليمية في وحدة القياس أحدثت تفاوتًا طفيفًا في طول المضمار بين ملعب وآخر.

أشار باحثون إلى أن أحد الأطوال الشائعة بلغت 185 مترًا وأحيانًا 176 مترًا، وهي أطوال قريبة جدًا من طول المضمار لملعبي دلفي وباناثينايكو.

بلغ طول ملعب جامعة هارفرد عند تشييده 185 مترًا تقريبًا، بينما انتهت المدرجات بعد نحو 176 مترًا، في تشابه مقصود مع ملعب باناثينايكو.

هدفت هذه الخطوة إلى ربط كرة القدم الجامعية مع التقاليد التاريخية لتشييد الملاعب العظيمة.

اقرأ أيضًا:

عجائب الدنيا السبع

تاريخ مدرج الكولوسيوم الشهير

ترجمة: مرهف علم الدين

تدقيق: فاطمة جابر

مراجعة: عبدالمنعم الحسين

المصدر