حطم جزيء مكون من أربع ذرات الرقم القياسي لأبرد جزيء كبير، إذ ابتكر عدد من العلماء مؤخرًا جزيئًا مكونًا من أربع ذرات لم يُشاهد مثله من قبل، ويعد الأبرد من نوعه على الإطلاق.

ابتكر الباحثون ذلك الجزيء الفريد الذي يمثل مركبًا غريبًا من الصوديوم والبوتاسيوم برابطة كيميائية فائقة الطول، عند درجة حرارة 134 نانوكلفن، أو ما يعادل 134 مليار جزء من الدرجة فوق الصفر المطلق.

تُعد الأنظمة شديدة البرودة ضرورية لفهم السلوك الكمومي نظرًا لهيمنة قواعد ميكانيكا الكم التي تتحكم بالجسيمات دون الذرية عند درجات الحرارة المنخفضة، ما يسمح للعلماء بالتحكم الدقيق في طاقة الجسيمات لإنشاء عمليات محاكاة كمومية تحاكي أنظمة كمومية أخرى باستخدام فيزياء ما زالت غامضة إلى حد ما.

على سبيل المثال، قد تساعد دراسة السلوك الكمومي في نظام الجزيئات شديدة البرودة العلماء على تحديد خصائص المواد اللازمة لتصنيع الموصلات الفائقة عالية الحرارة.

تكمن المشكلة في المفارقة المتجذرة التالية: قد لا يستوعب النظام شديد البرودة وبالغ البساطة مجموعة السلوكيات في الأنظمة الكمومية المثيرة للاهتمام، ولكن إضافة المزيد من التعقيد قد يصعب عملية تصميم تجربة فعالة.

يقول رومان بوز الباحث في مجال البصريات الكمومية في جامعة خرونينجن في هولندا: «يستخدم الناس الذرات أو الأيونات في العادة، ووجود عدد محدود نسبيًا من الحالات الكمومية هو ما يجعلها خاضعة للسيطرة إلى حد ما. ولكن إذا قمنا برسم جميع الحالات الكمومية لجزيء ما، فسننتج عندها كتابًا سميكًا جدًا، إذ يوجد ما يقرب من مليون حالة من هذه الحالات».

تطرح هذه الحالات الكمومية الإضافية المزيد من الأسئلة الكمومية الشيقة، ولكنها تزيد من صعوبة عملية تبريد الجزيئات أيضًا.

ولحل هذه المشكلة، استخدم عالم الفيزياء في معهد ماكس بلانك للبصريات الكمومية في ألمانيا، وأحد المشاركين الدوليين في الدراسة الجديدة، شينيو لوه، عملية تبريد متعددة الخطوات، انطلاقًا من التبريد بالليزر بهدف إنشاء الجزيئات التي حطمت الأرقام القياسية.

تستخدم طريقة التبريد هذه أشعة ليزرية تنبعث من جميع الاتجاهات مستهدفة ذرة متحركة، فتمتص الذرة الضوء وتدخل في حالة كمومية مثارة، ثم تطلق الطاقة مباشرة لتعود إلى حالتها الأساسية. تطلق الذرة طاقة أكبر مما تمتصه بقليل بسبب نمط حركتها بالنسبة إلى أشعة الليزر، المعروف بتأثير دوبلر، ما يؤدي إلى تبريدها.

يضيف الباحث بوز: «تكمن مشكلة استخدام هذه التقنية في عدم وجود حالة افتراضية قاعدية واحدة فقط للجزيئات، فقد تحتاج عملية التبريد إلى الآلاف من أشعة الليزر، ما يمثل جهدًا تقنيًا كبيرًا جدًا».

تعد الذرات فائقة البرودة نقطة انطلاق ممتازة لبناء جزيئات فائقة البرودة، إذ تمكن فريق الباحث شي من ربط الجسيمات الفردية بجزيئات (NaK) ثنائية الذرة باستخدام مزيج من ذرات الصوديوم (Na) والبوتاسيوم (K) فائقة البرودة.

تظهر الصعوبات التقنية هنا، ويوضح الباحث بوز ذلك بقوله: «تكمن مشكلة ربط الذرات الباردة في الحاجة إلى تسخينها خلال القيام بذلك، فنحتاج نتيجة لذلك إلى تقنية تبريد أخرى، وهي التبريد بالتبخير».

تلتصق الجزيئات ببعضها تحت ظروف التبريد تلك لأسباب غير مفهومة تمامًا، فيعجز الباحث عن التحكم فيها بدقة، وقد حير هذا التحدي الخاص الباحثين لسنوات.

تغلب فريق الباحث شي على مشكلة تكتل جزيئات (NaK) ثنائية الذرة بتعريضها للتألق في موجات دقيقة محكمة السيطرة، ما أدى إلى تبريدها حتى درجة 134 نانوكلفن.

تتمتع الموجات الدقيقة بميزة فريدة أيضًا، إذ تحفز ارتباط جزيئين من (NaK) بصورة ضعيفة فيشكلان جزيئًا واحدًا مكونًا من أربع ذرات من NaK)2).

يوضح العالم بوز قائلًا: «عند تكوين الموجات الدقيقة بصورة صحيحة تمامًا فسننتج تجاذبات على نطاقات أطول، وليس مجرد تنافرات على نطاقات قصيرة فقط».

تبعًا لما سبق، يمتلك هذا الجزيء الفريد المكون من أربع ذرات رابطة مركزية أطول بنحو 1000 مرة من نظيرتها الموجودة بين ذرات الصوديوم والبوتاسيوم، بالإضافة إلى تصنيعه عند درجة حرارة أكثر برودة بنحو 3000 مرة من أي جزيء رباعي الذرة سبق صنعه.

يختم الباحث بوز بالقول: «تعد الاكتشافات الجديدة جديرة بالاهتمام لأنها ستوصلنا في النهاية إلى مواضع مثيرة لم يسبق لنا معالجتها نظريًا، وتمثل الموصلات الفائقة عالية الحرارة والمواد اللازمة لصنع بطاريات الليثيوم أبرز الأمثلة على ذلك».

اقرأ أيضًا:

الذرات شديدة البرودة قد تسبب أعاصير كمومية

رصد الكيمياء الكمومية الفائقة لأول مرة على الإطلاق

ترجمة: زين العابدين بدور

تدقيق: أنس الرعيدي

المصدر