في معركة أزلية بين الجنسين يبدو أنها لن تنتهي أبدًا، من يتألم أكثر من الآخر؟ فأيهما أكثر إيلامًا، ألم الولادة أم الضربة على الخصيتين؟ وهل نستطيع إيضاح شعورنا بالألم بواسطة واحدة قياس؟ وهل يختلف مقدار الألم من شخص لآخر؟

يعد الركل على الخصيتين و الولادة تجربتين قاسيتين لا يمكن إنكارهما نظرًا إلى أن تلك المناطق من جسم الإنسان تعد حساسة ومليئة بالأعصاب، ولكن أي من هذه الأعضاء التناسلية تسبب قدرًا أكبر من الألم؟ الرحم أم الخصيتين؟ أو هل يوجد خيار ثالث سري؟

حتى دون اختبار الضربة على الخصيتين شخصيًا، من المرجح أننا جميعًا رأينا أو على الأقل سمعنا أنها قد تسبب ألمًا لدرجة التقيؤ، أو إذا كانت قوية فإنها قد ترسل الشخص إلى المستشفى.

ولا يحدث الألم بين الساقين فقط، بل أنه قد يمتد لأعلى البطن، ذلك لأن الخصيتين تطورت في الأصل داخل الجسم مع مجموعة من الأعصاب والأنسجة، وتحديدًا في تجويف البطن قبل أن تنزل وتتموضع في كيس الصفن خارج الجسم قُبيل الولادة.

ولكن لماذا يسبب الرض على هذه المنطقة الصغيرة الكثير من الألم؟ إنها إجابة مكونة من جزأين، وفي جوهرها تقول إن تصميم الخصيتين مثالي لإلحاق أكبر قدر ممكن من الألم.

بدايةً لأن هناك حقيقة بسيطة مفادها أن الخصيتين تعد أحد الأعضاء التناسلية، تستخدم لممارسة الجنس والتكاثر، ولهذا السبب أدى التطور لوجود الكثير من النهايات العصبية في الخصيتين.

يقول ناثان ستارك مختص المسالك البولية في مستشفى هيوستن ميثوديست: «حتى عند التعرض لأبسط رض ممكن، فإننا سوف نشعر بالألم بسبب غزارة الأعصاب والمستقبلات الحسية في الخصيتين، ومن وجهة نظر تطورية، فذلك هو مفتاح إنتاج الحيوانات المنوية».

إذن ببساطة، يجب أن يُشعرنا الجسم بالألم، وإلا فلن يهتم الرجل بحماية خصيتيه من مختلف الضربات العرضية أو المتعمدة.

أشارت ورقة بحثية نٌشرت عام 2009 في مجلة علم النفس التطوري إلى سؤال مضمونه: لماذا لا ينزل المبيضان في أثناء التطور الجنيني ويظهران خارج تجويف جسم الأنثى في كيس رقيق غير محمي أيضًا مثل الخصيتين عند الذكور؟ وكانت الإجابة، أن تموضع المبيضان خارج جسم الإناث سوف يعرضهما للضرر والأذى وتبدلات درجة الحرارة، ومنه تصبح المبايض غير المحمية عيبًا تناسليًا خطيرًا.

ونفس المنطق ينطبق على الخصيتين لكن لأسباب مختلفة، تنطوي حول الحاجة إلى إبقاء الحيوانات المنوية بدرجة حرارة تناسبها، ولا يتحقق ذلك إلا ببقائها خارج الجسم. فالتطور إذن كان يتجه حقًا لحماية الذكور، أليس كذلك؟

يبدو من السخيف محاولة شرح سبب الألم في أثناء الولادة، لأنها عملية تحدث لإجبار إنسان على الخروج من آخر، عبر أنبوب لا يزيد عرضه عن 3 سنتيمتر، وتموت واحدة من كل 25 امرأة من أمهاتنا في أثناء الولادة.

بالنسبة لرض الخصيتين فإنه يسبب ألمًا لفترة قصيرة ثم يختفي بسرعة نسبيًا، أما ألم الولادة فيأتي ويختفي طوال عدة ساعات، ومنه المقارنة بين الحدثين تكاد تكون مستحيلة.

لكن الغريب هو أنه ليس كل الأنواع تعاني هذا الألم عند الولادة، إذ تستغرق إناث البشر وسطيًا تسع ساعات لتضع مولودها في أول تجربة ولادة يخضنها (أطول من يوم عمل)، وحتى بالمقارنة مع أقرب أقربائنا في مملكة الحيوان من القردة العليا، فإن عملية الولادة لدى البشر مؤلمة ومعقدة أكثر، فالبشر هم الكائنات الوحيدة التي تحتاج إلى المساعدة في أثناء الولادة، وحتى مع كل تقنياتنا الحديثة والالتزام بشروط التعقيم ما زلنا نعاني معدلات وفيات الأمهات وحديثي الولادة أعلى بكثير من أسلافنا البرية.

تقول هولي دونسورث عالمة الأنثروبولوجيا الحيوية بجامعة رود آيلاند: «بالنظر إلى حجم الأم، لدينا أطول فترة حمل، ولدينا أكبر الأطفال وأكبر الأدمغة، نحن نأخذ الكثير من أمهاتنا في أثناء الحمل وهنّ بالمقابل يلدن أطفالًا عمالقة».

ويجادل العلماء حول الترجيح الذي يمنحه كل منهم بدقة، فإن الأمر يرجع في الغالب إلى عاملين: أدمغتنا القديمة الكبيرة، ووضعية مجيء الجنين المستقيمة (معضلة التوليد)، أي أن التطور كان يوجه نحو الجمع بين القدرة على المشي الجيد والجري، والتمتع بالذكاء.

وتابعت دونسورث قائلة: «إن الفرضية غير مقبولة عالميًا، والسبب بالسؤال لماذا لا يتسع عظمي الورك عند إناث البشر دون إعاقة قدرتهن على المشي؟ لكن الجواب بكل بساطة لأنه واسع بما فيه الكفاية، والدليل هو وجود أكثر من سبعة مليارات إنسان على هذا الكوكب».

وبعد ساعات وساعات من المخاض والولادة المؤلمة التي تنقبض خلالها العضلات بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وتمدد عنق الرحم والمهبل إلى أقصى حد، وتباعد العظام لإفساح المجال لتقدم الوليد، وتوجد فرصة حقيقية أن ينتهي الأمر بتمزق أحد الأعضاء التناسلية من قوة الشد.

قال بارت بوترمان، طبيب أمراض النساء والتوليد: «إن تقلصات المخاض هي تشنجات عضلية، تمثل انقباض عضلة الرحم بالكامل، ويشبه أي انزعاج قد ينتج عن تقلص أي عضلات أخرى في الجسم، لكن بعض الناس تشعر بألم مضاعف أكثر من غيرها حتى عند حدوث نفس التقلصات».

الأمر الآخر الذي يجب أخذه بالحسبان أيضًا، هو الجانب النفسي، فمن المؤكد أن الركل على الخصيتين ليس أمرًا لطيفًا، لكنه لا يستمر ساعات أو حتى أيام متتالية، ولن يزداد سوءًا بمرور الوقت.

تبلغ ثلثي النساء في الولايات المتحدة عن الخوف المرضي من الولادة (ما يُسمى توكوفوبيا أو رهاب الحمل)، وهذا الخوف مبرر من دون شك، لأن نحو 33 من كل 100000 سيدة، تموت بسبب الولادة وحتى الآن هذا الرقم لم يتراجع.

وحتى بعد الولادة هذا الألم لا يزول، ولو لم تحدث أي تمزقات في الأعضاء التناسلية أو لم تحتج إلى غرز في واحدة من أكثر الأماكن حساسية في جسم الإنسان، فإن النساء ما يزلن يستشفين من محنة لا تصدق، ومع إن هذه التقلصات التي تسبب كل هذا الألم تمنع الموت بسبب فقدان كميات كبيرة من الدم في المخاض وتعيد الرحم إلى حجمه الطبيعي، فهذا لا يعني أنها لا تزعج. إنها حرفيًا عملية تمتد لساعات لإخراج إنسان من الأعضاء التناسلية لأنثى.

في الختام علينا أن ندرك أن الألم شخصي، أي ما هو تعذيب لشخص ما قد يكون مجرد دغدغة لآخر.

اقرأ أيضًا:

التواء الخصيتين وفقدان الذاكرة المؤقت، كيف تؤثر أجهزة الصعق الكهربائي في الجسم؟

الجهاز التكاثري الذكري: التشريح والوظيفة والمشكلات المتعلقة

ترجمة: تيماء القلعاني

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر